عمل "عبد الحميد" كمدرس فكانت له بصمته الخاصة، وتوجه إلى العمل الإداري فتفوق بنسب النجاح التي حققتها مدرسته على مستوى المحافظة، كوّن أسرة المرشدين النفسيين، فكانت أسرة مميزة يغلب عليها الطموح.

والبداية كانت من التوجه إلى اختصاص أكاديمي لا مستقبل واضح أمامه، ويمكن وصفه بالمجهول، ولكن هذا المجهول خلق أول حالة تميز في حياة الموجه الاختصاصي "عبد الحميد محمد" المهنية، وعنها قال لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 4 تموز 2015: «عندما دخلت الجامعة لم يكن الإرشاد النفسي موجوداً، فسجلت في كلية التربية جامعة "دمشق" عام 1978، وكان مصير خريجي الكلية مجهولاً لأن الاختصاص جديد، وتخرجت عام 1982، وعلى الرغم من هذا لم أكن أخاف على مستقبلي، حيث كانت الخيارات مفتوحة بقدراتي التي أؤمن بها، وكان المهم في تلك الفترة أن أحصل على الإجازة الجامعية، وكنت الوحيد بين أهالي القرية حتى تلك الفترة، والمشجع الأساسي لي حديث والدي رحمة الله عليه، بأن سقف الدراسة بالنسبة لي مفتوح إلى ما لا نهاية، وكان إلمامه بالناحية العلمية الدراسية ناتجاً من طبيعة عمله كـ"مختار"، واختلاطه بمختلف شرائح المجتمع الداخلي في القرية والخارجي المحيط بها، وذلك بناء على مقومات أساسها ميولي وحبي لمتابعة تحصيلي العلمي».

الشيء بالشيء يذكر، فكل ما ذكرته آنفاً، إن دل على شيء فهو دلالة على الخلق والعطاء اللا محدود الذي تمتع به الأستاذ "عبد الحميد"

حماس الشباب كان القائد لكل الطموحات والقدرات والمهارات، فتجاوز به خطوط الأحلام الموضوعة مسبقاً، وهنا قال: «كان حماس الشباب كبيراً، وتغلب على كل الصعوبات، والمفاجأة أنه في عام 1982 وقبل الانتهاء من الدراسة الجامعية بعام تقريباً، تم الإعلان عن مسابقة في كلية التربية، وكانت هذه الحالة من الحالات النادرة، فتقدمت لها ونجحت، وتم تعييني بوزارة التربية، وكان هذا حافزاً كبيراً بالنسبة لي، زاد من مقومات الثقة التي أمتلكها، بأني من الممكن أن أقدم شيئاً، ومن هنا بدأت مسيرتي بالعمل المهني عام 1983 بالتدريس لمادة التربية الوطنية وعلم الاجتماع بدور المعلمين.

خلال إحدى الدورات التدريبية

في تلك الفترة تمكنت من خلق حالة مميزة بيني وبين طلابي نتيجة تقارب العمر فيما بيننا، فتعاونوا معي، وهذا أمر حساس بالنسبة لي، حتى قدمت كل طاقاتي وإمكانياتي الأكاديمية والمهنية لخدمة العملية التعليمية، فخلقنا حالة من تمازج الأفكار أنتجت حالة تدريسية مميزة ملبية لطموحاتي المهنية، وهذا لفت نظر جميع المعنيين، حتى إننا كنا نسأل في أي اختبار عملي عن المشرف المدرس بيننا، وهذه كانت من المفارقات التي تكررت عدة مرات».

البصمة المهنية الثانية التي يراها جديرة بالتوضيح، كانت بحسب قوله بعد خدمة العلم؛ حيث تسلم زمام إدارة مدرسة قرية "المشيرفة" عام 1987، وكانت هذه المدرسة تجمعاً لثلاث قرى، وهنا قال: «كان عدد الطلاب الذين يحصلون على الشهادة الإعدادية على مختلف سنوات التدريس السابقة في المدرسة، لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وهنا كان لا بد من تطوير هذه الحالة، فدخلت منازل الأهالي وحاورتهم بمختلف الأساليب، واستجابوا لي وتعاونوا معي لأقصى درجات التعاون، نتيجة الطريقة والأسلوب الذي اتبعته، وبعد أقل من ثلاث سنوات وصلنا بالمدرسة إلى المرتبة الأولى على مستوى المحافظة بنسبة نجاح ونتائج الشهادة الإعدادية، حتى إننا بتنا نكرم سنوياً نتيجة هذه الحالة، وهنا أؤكد أن تعاون الأهالي كان أساسياً، فهم كالسفينة التي تحاول شق عباب البحر، لكن كان ينقصها الربان».

