دَرَّسَ حباً وشغفاً طلاب المرحلة الابتدائية بعد أن حصل على شهادة "السرتفيكا"، وتابع تحصيله الجامعي ولم يكتفِ، فأغنى فكره بالمكتبة الخاصة التي أنشأها ليرسي قواعد التعليم والإدارة في مدينته "القدموس".

كان المدرّس "إسماعيل أبو عبد الله" قدوة لجميع المدرّسين والطلاب، لأن مسيرته التعليمية أسست جيلاً يعدّ الرعيل المثقف الأول في مدينة "القدموس"، وعلى هذا بدأت المدينة النهوض على مستوى قريناتها وعياً ومكانة، حيث قال "حسن قاسم" مدير "المركز الثقافي العربي بالقدموس"، لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 15 تشرين الأول 2015، عن رحلة المربي "أبو عبد الله": «خلال مرحلة تحصيلي العلمي واكبت المربي الفاضل "إسماعيل أبو عبد الله" كمدير للثانوية التي نشرت الوعي الثقافي على مستوى المنطقة بأكملها، والفضل يعود إلى أسلوبه وتعاطيه مع هذا الجانب من حياة الإنسان، حيث كان المدير والأخ والأب، فبعد أن درّس فيها لسنوات عدة استحق إدارتها، وفرض وجوده مع بداية انطلاق المشوار التعليمي للرعيل المثقف الأول في المدينة، وأذكر حالة الانضباط التي سادت المدرسة، وهو ما أرساه بقوة شخصيته؛ لأنه تميز بأسلوب العقاب البسيط المؤثر، وهو ما يطلق عليه شعبياً "نقرة المطرقة"؛ التي كان جميع الطلاب يحسبون لها حساباً ويتحاشونها، إضافة إلى أنه امتلك مكتبة متكاملة كان جميع الطلبة يقصدونها للتزود منها، وأعتقد أن أغلب هؤلاء يدركون عدد الطلاب الذين حصلوا على ما يريدونه من المكتبة من دون أي مقابل، لأنهم أساساً لا يملكون هذا المقابل، حيث أكد بهذا الفعل أهمية العلاقات الاجتماعية المبنية على المحبة والود والتعاون، فأسس لها ضمنياً بين الطلاب ليحصد نتائجها المجتمع كله».

لقد كان لما أقدمه في المجال التعليمي انعكاسات اجتماعية، فكانت هذه الانعكاسات ركيزة بالنسبة لي أستند إليها في حياتي الاجتماعية

وفي لقاء مع المدرس "إسماعيل أبو عبد الله" قال عن بداياته مع كل هذا الشغف بالتحصيل العلمي: «في مرحلة متقدمة من العمر شاركت بتأليف كتاب التاريخ للمرحلة الثانوية، لكوني تخرجت في كلية الآداب قسم التاريخ في "جامعة دمشق"، وهذا تم وأنا أتابع تدريس الطلاب الذين كنت أدرسهم بعد حصولي على شهادة "السرتفيكا"، حيث لم تشبع رغبات التحصيل العلمي لدي، فالبداية كانت من مدرسة المدينة المنشأة حديثاً بمرحلة واحدة فقط، لأتابع الدراسة الإعدادية وأحصل على شهادتها في مدينة "اللاذقية" قبل أن تصبح "طرطوس" محافظة عام 1949.

حسن قاسم مدير ثقافي القدموس

وتابعت التدريس بناء على تلك الشهادة الجديدة، وتابعت دراستي خلال عملية التدريس، وحصلت على الثانوية عام 1954، والتحقت بكلية الآداب، واستمريت في التدريس، وتنقلت بين عدة محافظات كمحافظة "حلب" التي درّست فيها لمدة عام دراسي، وكذلك في محافظة "حماة"».

ويتابع: «كنت من أقدم مدرّسي المدينة، لأن من درس فيها سابقاً لم يكن من أصولها على حد علمي، لذلك حملت هم تنشئة جيل منفتح متعلم في مرحلة كان التعليم فيها محصوراً بين المتمكنين مادياً، وهذا كان دافعاً أساسياً ليكون العمل جاداً ومضنياً لتأسيس شريحة من محبي التحصيل العلمي ومتابعيه بين مختلف أبناء مدينتي ومحيطها».

