تنقلت بين ثلاث مدارس، فأسست كوادر تدريسية مدركة لأهمية بناء اللبنة الأساسية في المجتمع، وركزت على المرأة صاحبة الدور الأساسي في تأسيس المجتمع، فكانت لها الريادة التدريسية والمهنية.

عاشت المربية الفاضلة "هيفاء كفى" طفولتها بين عدة محافظات سورية بحكم عمل والدها في سلك الشرطة، بعدما هُجروا من "لواء الإسكندرون"، فكانت المحطة الأولى في محافظة "حلب" حيث نهلت تعليمها حتى الثانوية، وهنا قالت لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 8 أيلول 2015: «بعد حصولي على الثانوية العامة في محافظة "حلب" قررت مساعدة والدي في المصروف اليومي، فعملت بمهنة التدريس مع بداية سبعينيات القرن الماضي، وتقدمت لمسابقة دار المعلمين "بشكل حر" وكنت من العشرة الأوائل على مستوى المحافظة، وفي الثمانينيات تركنا "حلب" وتوجهنا إلى "طرطوس" لنستقر فيها، لكن عند تعييني ضمن قطاع التربية والتعليم عينت في "حلب" كأمينة مخبر في دار المعلمات الذي كان مثل الكلية التخصصية، وتميزت تلك المرحلة بالإنجازات المعتمدة منها ترتيب العمل وانضباطه، حيث حصلت على الكثير من شهادات التقدير، وقد طلبت حينها من المديرة المسؤولة تنظيم العمل بطريقة أفضل وبمساعدة مدرس كل أسبوع لترتيب الأجهزة المخبرية والمحافظة عليها؛ وهو ما انعكس على جودة العمل وتكريس مفهوم خاص لدى الطالبات الدارسات لاستخدام الوسائل التعليمية بعد التخرج ضمن الحصص الدرسية، وبعدها عملت كأمينة مكتبة وتميزت تلك المرحلة أيضاً بالترتيب والتنظيم، وحصدت نتيجتها شهادات تقدير متعددة».

انطلقت بالعمل وأسست مشروعاً جديداً معتمداً على خبرتي العلمية في الهندسة البتروكيميائية، والحمد لله الأمور جيدة بفضل المربية "هيفاء"، فهي لا تتوانى عن الزيارة باستمرار أو الاتصال لمعرفة سير الحال والأحوال، وهذا ما يمكن أن أسميه جانباً إدارياً مهماً أتقنته بخبرتها الطويلة

برأي المربية "هيفاء" أن نجاح كل عمل مرتبط بقدر محبة منجزه له، وهو الأمر الذي كرسته في إدارتها التعليمية، وعنه قالت: «انتقلت إلى محافظة "طرطوس" مكان السكن والإقامة الأساسية الحالية، وعينت مديرة مدرسة "القدس الخاصة" عام 1983، وكان عدد الطلاب نحو 130 طالباً وطالبة فقط، وكانت المدرسة الوحيدة الخاصة حينها، وكانت عبارة عن روضة وصف أول فقط، حيث يمنح الطالب وثيقة للقبول في الصف الثاني.

خلال تكريم المربية هيفاء

إذاً، كانت بداية تعاملاتي مع الأطفال، وهو ما كنت شغوفة به وكان سرّ نجاحي حتى اليوم، وبتعاون الكادر التدريسي معي، حيث بدأت تأمين الوسائل التعليمية من آلات موسيقية ورياضية بالتنسيق مع مديرية التربية، لأطور العملية التعليمية وفق منظور خاص، وهو ما تحقق وجذب كل مهتم بالعملية التعليمية لتسجيل أطفاله فيها، وقد وصل عدد الطلاب إلى 450 طالباً وطالبة. كنت أعمل على تنشيط الطالب فكرياً وجسدياً قبل أن يدخل إلى حصته الدرسية، من خلال الرياضة والترفيه الصباحي، وهذا انعكس على الطبيعة الاجتماعية للطلاب فيما بينهم، فأصبحوا كأنهم أسرة واحدة على الرغم من صغر سنهم. وبعد عدة سنوات انتقلت إلى "مدرسة الكرامة" ومنها إلى "مدرسة هنانو" كمديرة أيضاً، وكانت مرحلة إنتاجية تميزت بنسبة المتفوقين وعدد رواد الطلائع، كما عملت في المدة ذاتها رئيسة رابطة الاتحاد النسائي».

ومن وجهة نظر خاصة تجاه العملية التعليمية قالت: «نحن بحاجة ماسة إلى التربية البشرية وإعادة بناء الإنسان، وذلك لا يتم إلا من بناء المعلمين، وهذا ينطلق من تنشئة مربين يعشقون المهنة المقدسة، ومن هذا المبدأ كنت ألتقي أسبوعياً المدرّسات، وأستمع إلى برامجهن، وكيف تسير العملية التعليمية، أي إنني مراقبة ومتابعة وموجهة حين يلزم الأمر للصرامة.

