بكلماته الترحيبية الجميلة يستقبل زبائنه من أصحاب المحال والمنازل، منذ ما يزيد على خمسين عاماً، فعمله بمهنة "السنكرة" جعله مقصد كل محتاج لصيانة أدواته وكل مستجد بالمهنة، وحتى القدامى منهم.

الحرفي السنكري "أحمد محي الدين" يضمر للحرفي "نجاح" كل الود والمحبة، لأنه -بحسب تعبيره- صاحب الفضل والمعرفة بما وصل إليه من حرفية بالعمل، علماً أن بعض الحرفيين من أصحاب المهنة ذاتها لا يعطون سرّ المهنة للراغبين بالعمل فيها، على خلاف الحرفي "نجاح"؛ الذي أعطاه كل ما يتعلق بالعمل، وهنا قال الحرفي "أحمد" لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 11 تموز 2015: «تعلمت حرفة السنكرة منذ كان عمري عشر سنوات، والفضل يعود إلى الحرفي "نجاح الشيخ" الذي لم يبخل عليّ بأي معلومة احتجت إلى معرفتها، وحتى الآن أعود إليه لفهم بعض التفاصيل في تصنيع أدوات غير تقليدية، قد يحتاجه إليها أحد ما في منزله أو محله.

أهم المواد هي الكيميائية ومنها: "الشنايدر" الخاص بعمليات لحام القصدير، وروح الملح لتنظيف بقايا الترسبات عن الأدوات

فهو بالنسبة للمهنة مرجع يقصده أغلب العاملين بالمهنة، لاستيضاح تفاصيل قد تحتاج إلى تجربة عدة مرات لنجاحها، مختصراً بذلك الوقت والجهد عليهم، وذلك من ناحية إدراكه لكثير من المعلومات المتعلقة بحرفة "السنكرة"، أو كما يسميها بعضهم تصنيع الأدوات المعدنية».

الحرفي أحمد محي الدين

الشاب "حنا يوسف" أحد الزبائن الذين التقيناهم في مدينة "طرطوس القديمة"، قال: «كلما احتاجت نرجيلتي إلى صيانة أقصد الحرفي "نجاح" في المدينة القديمة، هذا الرجل العتيق بالمهنة، فأسلمه النرجيلة أو أي قطعة أخرى تحتاج إلى صيانة، وأترك له إتمام الصيانة، فيتفحصها بالكامل بدقة ليرى ما تحتاج إليه، لينهي عمله بأسعار بسيطة ومناسبة لميزانيتي المالية، وهنا يجب ذكر الوجه البشوش الذي يستقبل به زبائنه والكلمات الطيبة أيضاً التي تعكس محبته وتعلقه بالعمل».

الشاب "حسن عسعوس" العامل بمهنة القصابة في المدينة القديمة، قال: «لا يمكن لعملي بالمهنة الاستغناء عن مهنة "السنكرة"، فهي تلزمنا لصناعة العديد من الأدوات الإضافية لزوم تجهيز أنواع من وجبات الطعام ومنها مثلاً "النقانق"، وأجد في الحرفي "نجاح" خير خبير في تلبية مختلف احتياجات مهنتي، وهذا منذ سنوات طويلة، حتى إنه أبدع في تحسين بعض مواصفاتها بناءً على المشكلات التي قد تظهر معنا خلال عمليات الفرم والتقطيع، وهدفي من هذه التوضيحات إظهار حرفيته العالية التي أكسبته تسمية "شيخ كار السنكرية" بشهادة جميع حرفيي المدينة القديمة».

الحرفي نجاح الشيخ

وفي لقاء مع السنكري "نجاح أحمد عبد الرحيم الشيخ" أقدم سنكري ما يزال عاملاً بالمهنة حتى الآن، قال: «بدأت العمل بمهنة "السنكرة" منذ كان عمري خمسة عشر عاماً، من خلال أخي الذي سبقني إليها بسنوات متعددة، حيث كان يوجد العديد من "السنكرية" في المدينة القديمة ومدينة "طرطوس"، والبدايات كانت شيقة لصعوبة العمل وعدم توافر الأدوات اللازمة لإتمام كافة الأعمال السنكرية، وهذا كان دافعاً لابتكار بعضها نتيجة الحاجة إلى تحقيق النجاح وكسب ثقة الناس، ومن هذه الأدوات تصاميم شبه جاهزة لتجهيز وجبة "النقانق" عند القصاب، إضافة إلى قواعد "البابور" العامل على الكاز، وبعدها طورت العمل وبدأت تطبيق الغلاف الخارجي للبرادات الكبيرة الخاصة بحفظ مكعبات الثلج».

ويتابع السنكري "نجاح": «تعد "السنكرة" مهنة المنازل والمحال التجارية، لحاجتهم إلى أعمالها الخاصة بالصيانة الجزئية والإصلاح الكامل، وهذا جعلني على علاقة خاصة معها، مقومات هذه العلاقة دقة العمل والبصمة الحرفية الخاصة التي حاولت جاهداً إضافتها إليها لخلق حالة من التميز تتناسب وكونها سبب معيشتي، وهو ما خلق حالة من الإخلاص إليها، فأكسبتني ثقة جميع العاملين بالمهنة والمحتاجين إليها، لكن هذا كان عبئاً عليّ لكوني أصبحت مرجعاً ومقصداً للسائلين والمهتمين والراغبين بالعمل، فعليّ أن أكون دائماً على قدر هذه الأهمية التي وضعت فيها، وهذا من خلال حالة التطور المستمر التي بدأت أواكبها وأنتجها في العمل.

"بابور الكاز" من الأدوات التي يشرف على صيانتها

وهنا لا أنكر أن حال شيخ الكار اليوم تغير عن السابق من حيث طبيعة علاقة الاحترام التي تربط أبناء المهنة الواحدة بعضهم مع بعض، فربما نرى ما يمكن تسميته حالات فردية من التمرد على قواعد ومبادئ العمل لمصالح شخصية، وهنا أركز على رهبة شيخ الكار بين أبناء المهنة من مبدأ احترام العمر المهني له وخبرته».

مهنياً العبء الأخلاقي الذي ألقي على كاهل السنكري "نجاح" كبير، عنه قال: «بعض الحرفيين لا يجيدون التعامل مع الزبائن، وهذا أمر نوهت إليه وأنوه باستمرار خلال عملي ولقائي زملاء المهنة، كي لا ينفر الزبون من الحرفي، فقاصدو السنكري يحبون النفوس الطيبة والتعاملات الإنسانية، ولهذا يجب أن نطبق المثل الشعبي القائل: "لاقيني ولا تطعميني"».

ويختم حديثه بتوضيح المواد المستخدمة بالعمل: «أهم المواد هي الكيميائية ومنها: "الشنايدر" الخاص بعمليات لحام القصدير، وروح الملح لتنظيف بقايا الترسبات عن الأدوات».

يشار إلى أن، السنكري "نجاح أحمد عبد الرحيم الشيخ" من مواليد عام 1937.