البنية البدنية الرياضية للغطاس "بسام شاهين" والتمرس على الغطس النهري، وسّعت رئتيه ومكّنته من الغطس البحري لما يزيد على دقيقتين، فراح يبدل ضغط جسده في الماء كالسمكة.

الصياد "حيدر حيدر" تمرس على الغطس البحري في بداية امتهانه لحرفة صيد السمك، تحدث لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 20 أيار 2015 عما تمتع به الغطاس "بسام شاهين"، فقال: «ممارسة الغطس باستمرار مكنت رئتي "بسام" من مرونة عالية واتساع أكبر من الرئتين الطبيعيتين، وهو ما ساعده على البقاء تحت المياه البحرية لمدة أطول من غيره، كما أن لضغط المياه دوراً كبيراً في قدرته على الصبر والتحمل، والموازنة مع مخزون الأوكسجين في الرئتين، وهنا كانت مهارة تحتسب له أيضاً، حيث تلافى هذا الضغط تلقائياً عبر أذنيه، وكأنه سمكة بحرية، وهو ما مكنه من الغطس لحوالي أربعين متراً».

وهنا لم أواجه أي من الصعوبات التي حدثني عنها بعض الغطاسين، وبعضهم عزا ذلك إلى تمرسي على السباحة النهرية ولقدراتي الجسدية، وما تخللها من لياقة وتأقلم مع ضغوط المياه المختلفة، التي سببت الشلل لبعضهم

وفي لقاء مع الغطاس "بسام شاهين" قال بدايةً: «أمارس الغطس الحر منذ حوالي خمسة عشر عاماً، حيث كانت البدايات من الغطس في مياه نهر القرية "الزللو"، وهذا التمرس دفعني لما يمكن اعتباره مغامرة وممارسة الغطس البحري، وهنا أقول مغامرة لأن طبيعة هذا الغطس تختلف تماماً عنه في المياه النهرية، وذلك لوجود فروقات الضغط الكبيرة، والمخاطر التي تشوب هذه العملية، لكونه مكاناً مجهولاً تماماً في كل مرة، إضافة إلى عدم استخدام تقنيات مساعدة، كأسطوانات الأوكسجين، أي إنني أمارس الغطس على النفس الطبيعي، الذي يمكن أن يصل مع التمرس إلى حوالي الدقيقة ونصف الدقيقة عند أي غطاس.

الغطاس بسام شاهين

وما شجعني على هذه الخطوة؛ رؤية بعض الغطاسين من أهالي مدينتي "بانياس"، وكيف يتعاملون معها، ومع تكرار الزيارات البحرية بت أشاهد الصيادين كيف يتعاملون مع البحر في حالات الصيد المختلفة، وهو ما خلق لدي دافعاً قوياً للصيد البحري عبر تقنية الغطس الحر، حيث كنت أصطاد في البدايات مختلف أنواع الأسماك من دون أن أعلم أنواعها وأهميتها ونكهتها، ومع تكرار العملية، بدأت أدرك الأنواع وأختار أفضلها، وخاصة بعدما أصبح الصيد والغطس مهنة أعيش منها».

ويتابع: «وهنا لم أواجه أي من الصعوبات التي حدثني عنها بعض الغطاسين، وبعضهم عزا ذلك إلى تمرسي على السباحة النهرية ولقدراتي الجسدية، وما تخللها من لياقة وتأقلم مع ضغوط المياه المختلفة، التي سببت الشلل لبعضهم».

صيد ديك بحري وزن 16 كيلوغراماً

وعن مهارات استخدام أدوات الغطس، قال: «أهم الأدوات التي تلزمني وأستخدمها في الغطس "الناضور" أو ما يسمى شعبياً بلغة الصيادين "الفرنيزة" وهو يسهل لي عملية الرؤية تحت الماء، إضافة إلى أنبوب قصير للتنفس، وأستخدمه كي يبقى رأسي ضمن المياه، وهو ما يمكنني من مراقبة حركة مختلف أنواع الأسماك أثناء الهرب إلى جحورها، ولا جرم هذا يستهلك جهداً تنفسياً من الغطاس، وقلما تعرفت إلى غطاسين يتمكنون من ذلك، إضافة إلى بارودة الصيد أو القناصة، التي تعمل بضغط المطاط، وهنا تكمن الخطورة، حيث إن أي خطأ قد يتسبب بأذيتي، والزعانف أو "البالمات" لتسهيل الحركة ضمن المياه، ناهيك عن "بدلة" الغطس التي تحمي الجسد من برودة المياه في الشتاء، حيث إن لهذه البدلة سماكات مختلف، فمثلاً في التشرينين وكانون تكون مياهنا باردة، أرتدي بدلة ذات سماكة خمسة ميلمترات، وفي كانون الثاني وشباط وآذار تزداد برودة المياه فأرتدي بدلة ذات سماكة سبعة ميلمترات، لتحافظ على حرارة جسدي لأطول مدة ممكنة».

