قدمت اختراعاته عدة حلول لمشاكل الصناعة المحلية، فتبنى بعضها القطاع العام، واستفاد الناس من بعضها الآخر، وخصوصاً مزارعو التبغ.

عدا مشاريعه الصناعية الصغيرة الخاصة؛ قدم المخترع "غالب هلال" منذ ثمانينيات القرن الماضي الكثير من الأفكار لتأمين بدائل صناعية للمصانع المحلية، خاصة عند مرور "سورية" بحصار اقتصادي خانق استمر لسنوات طويلة، فقضى مدة من حياته بين مصانع سورية وورشات المدن الصناعية لمحاولة صناعة قطع التبديل بأيدٍ وخبرات سورية محلية، وعن ذلك يقول في حديثه لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 30 آذار 2015: «لم تكن الغاية في الثمانينيات إنتاج عمل جديد أو فريد من نوعه، وإنما تلبية الاحتياجات الصناعية للقطاع العام، ومنها معامل الإسمنت والفوسفات، ونقل النفط، فقدمت لمعامل الإسمنت في مختلف مناطق "سورية" بدائل للقطع التالفة، كانت النقطة الأهم في مواجهة الحصار الاقتصادي حينها، قمت بصناعة "بلائط مطاحن المعمل"، وبعض قطع التبديل المعدنية، كما استبدلت كسارة المعمل القائمة على الطحن -التي تصل استطاعة محركها إلى 200 حصان وتحتاج إلى الكثير من عمليات الصيانة- بأخرى قائمة على مبدأ "العفاسات" باستطاعة 100 حصان، وتحتاج إلى القليل من عمليات الصيانة، وما تزال تعمل منذ 15 عاماً بكفاءة عالية في المعامل التي أدخلتها إليها».

يحمل هذا الجهاز فكراً هندسياً دقيقاً جعله منافساً لأي منتج مستورد، فخزانه يتسع لـ300 ليتر، ولوحاته مسطحة مساحتها 4م فقط، بينما كل الأجنبي المتوافر في الأسواق السورية يصل إلى 6م، وبنفس القدرة الإنتاجية من المياه الساخنة، أما العمر الافتراضي للجهاز فيختلف اختلافاً جذرياً عن الأجهزة المستوردة -خاصة التركية منها- التي تعبر عن فشل كبير بدأ مع سعي الدولة لإقناع الناس باقتناء هذا الجهاز وتوفير الطاقة الكهربائية، فعمره لا يتجاوز سنوات معدودة، وصيانته السنوية تكلف أحياناً مبالغ غير منطقية

يقول المهندس المدني "غسان ونوس" من قرية "رأس الخشوفة" قضاء مدينة "صافيتا": «يهتم الصديق المخترع "غالب هلال" بالجودة كثيراً، ويفرد لدراسة الجدوى الاقتصادية لأي اختراع مساحة كبيرة من الاهتمام، لأن الغاية تقديم خدمة للمجتمع ومؤسسات الدولة، وقد لعبت اختراعاته المهمة دوراً محورياً في المنطقة يوم احتاج البلد إلى ذلك خلال الحصار الاقتصادي لـ"سورية" في ثمانينيات القرن الماضي، وقد يكون الفرن الخاص بمحصول التبغ أهم اختراعاته، لكن ما تبقى من الاختراعات له أهمية كبيرة أيضاً إذا ما اعتبرنا أن كل اختراع جاء ليسد حاجة في إحدى قطع التبديل ضمن الشركات التي قدم لها خدماته، ورغم توقفه حالياً؛ إلا أنني على ثقة بأنه سيعود إلى الإبداع والاختراع لأن هذه الميزة تجري بدمه، ومن خلال معرفتي به فهو متابع لكل جديد في ميدان التطور العلمي، حقيقة هو إنسان معطاء قدم في كثير من أعماله جهداً كبيراً ودقة متناهية على حساب المردود المادي لاختراعه.

الأستاذ "غالب هلال" يطلعنا على براءة اخترعه

المهندس المخترع "هلال" من مواليد "رأس الخشوفة" قضاء مدينة "صافيتا" عام 1959، درس هندسة ميكانيكية في جامعة "حلب"، وتخرج فيها عام 1982، بدأ مشواره المهني في "مديرية ري حوض الساحل"، إلى أن استقال في العام 1992 وعاد إلى العمل الخاص، الذي كان قد بدأه خلال مرحلة عمله الوظيفي، وفي ذلك يقول: «بدأت بأعمال الحديد الصناعي، فسجلت في نقابة المهندسين، وافتتحت مكتباً هندسياً قائماً على بقايا أدوات حدادة في محلي الذي كان مستأجراً من قبل أحد الحدادين، فعملت في صناعة "الحرّاقات الزراعية" وهي مسخنات هواء لتدفئة البيوت البلاستيكية المحمية، ومداجن تربية "الفروج"، واستطعت التقدم في هذا المجال وبناء خبرة كبيرة في الإنتاج النوعي الذي ساهم بزيادة تسويق هذا المنتج».

