بدأ بنفسه، ثم انتقل إلى الزواريب، وصولاً إلى الأطفال وتنمية مهاراتهم،، وليس انتهاءً بعربات النقل السياحي الداخلي، والموسيقا وأساليب تدريسها في قطاع التربية.

لم يقتصر مدرِّس الموسيقا "عمار محمد" على طرح مبادرة أصابت المجتمع بقطاعاته هنا أو هناك، فالتغيير جزء من يومياته، يعيشه فكراً وثقافة، ويعد المجابهة فيه ضرورة لقلب مجتمع تربى على فكر العالم الثالث، وفي حديثه لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 31 آذار 2015، يقول: «كانت "زواريب جنينة رسلان" من أهم مبادراتي، وعملت الكثير لإنجاحها، بالتعاون مع أهالي قريتي "جنينة رسلان"، وبلدية القرية ممثلة برئيسها "سمير أسعد"، وتقوم الفكرة على حماية التراث المحلي للقرى السورية -وحالياً القرى الجبلية الساحلية- من خلال الزواريب الضيقة التي تفصل بين بيوت القرى، والتي شهدت الكثير من الأحداث التي تعد ذاكرة شعبية غنية توثق لمراحل تاريخية مهمة في حياة سكانها، وهي حالياً مهددة بالاندثار أمام زحف الحضارة ونموها العمراني، وقد انطلق هذا المشروع عند زيارة "فريق eSyria الاستكشافي" لقطاع بلدية "جنينة رسلان" بتاريخ 27 شباط 2015، حيث اطلع الزوار المستكشفون على فكرة الزواريب وأهمية الحفاظ عليها وتزيينها، وإعادة إحيائها كحالة اجتماعية ثقافية مهمة في الريف السوري، وما تزال هذه المبادرة في بدايتها؛ حيث يتم التواصل مع الجهات الأهلية والحكومية لتعميم التجربة وتحويلها إلى عمل حقيقي على أرض الواقع».

أسعى بالتعاون مع عدد كبير من الأصدقاء وعبر الجهات المتخصصة في الحكومة لجعل إتقان العزف على آلة موسيقية شرط من شروط الحصول على شهادة التعليم الأساسي، لأن ذلك يعد أحد أهم أساليب القضاء على الفكر المتطرف أينما وجد، وحيث تعيش الموسيقا لا يعيش الإرهاب

يحتاج أي عمل إبداعي مبتكر إلى بيئة حاضنة، وهذه وجدها في قريته "جنية رسلان" سواء من أهل القرية المتجاوبين مع أي خطوة جديدة لتطوير منطقتهم، أو بلدية "جنينة رسلان"، وتحديداً رئيس البلدية الذي تابع ويتابع بشغف جميع المبادرات الأهلية في قطاع بلديته بالدعم المادي والمعنوي، إضافة إلى مبادراته الخاصة في هذا المجال، وفي تجربة الأستاذ "عمار" يقول: «تابعت منذ البداية جميع المبادرات التي عرضها "عمار"، ومن جهتي كرئيس بلدية مستعد لتقديم كل ما يمكننا القيام به في سبيل تطوير منطقتنا، وبالنسبة إلي فالعمل لمصلحة قطاع بلديتي يتجاوز فكرة المهمة القانونية الملقاة على عاتقي، لذلك أدعم أي حراك اجتماعي من شأنه تطوير وإظهار الوجه الحضاري لقرى البلدية، ومن هنا كان التعاون مع المجموعات الأهلية في "دوير رسلان" وعلى رأسهم "زواريب جنينة رسلان" لاستقبال "فريق eSyria الاستكشافي" للبدء بنشر مشروع "زواريب جنينة رسلان"».

بين الطلاب على المسرح

من جهتها تقول الدكتور "لما حسن" من مدينة "طرطوس"، وهي ممن رافقوا "فريق eSyria الاستكشافي" خلال جولة "زواريب جنينة رسلان": «تحدثت ملياً مع "عمار"، عن التجربة التي تشارك بها مع بعض أبناء قريته "جنينة رسلان"، والتي تتعلق بإنشاء أول "سوق جمعة" في محافظة "طرطوس"، وهي من أجمل الأفكار التي يمكن أن يحتاج إليها المجتمع المحلي في هذه الأزمة التي تعيشها "سورية"، فكم منا لديه حاجات هو بغنى عنها، وكم من ناس بحاجة إلى تلك الأشياء الفائضة، وحتى ولو لم تنجح التجربة في "جنينة رسلان" لأسباب عديدة، إلا أنها مبادرة رائعة أشكره جزيل الشكر عليها ولكل من اشترك فيها، وأقترح إعادة إحيائها في هذه الظروف الصعبة، ونقلها إلى مدينة "طرطوس"، هذا إضافة إلى القيمة الكبيرة التي تكتنزها فكرة "زواريب جنينة رسلان"، وما لها من أهمية في حفظ التراث والترويج له كسياحة داخلية مهمة».

