عقود ثلاثة قضاها الصياد "حيدر حيدر" برفقة البحر، لم يبارح فيها شواطئه الصخرية أو حتى مياهه الإقليمية، لازمته سنارة الصيد بمختلف أنواعها، حتى أصبح بالنسبة لصيادي السنارة الخبير والاختصاصي.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 1 كانون الثاني 2015، الصياد "حيدر حيدر"، الذي يعد من أقدم صيادي السنارة المستمرين بالصيد منذ خمسة وثلاثين عاماً، وهنا قال: «يمكنني القول إن لعلاقتي مع البحر خصوصية أبعدتني عن الكثير من الأمور الحياتية الأخرى، أهمها الزواج، فلطالما كان موضع البحر خطاً أحمر بالنسبة لي، حتى خلال معيشتي الاجتماعية في منزلي الأسري، ويمكن تحديد عمر هذه العلاقة من سن الثانية عشرة بالنسبة لي، حيث كنت أمارس الغطس البحري إلى جانب صيد السنارة، وكنت حينها أغطس إلى أعماق كبيرة بحثاً عن أفضل أنواع الأسماك وأندرها في مختلف الأوقات والمواسم.

الصياد "حيدر" رغم عناده وتشبثه بالرأي فهو رجل طيب جداً ومرن بالتعامل، ويقدم خبرته الكبيرة في الصيد لمن يطلب المعلومة، خاصة أن عملية الصيد بتجدد مستمر كل يوم، وأنا أعرفه من خمسة عشر عاماً من خلال الصيد البحري، وقد قدم لي الكثير من المعرفة في البداية

فالبحر بالنسبة لي قصة حياة، أعيشها بثوانيها وساعاتها وأيامها وبمختلف الفصول والأيام، فلا ألبث أن أخرج منه في الصباح حتى أعود إليه في الظهيرة، وبعدها في فترة المساء والسهرة، وهنا أكون مارست مختلف أنواع وطقوس صيد السنارة.

الصياد حيدر خلال صيد سمك البوري بالسنارة العادية

في بعض الأوقات أدخل مع الأصدقاء أصحاب المراكب إلى عرض البحر، لأمارس صيد السنارة الممتع، وحينها أبقى على يقظة تامة طالما أنا في أحضان البحر، على خلافهم جميعاً حيث ينامون بعض الوقت للاسترخاء، فأنا أجد استرخائي في يقظتي وتأملي لجمال فسحة البحر وحركة أمواجه وتقلب ألوانه بحسب أعماقه».

بعض التفاصيل التي لا يكاد يدركها الأشخاص العاديون بعلاقتهم مع البحر، كانت بالنسبة للصياد "حيدر" متعة كبيرة أوضحها بقوله: «السماء والبحر والصوت عناصر ثلاثة اجتمعت دائماً وترافقت رحلة الصيد البحرية ومثلت متعة وسعادة بالنسبة لي، وكان لكل منها خصوصية، فالفسحة السماوية وسط البحر أملي بالقادم، والسطح المستوي للبحر في عرض البحر والدلافين تقفز أمامي مع ساعات الصباح الأولى، عالم آخر، حقاً هذا ليس كلاماً شاعرياً، وإنما واقع أدركه وأعيشه كل يوم بإحساس جديد، وربما لهذا دور كبير في استمراري بصيد السنارة وعلاقتي مع البحر حتى الآن».

السيد جودت شريف

ويتابع الصياد "حيدر": «في بعض الأوقات التي يكون فيها المناخ غير جيد أو مساعد للصيد، لا أبتعد كثيراً عن البحر، وأنتظر الفرصة الجيدة للوصول إلى جواره، من منزلي الذي يبعد عنه نحو 500 متر فقط، لأمارس رياضة المشي على كورنيشه واستنشاق هوائه الرطب المنعش الذي يمنح رئتي الصحة والحيوية بما يحتويه من نسبة عالية من الملح البحري، علماً أني تعرضت إلى جلطة قلبية قوية، وكان لعلاقتي مع البحر سبب في شفائي منها على حد قول الطبيب.

وجميع ما ذكرت كان سبباً فيما يسميه بعض الأصدقاء خبرة في صيد السنارة، هذه الحرفة أو المهنة التي تحتاج إلى الكثير من الوقت لتعلم خفاياها الكثيرة، إضافة إلى التجربة المستمرة، وأهم ما أحافظ عليه من تجربتي أن يكون لي جانب أيسر أو أيمن فارغ تماماً من الصيادين، لأشعر بالراحة وسهولة الحركة خلال رمي السنارة في المياه، لذلك وبعلم الكثيرين من الصيادين أحافظ على مكاني على الكورنيش الصخري من سنوات طويلة، فلا يجلس فيه أحد حتى وإن تأخرت عن موعد حضوري بضع دقائق.

الصياد أحمد نفوس

وحتى هذا المكان الذي أتحدث عنه اخترته بكل عناية ليكون مناسباً لساعات الجلوس الطويلة، وبجانبه ما يشبه الجرن الصخري أضع فيه ما أقوم بصيده، وخاصة "الصبيد" ريثما ينفث حبره ويعود إلى البحر عبر مجرى "قناة" في هذا الجرن، وهنا لا أنكر أن طبيعة العلاقة مع بقية الصيادين جعلتهم يحترمون محبتي لهذا المكان وعلاقتي به».

الصياد "حيدر" تمكن من إتقان عدة طرائق لصيد السنارة، وهنا قال: «بالخبرة والممارسة تمكنت من معرفة أفضل الطرائق لصيد بعض أنواع الأسماك والحيوانات البحرية، فمثلاً صيد سمكة البوري على الشواطئ الصخرية أو على الرصيف البحري في ميناء الصيد والنزهة يمكن بسنارة الفواشة أو سنارة "الدس"، أما صيد "الصبيد" فأفضل طريقة لصيده طعم القريدس وسنارة المكنة».

وفي لقاء مع الصياد "جودت شريف" قال عن الصياد "حيدر": «الصياد "حيدر" رغم عناده وتشبثه بالرأي فهو رجل طيب جداً ومرن بالتعامل، ويقدم خبرته الكبيرة في الصيد لمن يطلب المعلومة، خاصة أن عملية الصيد بتجدد مستمر كل يوم، وأنا أعرفه من خمسة عشر عاماً من خلال الصيد البحري، وقد قدم لي الكثير من المعرفة في البداية».

الصياد "علي ضوا" قال: «في أغلب الأوقات أراقب من هو موجود على الكورنيش الصخري البحري وخاصة الصياد "حيدر"، فإن لم أجده أغادر عملية الصيد مدركاً أن الوقت والعملية غير مجدية، لأني أعلم أنه يدرك أوقات الصيد بجدارة، فهو يدرك عملية المد والجزر وحركة الرياح وإمكانية الصيد مع ظهور القمر أو اختفائه على عكسي تماماً».

أما الصياد "أحمد نفوس" فقال: «الصياد "حيدر" رجل طيب وإنساني في تعامله، وله خبرة طويلة بالتعامل مع البحر وأسماكه، لذلك نسأله في بعض الأحيان عن بعض التفاصيل الجديدة التي تحدث معنا لأول مرة، فيساعدنا فوراً، وبالعموم هو من أقدم صيادي السنارة في مدينة "بانياس"، ومن المواظبين على عملية الصيد اليومية».

من الجدير بالذكر، أن الصياد "حيدر حيدر" من مواليد "بانياس"، عام 1964.