المرشدة سراب رقية

ويتابع الأستاذ "عبد الحميد": «في إحدى سنوات التكريم من قبل المعنيين بالمحافظة، وذلك عام 1997، ونتيجة خلاف معين بوجهات النظر تم عزلي من الإدارة، وهذا كان صفعة كبيرة بالنسبة لي، ولكن مشيئة الله كانت فوق كل ذي رغبة، حيث أحدثت هذه المشيئة تغييراً جذرياً في حياتي، فأحدث الإرشاد النفسي لخريجي كلية التربية عام 2000 بإشراف الدكتور "محمود السيد"، فتقدمت له وقبلت فيه على الفور، وبعدها اقترحوا موجهين اختصاصيين، ولكوني أقدم خريج كلية تربية في المحافظة، قبلت كموجه اختصاصي للإرشاد النفسي، ولكن كان الشرط أن أحصل على دبلوم التأهيل التربوي على الرغم من أنني أحمل إجازة في التربية، وهذه مفارقة وسابقة لم تحدث، ولكن القرار في تلك الفترة لم يكن خاضعاً لأي نقاش.

وبعد حصولي على الدبلوم عينت موجهاً اختصاصياً، وبدأت مهامي التربوية غير المسبوقة ضمن هذا الاختصاص الجديد، وكثيراً ما سمعت في الوسط التربوي أن كل مرشد يحتاج إلى مرشد، وهذا كلام صحيح لأن التجربة جديدة ومحدثة بكل ما فيها، ولكن هذا الكلام كان حافزاً كبيراً لتفجر طاقاتي والإبداع في هذه المحطة الحياتية، وكانت الخطوة الأولى جميع المرشدين وتكوين أسرة واحدة وجسد تربوي واحد، وهذا جعلنا ننهض بالعمل ونضع أسساً محدثة خاضعة للتجريب على أساس احترام العمل كمعيار وحيد».

ويضيف: «طبيعة العمل فرضت علينا اللقاءات الدورية الشهرية، وهي ميزة بالنسبة لنا جعلتنا أصدقاء وقريبين بعضنا من بعض، وصريحين مع بعضنا؛ وذلك لرفع مستوى الجميع ضمن الاختصاص، معتمدين على الحوار والاجتهاد الفكري، ثم وضعنا أسس التعامل لعدم وجود أسس علمية ممنهجة لعملنا، وهذا فرض عليّ شخصياً جهداً كبيراً بالدورات التي أقوم بها وتنظيمها داخل المحافظة وخارجها، حيث كنت أرى أن الحاجة للإرشاد تشمل مختلف نواحي الحياة، فعندما نقول: إرشاد نفسي، فهذا يعني مساعدة الآخر، ومن منا لا يحتاج إلى مساعدة الآخر، وهذا ليس في قطاع التربية فقط، وإنما في جميع القطاعات، وهذا التفكير كان البصمة الثالثة في حياتي المهنية والعملية، للتحكم بالطاقات الكامنة وإمكانية توظيفها الذي يذكرني به كل من اتبع الدورات التربوية بإشرافي وتنظيمي».

وللتعرف أكثر إلى انعكاسات البصمة الثالثة في الحياة المهنية للموجه والمربي الفاضل "عبد الحميد محمد" التقينا المرشدة النفسية "عفراء الدعبول"، حيث قالت: «على الرغم من عدم وجود احتكاك مباشر مع الأستاذ "عبد الحميد"، إلا أنني أعرفه جيداً من خلال الاجتماعات والدورات التي أشرف عليها، وقدم لنا خلالها كل الفائدة المهنية بقدرته على إيصال الأفكار بطريقة مباشرة وسهلة وسريعة، حيث اكتسبت الخبرة التجريبية من تلك الاجتماعات، وتجلت بعمليات تمثيل جسدنا بها المشكلات واقعياً للوصول إلى الحلول الحقيقية لمختلف المشكلات التي قد تواجهنا بالعمل، وعززنا تجاربنا على صفحات التواصل الاجتماعية، وكانت ناجعة بالنسبة لي ولزملائي، بحسب النتائج».

أما المرشدة "سراب رقية" فقالت: «أرى واقعياً وعملياً المربي الفاضل "عبد الحميد" أستاذاً متمكناً من مادته العلمية، وقادراً على إيصالها بسلاسة وأسلوب جميل للمتلقي، وقد اعتمد بذلك على الجهد الشخصي وتجسيد كل حالة قد تمر على المرشد يحتاج فيها إلى مساعدة للوصول إلى الحلول، وهذا من تجربة شخصية».

وتضيف: «الشيء بالشيء يذكر، فكل ما ذكرته آنفاً، إن دل على شيء فهو دلالة على الخلق والعطاء اللا محدود الذي تمتع به الأستاذ "عبد الحميد"».

يشار إلى أن المربي الفاضل "عبد الحميد محمد" من مواليد قرية "الحسنة" التابعة لمنطقة "الصفصافة"، عام 1959، متزوج وله أربعة أبناء.