استطاع "الحرّاق" الذي صنعه "هلال" منافسة أمثاله في الأسواق بمزايا عديدة تمثل الهم الأساسي لمستخدميه، فالتصميم الهندسي للمبادل الحراري سمح بتوفير 25% من الوقود، وبدفق حراري أكبر، وصولاً إلى العمر المديد للجهاز.

مخطط لنظام تجفيف التبغ بالهواء الساخن

وقد كان طموحه مرتفع السقف، فلم يكترث لقلة الموارد وعدم توافر البضائع في البلد، فمثلاً مشروع "مانعات الصواعق" كان يحتاج إلى "معادن مغلفنة" يجب استيرادها من الخارج لعدم توافر المعدات الصناعية المتخصصة لصناعتها، فبادر "غالب" إلى طرح الموضوع لصناعتها داخلياً، وعمل مع الورشات المتخصصة البدائية خطوة خطوة وتحت إشرافه حتى وصلوا إلى إنتاج معدن يحمل المواصفات العالمية، وبما يتجاوز حينها المقدرات المتاحة محلياً، وعلى هذا المنوال قدم الكثير من الإبداعات في مجال الصناعة.

أما اختراعه الذي نال فيه براءة اختراع، ومحبة وشكر مزارعي التبغ خصوصاً في محافظة "حماة، وسهل الغاب" في الداخل السوري، فيتحدث عنه الدكتور المهندس "طاهر قدار" من محافظة "حماة" في كتابه "رحلة في آفاق الإبداع والاختراع"، فيقول: «هو نظام بمبدأ جديد يعمل على تجفيف التبغ، فبعد اطلاع "غالب هلال" على الطريقة المتبعة لتجفيف التبغ في كافة الأفران المعممة من قبل "الإدارة العامة للتبغ" تبين له أن العملية تتم بواسطة مصدر حراري موجود داخل الفرن، ويقع مباشرة تحت التبغ المعلق، وبعد المناقشة حول جدوى هذه الأفران الفعلية، وجد أن هناك العديد من المشكلات والعقبات التي تمثل معاناة حقيقية لأصحاب التبغ أثناء تجفيفه.

خلال اللقاء مع الأستاذ "غالب هلال"

أما طريقة عمل الجهاز فتتلخص بمبدأ تأمين الحرارة من مصدر خارج فرن التجفيف، وذلك بواسطة الهواء الساخن، وقد استمرت التجارب لمدة عامين تم خلالهما إجراء تعديلات على الطريقة الجديدة، ويمكن استخدام مرجل تسخين الهواء ومتمماته في مجالات كثيرة مثل تجفيف الخضار والفواكه، والأعشاب، والحبوب، وفحم "الأركيلة" المصنع، وتدفئة الصالات والمطاعم ومداجن تربية الفروج، وغيرها».

وقد وضع النظام الجديد في الاستثمار الفعلي منذ عام 1996 في عدة مناطق موزعة بين محافظتي "حماة واللاذقية"، ويوفر هذا النظام نسبة 25% وقود، ثم توفير زمن التجفيف بنسبة تصل إلى 25%، وتوفير الجهد المبذول في العمل بنسبة 80%، وأمن هذا النظام حماية كاملة من خطر قاتل يتمثل بحرائق الغرف الخاصة بالتجفيف التي كانت تحترق وصولاً إلى انفجار الغرفة، ثم ضمان عمل النظام من دون توقف مفاجئ قد يسيء إلى المنتج، ومزايا أخرى كثيرة جعلته يحتل الصدارة بين أمثاله في العالم.

وهنا كان لا بد لنا من التعريج على أجهزة التسخين بالطاقة الشمسية، وهذا منتج آخر متكامل وعالي الجودة يقول عنه المخترع "غالب هلال": «يحمل هذا الجهاز فكراً هندسياً دقيقاً جعله منافساً لأي منتج مستورد، فخزانه يتسع لـ300 ليتر، ولوحاته مسطحة مساحتها 4م فقط، بينما كل الأجنبي المتوافر في الأسواق السورية يصل إلى 6م، وبنفس القدرة الإنتاجية من المياه الساخنة، أما العمر الافتراضي للجهاز فيختلف اختلافاً جذرياً عن الأجهزة المستوردة -خاصة التركية منها- التي تعبر عن فشل كبير بدأ مع سعي الدولة لإقناع الناس باقتناء هذا الجهاز وتوفير الطاقة الكهربائية، فعمره لا يتجاوز سنوات معدودة، وصيانته السنوية تكلف أحياناً مبالغ غير منطقية».