كان لـ"عمار" تجربة شخصية رائدة يسميها بعضهم مغامرة، اعترض من خلالها على المناهج التربوية وأساليب تدريسها للطلاب، من منطلق أنه لا يوجد مبدع على الأرض قادر على العطاء في كافة المجالات، ومن منطلق أن ولدي متفوق في اللغة العربية، فلماذا يخسر وقتاً طويلاً في حفظ التاريخ أو تفاصيل لا داعٍ لها في مادة الجغرافية وغير ذلك الكثير، فعمد إلى توجيه أبنائه للاهتمام بمواد تدريسية معينة على حساب مواد أخرى مثل: "جغرافية، تاريخ، قومية، علوم"، في حين ملؤوا الوقت المستقطع من المواد المذكورة حتى في فترة الامتحانات بدراسة الموسيقا، وكانت النتيجة أن صنع منهم عازفين موسيقيين بارعين، درّسوا عشرات الأطفال على مختلف الآلات الموسيقية وهم لا يزالوا في المرحلة الإعدادية والثانوية، وبذات الوقت وصلوا لاحقاً بتفوق إلى الدراسة الأكاديمية الجامعية التي كانوا يطمحون بها.

في زواريب جنينة رسلان

يميل "عمار" إلى طرح الكثير من الأفكار ويتميز بمبادرته السريعة للتواصل مع الناس وتحويل الفكرة إلى واقع حقيقي -خاصة في هذه الفترة التي تتعرض فيها "سورية" لحرب مدمرة- فمثلاً يعمد حالياً مع بعض المختصين إلى مبادرة متقدمة في مجال اللغة العربية وعلومها، لتدريب فئات مميزة من طلاب المدارس -حالياً في منطقة "الشيخ سعد" والضواحي القريبة منها الملاصقة لمدينة "طرطوس"- والوصول بهم لغوياً خلال فترة محددة إلى امتلاك المؤهلات الكاملة لكتابة الشعر العربي بأفضل صوره، في حين يترك لأولئك الأطفال مقدرتهم الإبداعية كعامل مؤثر في قدرتهم على العطاء والاستمرار، ثم هناك مبادرة أخرى حديثة العهد يهدف من خلالها إلى تسيير عربات وحافلات مميزة.

وحتى لا يطول الحديث فإن هذه أمثلة بسيطة عن أعماله ومبادراته التي تمنى علينا اختتامها بمبادرة يسعى لتكون مبادرة وطنية شاملة لما بعد الأزمة والحرب في "سورية"، ويقول فيها: «أسعى بالتعاون مع عدد كبير من الأصدقاء وعبر الجهات المتخصصة في الحكومة لجعل إتقان العزف على آلة موسيقية شرط من شروط الحصول على شهادة التعليم الأساسي، لأن ذلك يعد أحد أهم أساليب القضاء على الفكر المتطرف أينما وجد، وحيث تعيش الموسيقا لا يعيش الإرهاب».

في حديثه مع مدونة وطن

"عمار محمد" من مواليد مدينة "القامشلي"، 1968، بقي فيها مع عائلته لعمر 10 سنوات، ثم انتقلت العائلة إلى "جنينة رسلان" في مدينة "الدريكيش"

أسس فرقة "عتبات" الموسيقية، ليبدأ تحويل أفكاره وطاقاته إلى فعل على أرض الواقع، وعن كونه شخصاً مبادراً يختتم حديثه بالقول: «يقوم السلوك الإنساني عموماً عند أي إنسان على أساسين؛ الأول يتعلق بجينات الإنسان الوراثية، والآخر مرتبط بمحيطه الاجتماعي، وهذا ما ينطبق أيضاً على الفكر المبادر الذي يطرق باب المخيلة الإنسانية بطريقة مفاجئة، هو أشبه بغليان داخل الإنسان من خلال تفاعله مع محيطه، بالتالي هو نتاج حالة تفكير، ومن هذه النقطة تحديداً تبدأ مرحلة جديدة تسمى رعاية الفكرة، فكثيرون من الناس يطرحون الأفكار المبدعة أحياناً لكن من دون متابعة، في حين هناك من يتابع فكرته كما يرعى المولود الجديد، فتتحول المبادرة إلى واقع حياتي ينعكس على صاحبها، أو على شريحة معينة من الناس».