الكاتبة منال يوسف

كما أنني شجعت المعلمات على المطالعة المسبقة ضمن مختلف الكتب والمقالات والمراجع الخاصة بعناوين الحصص الدرسية، ليكنّ مدركات لشمولية المضمون العام للدرس ومفهومه العميق؛ وهو ما يعني أنهن قادرات على إيصال الفكرة بمختلف أبعادها إلى الطالب فيدركها، وتصبح جزءاً منه يتذكرها عند الحاجة إليها، وهنا أكون أبعدت العملية التعليمية عن الفكرة المجردة وأرفقتها بنشاط تستنبطه المعلمة من خلال فهمها الشمولي الخاص للمضمون.

وكان لدي ساعات مخصصة للجلوس مع الطلاب والاستماع إلى رؤيتهم ومتطلباتهم الخاصة بالعملية التعليمية ليشعر الطالب بقوة شخصيته وتحريض فكره التحاوري السليم».

كما كان الخروج عن المعهود بهدف تحريض العملية التعليمية خطوة ومبادرة غير مسبوقة في العملية التعليمية، وعنه قالت: «في لحظة ما توارد إلى ذهني سؤال مفاده: لماذا لا تكون مدارسنا حدائق طبيعية يتمتع الطلاب بحصصهم الدرسية ضمن بيئتها الخضراء؟ وفعلاً عملت على هذه الفكرة وتشاركنا ككادر تدريسي وإداري وطلابي بغرس العديد من الأشجار الطبيعية ضمن ساحة المدرسة، وكلفت الطلاب بإشراف أحد من كوادر المدرسة العناية بتلك الأشجار، وكانت عقوبة الطلاب المشاغبين حينها إلغاء الحصة الدرسية في الهواء الطلق، واهتمامي بهذا جاء من الإيمان بمقدرة الطالب على مضاعفة الفهم بهذه الأجواء، وهو في الحقيقة ما أنتج حالات تفوق كبير بين الطلبة».

لم يتوقف العطاء عند المجال التربوي التعليمي وإنما طال المرأة في المجتمع ضمن الاتحاد النسائي وحدة "مار الياس" لسنوات طويلة، حيث أوضحت بالقول: «ضمن عملي بالاتحاد النسائي أسسنا لدورات نسائية مستمرة ضمن مختلف المجالات التنموية والإدارية المنزلية، وكذلك دروس توعية حول حق المرأة في التعلم لكونها ربة أسرة وعليها أن تكون مدركة للعملية التعليمة الخاصة بأطفالها ومشرفة عليها، ونتيجة ذلك افتتحنا ست شعب لمحو الأمية، وكان الإقبال كبيراً ولافتاً حينها، وهي بصمة خاصة بالنسبة لي، وهناك مشروع آخر من ضمن المشاريع القصيرة الأمد وكان بجمع النفايات والمشاركة بإقلاع مكب نفايات "وادي الهدة"، حيث تم خلال هذا المشروع تنظيف مراكز الوافدين بمساعدة الوافدين ذاتهم وجمع النفايات وإرسالها إلى المكب، والمشروع الثالث كان بفتح مشغل خياطة ضمن مقر في الاتحاد النسائي بتمويل منظمة عالمية لمدة شهرين».

الكاتبة الشابة "منال يوسف" التي تلقت من المربية "هيفاء" التحفيز على الإنتاج الفكري قالت: «المربية "هيفاء" هي الأم الروحية بالنسبة لي من حيث التحريض على الإبداع الفكري، فقد كانت مشجعة للمزيد من الكتابة الأدبية، وبها تجاوزت حالة الإعاقة النطقية التي أعاني منها مع وجود الدافع الذاتي الأساسي، فبكلماتها الجميلة دفعتني إلى مضاعفة إنتاجي الأدبي حتى أصبح لدي خمسة كتب مطبوعة».

المهندس "حسن حافظ" أكد أن وقوف المربية "هيفاء" إلى جواره كان حافزاً لتجاوز حالة خلال مرحلة حياتية مفصلية، وإعادة التفكير والأمل بالقادم، مضيفاً: «انطلقت بالعمل وأسست مشروعاً جديداً معتمداً على خبرتي العلمية في الهندسة البتروكيميائية، والحمد لله الأمور جيدة بفضل المربية "هيفاء"، فهي لا تتوانى عن الزيارة باستمرار أو الاتصال لمعرفة سير الحال والأحوال، وهذا ما يمكن أن أسميه جانباً إدارياً مهماً أتقنته بخبرتها الطويلة».