وصفه الشاعر الكبير "سليمان العيسى" بـ"الدلبة العتيقة"، أما أهل قريته فيعدونه رائداً في إحياء التراث الشعبي، وهو بمهارته أعاد صناعة ما اندثر من التراث المادي لأجداده.

عمل السيد "يونس ملحم" أو كما اشتهر بـ"أبو الياس" على بناء منزله التراثي "العرزال" في تسعينيات القرن الماضي، وذلك بما توافر له من مكونات بيئته الطبيعية، وكان بعيد النظر وفناناً بالفطرة؛ فانتبه إلى زحف الحضارة التي لن تذر شيئاً من المكونات المادية التي كان القدماء يعتمدون عليها في حياتهم اليومية، فجمع وحفظ كثيراً منها بصرف النظر عن حاجته إليها، وعن ذلك قال في حديث لمدونة وطن "eSyria" خلال زيارة فريقها الاستكشافي لمطعمه التراثي بتاريخ 27 شباط 2015: «كانت ما تسمى "مكونات التراث" مقتنيات وسبل معيشة لأجدادنا وأهلنا حتى أواخر ثمانينيات القرن الماضي، حين بدأ الناس تغيير أدواتهم القديمة، والاعتماد على الآلات الحديثة، هنا أحسست بأن هذه الأدوات ستصبح يوماً ما شيئاً نادراً، ربما لن يراه أبناؤنا إلا في الصور، فعمدت إلى جمع كل أداة استطعت الحصول عليها، وحفظتها لسنوات طويلة إلى أن أصبح لدي كمّ كبير منها، وفي نفس الوقت بدأت تزول من حياتنا اليومية، فجاء اليوم الذي أصبحت فيه كنزاً حقيقياً، أقوم الآن بعرضه لجميع زوار مطعمي التراثي، مع فرصة كبيرة لملامسته ومعايشته بكافة الطرائق الممكنة».

يقدم "أبو الياس" بعداً جديداً في العمل التراثي، فهو يعرض بعناية ودقة متناهية جميع مكونات المنزل القديم، وأدوات العمل والتنقل وحاجات الإنسان كافة، أما مطعمه "العرزال" الذي يمثل حاضنة لمقتنياته فهو مصنوع من الخشب، وبطريقة يدوية خالصة تماثل ما كان يقوم به القدماء، وبعد استلهام "ملحم" لكافة عناصر ومكونات تراث منطقته؛ قدم نموذجاً نفخر بوجوده في قريتنا، استطاع من خلاله إيصال شهرة "جنينة رسلان" إلى أبعد الأماكن داخل "سورية وخارجها، وعمل على تنشيط السياحة الداخلية بأسلوب مبتكر وجذاب

من جهته يقول أحد المعجبين بتجربة "أبو الياس" والفخورين به، وهو السيد "لؤي خازم" مشرف مجموعة "نادي محبي جنينة رسلان" الأهلية من قرية "جنينة رسلان": «يقدم "أبو الياس" بعداً جديداً في العمل التراثي، فهو يعرض بعناية ودقة متناهية جميع مكونات المنزل القديم، وأدوات العمل والتنقل وحاجات الإنسان كافة، أما مطعمه "العرزال" الذي يمثل حاضنة لمقتنياته فهو مصنوع من الخشب، وبطريقة يدوية خالصة تماثل ما كان يقوم به القدماء، وبعد استلهام "ملحم" لكافة عناصر ومكونات تراث منطقته؛ قدم نموذجاً نفخر بوجوده في قريتنا، استطاع من خلاله إيصال شهرة "جنينة رسلان" إلى أبعد الأماكن داخل "سورية وخارجها، وعمل على تنشيط السياحة الداخلية بأسلوب مبتكر وجذاب».

في متحفه الشعبي

وعن فكرة السيد "ملحم" في الانتقال من حالة التخزين لما لديه من كنوز تراثية إلى العرض بهذه الطريقة المبتكرة يقول: «كانت الفكرة بناء منزل تراثي يلبي شغفي بالطبيعة ومكوناتها، وكان الأصدقاء يشاركونني بعض لحظاتي وأنا أضيف مكونات جديدة إلى المنزل خلال مرحلة البناء، كما كانوا يقضون الليالي عندي خلال السهر بجانب نار الموقد و"الكركة"، لصناعة خمر العنب "العرق"، من هنا طرحوا علي تحويل هذا المنزل إلى مطعم تراثي، فتكون الفائدة مضاعفة حيث المكونات التراثية الغنية التي تمثل معرضاً حياً للتراث مفتوحاً أمام الزائرين، ومن جهة أخرى مصدر دخل مادي جيد يجذب السياح من كل مكان، وهكذا بدأت تحويل المنزل عام 2001 إلى مطعم، وتابعت في هذا الاتجاه لأصل إلى ما وصلت إليه الآن».

ومن زوار "أبو الياس" الذين تجولوا بين مقتنياته التراثية التقينا المدرس "عمران خليل" القادم من مدينة "طرطوس"، وذلك خلال مرافقته لفريق "eSyria" الاستكشافي في جولته ضمن "زواريب جنينة رسلان"، حيث قال: «يعكس "أبو الياس" وجهاً للأصالة، ويقدم حالة من التلاقي بين الماضي والحاضر، فهو بهيئته التراثية مفتولة الشاربين؛ يضفي على مكونات معرضه انسجاماً متناهياً، عدا طيبته التي تشبه في أصالتها القدماء، وأسلوبه المميز في عرض أفكاره وشرحها للزوار، ناهيك عن أكلاته المميزة التي يصنعها بنفسه، وهي التي تمثل فارق الذكرى التي لا تزول في قادمات الأيام، لذلك هو فعلاً حالة مميزة نتمنى لو أنها واسعة الانتشار، لأن هذا الرجل لا يكتفي بتشجيع السياحة خاصة الداخلية منها، وإنما يعيد الذاكرة الشعبية التقليدية ويحييها روحاً ومادةً، وهذا بعينه أمر مهم لتعليم الجيل الجديد وإطلاعه على تاريخه».

القصيدة التي أهداه إياها الشاعر الكبير "سليمان العيسى"

وكنتيجة لعوامل الزمن، وآثارها السلبية على أي مكون مادي من حيث التلف والاندثار، فإن "ملحم" كان مبادراً وحرفياً متقناً لعمله، قام بصناعة أدوات خشبية كثيرة أهمها الملاعق، وأشواك الطعام، والصحون، وأصلح أي أداة أصابتها الطبيعة بضرر، خاصة أنه كان معايشاً لتلك الحقبة التي سادت فيها هذه الأدوات، فجاءت مصنوعاته متقنة ومطابقة لمثيلاتها التي اندثرت، وبالتالي قدم ويقدم فرصة حقيقية لإعادة إحياء مشروع التراث على مستوى واسع، يحتاج فقط إلى مبادرات واسعة النطاق للاستفادة من تراث الأجداد وخبرة الأحفاد في حفظه وإعادة صياغته.

"لؤي خازم"