مع بداية دراسته للهندسة المدنية، أحب اختصاص "مواد البناء ورصف الطرق"، فتابع محققاً 1400 تجربة برسالة الماجستير وست وتسعين درجة، تبع ذلك رسالة دكتوراه.

هو الدكتور المهندس "باسم علي" اختصاص مواد بناء ورصف طرقي، حقق نتائج إيجابية وصلت قيمة الربح فيها إلى ما يزيد على خمسة وعشرين بالمئة، في بحثه الأكاديمي "إعادة تدوير البيتون"، الذي وجد وفق رأيه من الحاجة الماسة ضمن واقع مفروض، وهنا قال لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 23 حزيران 2015: «الحاجة المفروضة نتيجة الخراب والدمار وكتل الردميات الهائلة والمنازل المتضررة في مختلف المناطق والمحافظات، هي الدافع الأكبر للتفكير بهذه الدراسة وهذا المشروع، وهو من ضمن اختصاصي في رسالة الدكتوراه، ومن المواد التي أُدرّسها في الكلية أيضاً "تكنولوجيا تنفيذ البيتون".

الدكتوراه من "فرنسا" كانت عن العيوب التي تصيب سطح الطرق، وخلالها صنعت أربعة مقالات نشرت في مجلات محكمة، وانتهيت منها عام 2008، وبدأت التدريس بجامعة خاصة، نتيجة بعض الإشكاليات بالتعيين بعد العودة، وهذا ظلم بحق كفاءات أبناء البلد

كما أرى أن التفكير الصحيح هو المنبثق من الواقع ليخدم الواقع، لا أن يكون تفكيراً عبثياً وكمالياً، لا يغني ولا يسمن من جوع».

تجارب البيتون المعاد تدويره

ويتابع: «التفكير الإيجابي المبدئي أن كل متر مربع من كتل البيتون بمختلف مصادرها، تعطي ردميات مختلفة حوالي ستين سنتيمتراً، ولو قبلنا بتقديرات منظمة "الأسكوا" عن حجم التخريب والتدمير، وفرضنا أنها تصل إلى حوالي 400 ألف منزل، فهذا يعني أن لدينا كمية ردميات لا تقل عن أربعة وعشرين مليون متر مكعب، وهو رقم مرعب، وهي عملياً تحتاج إلى إزالة للمباشرة بإعادة الإعمار في الموقع، والفكرة هنا أن لدينا تكاليف اقتصادية مادية كبيرة في عمليات الإزالة وتأمين الاستحضارات البديلة للإعمار، أما من الناحية البيئية فهي تحتاج إلى مساحات كبيرة كمطامر لتستوعبها، وهذه المطامر سيكون لها أثر بيئي مضر مع الزمن، ومن هنا كانت الحاجة إلى إعادة الاستفادة من هذه الردميات والتخلص من سلبياتها.

فانطلقت في البداية من دراسة تجارب البلدان التي اعتمدت عليها للتخلص من الردميات والاستفادة منها، ومنها "هاييتي" التي تعرضت لزلزال مرعب دمّر حوالي 300 ألف منزل، إضافة إلى بلدان تعرضت للحروب كـ"ألمانيا"، لأكون قد شملت الحالات المتنوعة الطبيعية والصنعية، بعد هذه الدراسات أخضعت دراستي لمحاكاة واقعية مخبرية، فكانت النتيجة جيدة، ومرضية وقدمت نحو خمسة وعشرين بالمئة ربحاً عن الطرائق التقليدية».

الدكتور باسم علي

وعن بعض التفاصيل قال الدكتور "باسم": «جزء كبير من تكلفة استخدام البيتون يخص عمليات النقل من المقالع الطبيعية، إضافة إلى أنه استنزاف كبير لتلك الموارد الطبيعية، وإعادة تدوير البيتون تعني الاستفادة من الردميات والتوفير والمحافظة على المصادر الطبيعية، وهذه إيجابية مهمة في العمل، وكان التركيز في العمل المخبري على تقنيات خلط جيدة وفق نظام معين لتقوية الرابط ما بين المونة الإسمنتية والحجارة الجديدة الناتجة من التدوير، وفقاً للإمكانيات التكنولوجية المتوافرة أو المطلوبة -إذا صحّ التعبير- يمكن أن أحصل من البيتون المعاد تدويره على حصويات بمختلف الأقطار وبمختلف المواصفات ولاستخدامات متعددة ومطلوبة في العمل، وهنا يمكنني التحكم بالنسب الداخلة في الخلطة وفقاً للحاجة ووفقاً لأقطار معينة خاصة للحصويات، وحين التجربة استخدمت نوعين من الخلطات مع إضافة ومن دون إضافة أي الإحضارات الطبيعية، وبعد الخلط جيداً وفق تقنية الخلط الثلاثي، حصلت على نتائج إيجابية جداً، وبمقاومات تجاوزت 200 بالمئة، وهي نسبة لم نحققها في حالة الخلط العادي.

وهنا يمكن القول إن الجدوى الاقتصادية من العمل تتجاوز خمسة وعشرين بالمئة كربح كامل بعد المقارنة مع الطريقة العادية المتبعة بالبيتون العادي، أي إن البيتون المعاد تدويره من الناحية الاقتصادية مربح جداً، لكنه بحاجة إلى دراسة معمقة إضافية أكبر، ومن الناحية البيئية كانت النتائج ممتازة، ومحققة للهدف».

