درّس "أحمد حسن" في مدارس قرية "كاف الجاع"، وكان أول مدرّس فيها، فاندفع للحث على التحصيل العلمي بمبادرات شخصية عبر زيارة أرباب الأسر، ولم يترك عمله الزراعي الذي جعله ثاني مزارع للتفاح.

انطلق المربي الفاضل "أحمد علي حسن" من قريته ليدرّس في عدة مدارس خارج نطاق مدينته كقرية "تعنيتا" و"بستان تعنيتا" و"القديميسة"، وحاول نشر رسالة التعليم التي يعدّها الأسمى في المجال الإنساني، حيث قال لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 4 كانون الأول 2015، عن تلك الرحلة: «من قريتي "كاف الجاع" التي تبعد عن مدينة "القدموس" نحو سبعة كيلومترات باتجاه الشرق، رسمت أولى خطوات مهنة العمل الإنسانية في مجال التدريس، فكانت لي بصمتي الواضحة بنشر ثقافة التحصيل العلمي، من خلال الحض عليها، ففي فترة الستينيات من القرن الماضي لم تكن تنتشر ثقافة التعليم، بل ثقافة العمل الزراعي ومتابعة العيش الكريم، فتخرج من بين يدي العديد من الكوادر الوطنية المثقفة التي أفخر بها، كالأطباء والمهندسين والفنيين والمختصين بمختلف مجالات الحياة، وهذا ينطبق أيضاً على مجتمعي القروي بعدما عدت إلى قريتي لأتابع نشر ثقافة التحصيل العلمي فيها، على الرغم من ميل المجتمع إلى العمل الزراعي الذي يعد مصدر الرزق الوحيد في تلك الفترة.

لقد شجع على التحصيل العلمي، وسخر مكتبته الخاصة لخدمة المجتمع، وتميز بمسيرة تعليمية بناءة أسست لكوادر بشرية مثقفة يقوم عليها المجتمع في وقتنا الحالي، وكان مثالاً للمدرّس الفاضل

واجهتني الكثير من الصعوبات في تلك المرحلة، وخاصة منها ما يتعلق بطبيعة تفكير أرباب الأسر بأهمية أن يكون الأبناء إلى جانب آبائهم في العمل الزراعي، ليكونوا منتجين حقيقيين، وهذا ما دفعني بطبيعة الحال للقيام بمبادرات فردية للحث على التعليم، أساسها وقوامها الزيارات الدورية للآباء وإقناعهم بأهمية إرسال أبنائهم إلى المدارس وتغيير نمط الحياة الزراعي إلى نمط حياة تعليمي زراعي، ومن ثم الخوض في سوق العمل المعتمد على الوظائف والعمل الحر المرتكز على ما حققوه من تحصيل علمي، وقد أفلحت في تلك المبادرات وخلقت حالة جميلة من الوعي الجمعي الثقافي، فتغيرت ديموغرافية المجتمع».

خلال تكريم المدرس أحمد حسن في ثقافي القدموس

وعن البدايات والدافع لتحقيق تنمية تعليمية في المجتمع انطلاقاً من الحالة الفردية للمدرّس "أحمد حسن"، قال: «أنا ابن بيئة زراعية منذ ولادتي ونشأتي عام 1942، حيث عملت في البداية كمعلم وكيل نحو ثلاث سنوات، وحصلت خلالها على أكثر من 500 يوم تدريس، وتقدمت بعدها لامتحانات أهلية التعليم الابتدائي، أو ما يعرف الصف الخاص، وتابعت في التعليم الابتدائي حتى مرحلة الخدمة الإلزامية، وبعد الانتهاء منها تقدمت لامتحان الثانوية العامة وتابعت التحصيل العلمي الأكاديمي في كلية الآداب قسم الفلسفة، علماً أن ميولي كانت تجاه اللغة العربية، وبعدها انتقلت من التعليم إلى التدريس، حيث بدأت التدريس رسمياً عام 1966، وحصلت على لقب أقدم مدرّس في القرية، وهذا كان عبئاً كبيراً عليّ لتأسيس أجيال مثقفة متعلمة مندفعة إلى الحياة المستقبلية، فشجعت على متابعة التعليم على الرغم من كل الظروف الصعبة في تلك الفترة من الفقر المادي وضعف الرؤية المستقبلية للجميع. لقد كان أغلب الأهالي يرون أن الشاب مرجعه إلى حقله، لذلك حاولوا تسريبهم من المدارس بحجة المساعدة في الأعمال اليومية».

ويتابع: «تملكتني رغبة كبيرة بالتعرف إلى اللغة العربية وخفاياها، وعلى هذا الأساس تقدمت لامتحان الثانوية العامة مرتين على أمل الحصول على علامة تخولني دراسة اللغة العربية بمنهجية أكاديمية، لكن للأسف لم أتمكن من هذا، فاستعضت عن ذلك بمكتبة خاصة فيها مختلف الكتب الاختصاصية باللغة العربية، ككتاب الأغاني ودواوين الشعراء وكتب "أبي العلاء المعري" وجذور الذهب "لابن هشام"».

رئيس مجلس مدينة القدموس أحمد أبو حسون

ولم ينكر المدرّس "أحمد حسن" جذوره البيئية بل نماها وعمل بها، وهنا قال: «عملت بالزراعة منذ الصغر وتابعت فيها إلى جانب الدراسة وما زلت أمارس زراعة التفاح في قريتي؛ حيث أعدّ ثاني مزارع للتفاح فيها، بعد رئيس الجمعية الذي توفي منذ مدة.

وهذا دفعني لتشجيع أبناء القرية على متابعة التعليم، وخاصة الطلاب المتميزين ذوي الأحوال المادية البسيطة، ليكون لهم شأن ومصدر دخل إلى جانب العمل الزراعي، وخلاصة هذه الأعمال أنقذت بعضهم من براثن الجهل والفقر، رافقها زيارات متكررة للأهالي لوضعهم بصورة آخر المستجدات التعليمية والنجاحات التي يحققها أبناؤهم».

المدرس أحمد علي حسن

أحب المدرّس "أحمد" البساطة في التعامل والصدق في العمل، ورسخ لهذا بالعلم ومتابعة التثقيف، وكان مع كل وفرة مادية يقتني الكتب ليطالع ويتنور بها على أساس التصميم والعزيمة كركيزة أساسية لكل نجاح.

وفي لقاء مع رئيس مجلس مدينة "القدموس" "أحمد أبو حسون" الذي كرم بصفته الاعتبارية المربي "أحمد علي حسن"، قال: «لقد كرمنا المربي "أحمد حسن" لمسيرته التعليمية الجادة والمناضلة من أجل التعليم، ولأنه نشر ثقافة التحصيل العلمي في قريته والقرى التي درّس فيها، كان له الفضل في تأسيس مجتمع متعلم مرتبط بجذوره المجتمعية المعتمدة على الزراعة، والتأسيس لجيل يهوى الثقافة والمعرفة، ويطمح لخدمة الوطن».

أما مدير "المركز الثقافي العربي في "القدموس" "حسن قاسم"، فقد أكد أن المربي "أحمد حسن" عرف بأخلاقيته العالية ومحبته للغة العربية، وتابع بالقول: «لقد شجع على التحصيل العلمي، وسخر مكتبته الخاصة لخدمة المجتمع، وتميز بمسيرة تعليمية بناءة أسست لكوادر بشرية مثقفة يقوم عليها المجتمع في وقتنا الحالي، وكان مثالاً للمدرّس الفاضل».