السمكة ذكية وتدرك الخطر المحدق بها، فتحاول الهرب دوماً، لذلك يعدّ صيدها بطريقة الغطس أمراً ليس بالسهل كما يظن بعضهم، لكن الغطاس "بسام" تمكن منها بسهولة، وهنا قال: «في الأغلب بعد امتهان الغطس البحري الحر كوسيلة للعيش، بدأت أحدد قبل كل رحلة صيد نوعية السمك المستهدفة، وهي في الأغلب "اللقس" أو المعروف بلقب "الأسود"، الذي يعيش ضمن الأراضي البحرية الرملية الصخرية، حيث يخرج من جحره الصخري لتناول الطعام في المراعي الرملية الصخرية ثم يعود إليه بسرعة، وهنا تكمن المهارة في عملية وسرعة اقتناصها، كي لا أخسر سيخ القنص، فأراقبها بدقة وألحظ الثانية المناسبة للرمي ومكان الإصابة بدقة، ثم أرمي بسرعة ومن دون تردد، خاصة عند اقترابها من جحرها».

خلال رحلة الصيد

والأهم في مهارات الغطاس "بسام" المدة الزمنية التي يبقى فيها على نفس واحد، وتميز بها بشهادة الغطاسين، وهنا قال الغطاس "محمود شاهين": «يتفاوت زمن النفس الواحد تحت الماء بين الغطاسين ما بين دقيقة والدقيقة ونصف الدقيقة، ويلعب الدور المهم هنا حنكة الغطاس في الاستفادة من كل ثانية ضمن المياه البحرية، والغطاس "بسام" تمكن من خلال تحكمه بجهدة المبذول وطريقة تنفسه التي أسميها تنفس سمكة، من البقاء تحت الماء على نفس واحد لدقيقتين كاملتين وتزيدان، مستفيداً بدقة من كل ثانية فيهما».

ويضيف: «في مدينتنا "بانياس" لم يحصل أن اصطاد غطاس بحري حر ديكي حفش أو ما يعرف باللقس الصخري، بأوزان كبيرة تفوق عشر كيلوغرامات، لكن الغطاس "بسام" اصطاد الأول بوزن حوالي أربعة عشر كيلوغراماً، والثاني بوزن حوالي ستة عشر كيلوغراماً ونصف الكيلوغرام».

وبالعودة إلى حديث الغطاس "بسام" أوضح تفاصيل التنفس لدقيقتين كاملتين، فقال: «حبس النفس مع الثبات، يمكن أن يستمر مع شخص متمرس لحوالي دقيقة ونصف الدقيقة، ولكن مع التحرك وبذل الجهد في الغطس لمسافة كبيرة يفقد الأوكسجين بسرعة، وهنا كانت مهارتي في تقليل بذل الجهد من خلال الحركة البطيئة جداً، والغطس بخط مستقيم، وكذلك بالنسبة للصعود».

ولكل عمل مخاطره، لكن المهارة في التخلص منها مكنت "بسام" من البقاء حياً حتى الآن، وهنا قال: «في إحدى رحلات الصيد اقتنصت سمكة لقّس كبيرة وزنها حوالي أربعة كيلوغرامات، علماً أن إصابتها لم تكن محكمة، وهو ما مكنها من الهرب والدخول في جحرها الطويل، وهذا دفعني لحفر الرمل من بداية مدخل الجحر، لأتمكن من الدخول إليها وإحضارها، وحينها لم يبقَ مني خارج الجحر سوى الزعانف، ولم أحتسب إمكانية أن أعلق في الداخل، وأن ينتهي نفسي من دون أن أتمكن من الخروج، حيث كان همي إحضار السمكة، وخلال الحفر ارتطم رأسي بسقف الجحر وسقط المنظار على الأرض، ولم أعد أرى شيئاً، حتى تمكنت من العثور عليه، وحينها أدركت المغامرة التي أقوم بها، فخرجت مسرعاً لتجديد النفس، ثم عدت إلى ذات الجحر وأحضرت السمكة».

يشار إلى أن الغطاس "بسام شاهين" من مواليد قرية "الزللو"؛ التابعة لمدينة "بانياس"، عام 1977.