خلال تكريم المدرس إسماعيل أبو عبد الله في ثقافي القدموس

ويؤكد المدرّس "إسماعيل" قيمة العطاء وانعكاسه في القيمة الإنسانية التي تشعره بوجوده الإنساني، وهنا يقول: «قدمت كل ما أستطيع من جهد ومن دون أن أنتظر من أحد رداً على ما قدمته، لأنه منحني الإحساس بإنسانيتي، لذلك كنت مندفعاً ولا أشعر بالتعب أو الجهد، وقدمت من فكري ما يجب أن يحصل عليه من هو بحاجة إليه، وخاصة في تلك الظروف الصعبة التي كان التعليم فيها رفاهية بالنسبة لبعضهم، وكانت القيمة الإنسانية مجرد عمل للعيش من دون أي طلب من أحد أو منّية على أحد، فكانت هديتي الشعور بالسعادة، وخاصة عندما كان يدخل طالب إلى مكتبي أو مكتبتي وأدرك أنه محتاج إلى شيء يقيه الجهل، فأبادر إلى تقديمه من دون تردد أو انتظار للتعويض».

ويتابع: «لقد كان لما أقدمه في المجال التعليمي انعكاسات اجتماعية، فكانت هذه الانعكاسات ركيزة بالنسبة لي أستند إليها في حياتي الاجتماعية».

المهندس طريف أبو عبد الله

وفي لقاء مع المهندس "طريف أبو عبد الله" ابن المربي "إسماعيل" الذي لم يعد يقوى على التحدث نتيجة وضعه الصحي الصعب، قال: «لقد كرم والدي من قبل الجهات الرسمية في المدينة لتاريخه الحافل، ونشره الوعي في خمسينيات القرن الماضي، حيث حثّ الأجيال على التعلم؛ وهذا أمر كان مهماً وأساسياً للنهضة العلمية والفكرية التي تشهدها المدينة ومحيطها في الوقت الحالي».

ويضيف: «أذكر أنني رافقت والدي إلى إحدى القرى المحيطة بالمدينة للقيام بواجب اجتماعي، وهناك لقينا حفاوة كبيرة منذ بدء زيارتنا وحتى نهايتها، إضافة إلى أن أحد الموجودين قام وصافح والدي وبدأ الحديث معه، وسرد له قصته ليستذكر بها تلك المرحلة التي كان فيها مدرّساً له، وخلال الحديث أكد أنه بفضله تابع تحصيله العلمي، حيث كان والده يرغب بعد حصوله على "السرتفيكا" في إخراجه من المدرسة ليبدأ مشواره العملي بالرعي مع أخيه، وهنا رد عليه والدي وقال له لا يمكن أن يحدث هذا، عليك أن تحضر راعياً مأجوراً يهتم بالمواشي خاصتك، وتعال بداية كل شهر لتأخذ لهذا الراعي مني راتبه الشهري، وهذا ما لا يمكن أن ينساه ذلك الرجل وهو المدرّس في الوقت الحالي. إذاً، هي قصة سمعتها من صاحبها؛ وهي خير دليل على قيمة العطاء الذي انتهجه والدي في مرحلة تدريسه».

ويتابع: «تسلم إدارة مدرسة "القدموس"، وساهم خلال تلك الفترة بضبط العملية التعليمية لكونها في بداية مشوارها مع الطلاب، ليكون بذلك قد أسس لمنهج التعليم في المدينة، الأمر الذي ما زال مستمراً حتى وقتنا الحالي، حيث تخرج فيها المهندسون والأطباء والضباط والمثقفون وذوو الشأن على مستوى المدينة والقطر، ومرده لأنه امتلك الوعي المتقدم في سن مبكرة جداً، إضافة إلى أنه اهتم بالمطالعة والتثقيف الذاتي؛ فكوّن مكتبته الخاصة التي تعد موسوعة علمية نهل منها أغلب أبناء المدينة».

يشار إلى أن المربي الفاضل "إسماعيل أبو عبد الله" من مواليد عام 1931.