الدكتور إلياس دبانة

وعن الاستخدامات التي يمكن الاستفادة من إعادة تدوير البيتون، قال: «يمكن استخدام هذه الردميات بخلطات بيتونية تبعاً للحاجة، أي إن هذه المادة المحطمة يمكن الاستفادة منها مئة بالمئة، بالاعتماد على مشكلة المقاومة الموجودة أساساً في المادة؛ من حيث نسبة التشرب للمياه، مع إضافة نسب معينة من الحصويات الطبيعية إلى كل منتج؛ وهو ما يعني أننا أمام تصنيفات للمنتج، وهنا يمكن استخدام كل منتج وفقاً لتصنيفه في بيتون خاص للجدران مثلاً، وآخر للسقوف، وآخر للرصف وآخر للأرضيات والبنى التحتية، وغيرها».

إمكانية التطبيق بما يتناسب والواقع المفروض؛ بسيطة وغير مكلفة مقارنة مع العمل البيتوني العادي، يقول في هذا الشأن: «بالنسبة للكسارات المطلوبة للعمل، هي بسيطة، ويمكن أن تكون متنقلة وموجودة في المكان المراد العمل فيه، مع آلية فرز للمواد المعاد تدويرها، وهذا يساهم في توفير حوالي خمسين بالمئة من الإحضارات الخارجية، وبالتالي توفير بالوقود المنعكس على نظافة البيئة أساساً».

والبحث العلمي المتواصل هو العمل المفروض على كل طالب للمعرفة، وهنا قال: «كي نبقى في خضم العلم والتقديم العلمي؛ على كل طالب للعلم والمعرفة المتابعة في البحث العلمي والمطالعة العالمية للتجارب الجديدة، لمعرفة أين وصلت مختلف التجارب، وهل يمكن الاستفادة منها وتطبيقها وفق بيئتنا السورية مع معرفة الحاجة منها والبحث بما يتوافق مع هذه البيئة، فهي هدفنا النهائي».

إذاً، البحث العلمي لم يكن وليد لحظة، وإنما كان ثمرة مشوار طويل ما يزال مستمراً، بحسب رأي الدكتور المهندس "باسم"، حيث قال: «اختصاصي هو مواد بناء ورصف طرقي، وهو جانب شدني إلى جانب البيتون، فكانت أول رسالة ماجستير في "سورية" عام 2000 لتحسين مواصفات الإسفلت السوري الخاص بمجبول طبقة التغطية للطرق، حيث له خصائص معينة ومنها ما يسمى الهرم، وكانت دراستي في الماجستير التخفيف من الهرم، وهذا الهرم له انعكاسات بيئية كبيرة منها اهتراء الإطارات، وهنا تمكنت من تفتيتها وطحنها والحصول على بودرة الدواليب، ثم إضافتها إلى الإسفلت لتحسين مواصفاته، والنتائج على السلوك القصير الأمد، وكانت نتائجها إيجابية مقارنة مع إضافة الكلس إلى المجبول، والجدير بالذكر أن رسالة الماجستير لم تكن فكرتها مطروقة، وشملت حوالي 1400 تجربة قمت بها، واستعنت بالكثير من المراجع العالمية خلالها، حيث كان الحصول على المرجع أمراً صعباً جداً، وما ساعدني ظرف خاص تمكنت من خلاله الحصول على المراجع المطلوبة عبر مركز بحوث غربي، ونشرت بعدها مقالتين بهذا الخصوص في مجلات محكمة».

وهنا حاول الدكتور "باسم" المتابعة بذات الاختصاص عبر رسالة الدكتوراه، وبدأ ببحث مع جامعة "البلامنت"، لكن الظروف لم تساعده كثيراً، يتابع: «الدكتوراه من "فرنسا" كانت عن العيوب التي تصيب سطح الطرق، وخلالها صنعت أربعة مقالات نشرت في مجلات محكمة، وانتهيت منها عام 2008، وبدأت التدريس بجامعة خاصة، نتيجة بعض الإشكاليات بالتعيين بعد العودة، وهذا ظلم بحق كفاءات أبناء البلد».

وفي لقاء مع الدكتور المهندس "فايز سليمان" اختصاص هندسة طرق ومواصلات، قال عن المشروع: «في هذه الظروف الواقعية المفروضة والخراب والدمار الحاصل، تعد الفكرة رائعة ومهمة ومردوديتها الاقتصادية جديدة، من حيث استدامة المواد وإعادة التدوير، لأن عدم استخدامها يعني نقلها بتكلفة مادية كبيرة إلى مطامر تشغل مساحات بيئية كبيرة لها تأثيرها السلبي بالبيئة».

أما الدكتور المهندس "إلياس دبانة" اختصاص هندسة مواصلات "إنشاء طرق"، فقال: «إعادة التدوير تعني الاستفادة من كتل الأنقاض الكبيرة بأعمال ردميات للساحات العامة والطرق واستخدامات بالمجبول الإسفلتي، وفيما يخص أعمال البيتون، المعطيات الأولية جيدة وذات جدوى اقتصادية جيدة، لكنها تحتاج إلى تحديد، لأن هذه المواد ليست واحدة من حيث الجودة، وهي بحاجة إلى تصنيف، وبناءً عليه يمكن تحديد الاستخدامات ومجالاتها، وهنا نحن بحاجة إلى تكنولوجيا للفرز والتصنيع».