يقال الحاجة أم الاختراع، لكن بالنسبة للجريح "حسن صالح" الذي تمكن من قيادة سيارته على الرغم من شلله السفلي؛ فقد كانت الحاجة إبداعاً فرضه حب الحياة وعشقها حتى لحظاتها الأخيرة.

الجريح "حسن صالح" الذي أصيب بشلل نصفي خلال تأديته لواجبه الوطني في الجيش والقوات المسلحة، لم ترقَ له نظرات الشفقة لحالته الصحية وأرادها نظرات إعجاب، وهنا قال لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 13 تشرين الأول 2015: «لا أرغب بالحديث عن وضعي الصحي الصعب بقدر الرغبة بالتركيز على ما قد رافق هذا الوضع الصحي وكان نتيجة له؛ حيث إنني حاولت تحويل نظرات المجتمع المحيط من نظرات شفقة وبؤس إلى نظرات إعجاب لما قد يمكن أن أتحدى به واقعي، وهو الأمر الذي نجحت به وغيّرت رأي ونظرات المجتمع بكلمة المشلول أو المعوق نتيجة ظرف صحي طارئ، فتمكنت من الاندماج بالمجتمع.

في وضعنا الصحي الصعب الخروج من المنزل أمر ممتاز للصحة العامة والحالة النفسية، وبالنسبة لصديقي فقد تخلص من عقبة التفكير المستمر بها، وتمكن من أن يصبح عضواً فاعلاً في مجتمعه ويعتمد على ذاته في كثير من الأمور

وتجسد التحدي بكيفية قيادة سيارتي التي أمتلكها منذ عدة سنوات، والتي جمعت ثمنها على حساب أسرتي، بتوفير بعض المصاريف والتمكن من الحصول على قرض، أي قبل أن يصبح وضعي الصحي بهذا الحال، وكانت رغباتي في قيادتها لم تشبع منها بعد، وبعد عدة أيام من التفكير توصلت إلى فكرة تمكنني من قيادتها ضمن وضعي الصحي الحالي وهو الشلل السفلي، فخططت للأمر ثم استشرت بعض الحرفيين الصناعيين بإمكانية نقل آلية الحركة المعتمدة بها على القدمين إلى آلية حركة يمكن استخدام اليدين كبديل عنهما، ولم أحصل منهم على جواب، وبعضهم لم يرغبوا بتحمل المسؤولية والنتائج غير المضمونة، فقررت أن أكون صاحب الإشراف على تغيير التفاصيل الكاملة للسيارة من حيث آلية التحكم بها وقيادتها كما كنت صاحب الفكرة، وعلى الرغم من بعض التحديات الصعبة وأهمها المادية إضافة إلى المجتمعية المحبطة التي لو تركتها تتملكني لما حققت ما حلمت به».

الجريح حسن صالح

إذاً، الفكرة انطلقت والعمل بدأ، وهنا قال الجريح "حسن": «التحكم بالسيارة يتم بواسطة القدمين من خلال دواسة البنزين ودواسة الفرامل، وهو الأمر الذي لم يعد بإمكاني فعله، فقررت نقل آلية الحركة من القدمين إلى اليدين عبر إضافة ذراع طويل إلى كل منهما حتى تصل إلى اليدين، وجرى ذلك بمساعدة صديق حرفي تطوع وساعدني متحملاً كافة الأعباء والمخاطر، إضافة إلى مساعدة عمي "أنيس صالح" الذي شجعني على الفكرة لأخرج من المنزل الذي لازمته نحو ستة أشهر.

التحويل تم وبقي التجريب، وهنا كانت المغامرة والتحدي، فلربما التجربة غير ناجحة؛ فقررت التجريب متحملاً كامل النتائج، وفعلاً كانت لحظة الانطلاق بالسيارة باستخدام اليدين فقط من دون القدمين مبشرة بنجاح التحويل والاختراع الشخصي، حيث جلت في مختلف أنحاء القرية من دون أي مشكلات ميكانيكية بآلية العمل، وهذا خلق لديّ شعوراً غريباً أساسه أنني عدت إلى الحياة، وسأتمكن من الاندماج بالمجتمع من جديد».

حسن وصديقه يعرب مصطفى إلى اليسار

وفي لقاء مع "سارة محمود" زوجة الجريح "حسن صالح" قالت: «في أول رحلة معه بالسيارة عادت إليّ حالة التفاؤل بالقادم، وأن الإنسان عندما يفقد شيئاً يمنحه الله أعظم منه، ونحن اليوم لا نعتمد على أحد في تأمين حاجياتنا المنزلية واليومية، وإنما نعتمد على ركيزة منزلنا ورب أسرتنا الذي تغيرت حالته النفسية وكأنه عاد إلى الحياة، وأصبح أكثر تفاؤلاً بالقادم».

وتتابع "سارة": «تكمن السعادة بقدرة "حسن" على الاندماج بمجتمعه من جديد، حيث يقوم بمختلف الأعمال التي تطلب التنقل، ففي كل يوم يقصد مختلف أحياء قريته "الكريم" التابعة لناحية "حمام واصل" في مدينة "القدموس"، بنزهة ونحن إلى جواره، فأرى سعادة الناس كبيرة وهم يرونه يقود السيارة، وهو يتحضر لكي يبدأ العمل عليها في نقل الركاب لكي يستطيع تأمين دخل آخر لنا ولها لكونها تحتاج إلى مصاريف خاصة من بنزين وإصلاحات».

يتحضر لتخصيصها في نقل الركاب.

الجريح "يعرب مصطفى" المشلول بأطرافه السفلية، يزور صديقه "حسن صالح" باستمرار على الرغم من بعد المسافة بينهما، لأن صديقه "حسن" في الأغلب يقلّه ويتنقل به بسيارته التي عدل طريقة وآلية التحكم بها، وهنا قال: «لم أشعر يوماً بالخوف عندما أركب السيارة إلى جواره، بل أشعر بإبداعه الكبير الذي لم يسعفني الله بتحقيقه نتيجة أوضاعي المادية المتواضعة، إضافة إلى أنني أجد في زيارته المتكررة شفاعة لي من العزلة في أغلب ساعات النهار».

ويضيف "يعرب": «في وضعنا الصحي الصعب الخروج من المنزل أمر ممتاز للصحة العامة والحالة النفسية، وبالنسبة لصديقي فقد تخلص من عقبة التفكير المستمر بها، وتمكن من أن يصبح عضواً فاعلاً في مجتمعه ويعتمد على ذاته في كثير من الأمور».