دخل "سوق الأمانة" طفلاً، وبين حوانيته كبر تاجراً أميناً، يعرفه كل مزارع وتاجر مذ بدأ السوق في حي "الخراب"، وبين "سورية ولبنان" عمل مسوقاً للفاكهة المحلية.

بحكم التقارب الشديد بين منزله وأول سوق للخضار في "طرطوس" عمل السيد "إبراهيم سلمى" بعمر 7 سنوات في "سوق الأمانة"، كان يرتاده كل يوم بعد عودته من المدرسة، وفي ذلك يقول خلال حديثه لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 6 كانون الأول 2014، حيث قال: «افتتح حوالي عام 1960 أول سوق للخضار في "طرطوس"، وكان يسمى بسوق الأمانة، وقوامه 6 محال تجارية تبيع إنتاج "طرطوس" المحدود من الفاكهة والخضار، ومن لبنان يستورد أصحابها مختلف أنواع الفاكهة والخضار التي كانت مزدهرة هناك، من جهتي كنت في الصف الثاني الإبتدائي، ومنزل أهلي على باب سوق الخضار هذا، فكان المكان الذي أقضي فيه وقتاً طويلاً بعد مدرستي.

امتدت صداقتي مع هذا الرجل لأكثر من عقدين من الزمن، بفعل ترددي المستمر إلى متجره لبيع منتجات مزرعتي، وهذا الأمر يعود للمصلحة المشتركة، ثم الثقة التي أمنحها إياه بفضل أمانته في حفظ أرزاقي، وهذه أساس سمعته الطيبة بين الناس، وسر استمراريته الناجحة قرابة ستين عاماً

في عام 1970 بدأت العمل كمورد للخضار والفاكهة من أسواق "لبنان" إلى السوق المحلية، وباتجاه "دمشق وحلب"، وفي عام 1975 تطورت إمكانياتي فامتلكت محلاً في سوق الخضار للبيع بالجملة، حيث كان السوق قد انتقل في السبعينيات إلى موقع آخر بجانب مرفأ "طرطوس"، ثم طورت الاستيراد والتصدير الداخلي بشكل أوسع، وامتلكت عدة شاحنات للنقل، وصولاً لثمانينيات القرن الماضي، حيث بدأت البضاعة المستوردة تتضارب مع بضاعة زبائني المحليين وهو ما اقتضى الاقتصار على مزراعي "طرطوس"، حرصاً على مصلحة المزارع المحلي، أما التصدير من "طرطوس" إلى الداخل السوري فقد تراجع أواخر التسعينيات حتى تركته نهائياً من خمس سنوات، وكنا في هذا الوقت قد انتقلنا إلى سوق الخضار المركزي الكبير على طريق (طرطوس - الشيخ سعد)».

مع صديقه السيد "محمد أسعد محمد"

ولد "إبراهيم سلمى" في منطقة "السهلة"، عام 1947، في "حي الخراب" بطرطوس القديمة، وكانت حينها طرطوس مركز منطقة تابعة لمحافظة "اللاذقية".

قلة لا يعرفون اسم "إبراهيم سلمى" سواء كانوا تجاراً أم مصدري فاكهة وخضار من "سورية" عموماً، أم مرتادي سوق الخضار المركزي لشراء حاجاتهم بالجملة، ومنهم التقينا صديقه القديم المزارع السيد "محمد أسعد محمد" الذي التقته "مدونة وطن" سابقاً كمغترب سوري، الذي تحدث عن تجربته مع السيد "سلمى" بالقول: «امتدت صداقتي مع هذا الرجل لأكثر من عقدين من الزمن، بفعل ترددي المستمر إلى متجره لبيع منتجات مزرعتي، وهذا الأمر يعود للمصلحة المشتركة، ثم الثقة التي أمنحها إياه بفضل أمانته في حفظ أرزاقي، وهذه أساس سمعته الطيبة بين الناس، وسر استمراريته الناجحة قرابة ستين عاماً».

مع السيد "ابراهيم سلمى" في متجره بسوق الخضار والفاكهة المركزي

يعد السيد "إبراهيم سلمى" سجلاً مهماً عن تاريخ الاقتصاد الزراعي المحلي للمنقطة الساحلية، وعن ذلك يتحدث بالقول: «في عام 1960 كنا نشاهد التجار وهم يستوردون الحمضيات بأنواعها من طرابلس، والخضار البلاستيكية، حيث لم تكن الزراعات المحمية قد بدأت مطلقاً في "سورية"، واقتصر الإنتاج المحلي على: "البندورة القصبية، البصل، البطاطا، البقوليات، الحنطة، والشعير..."، وأغلبها في منطقة "خراب مرقية" وصولاً إلى منطقة معمل الإسمنت حالياً، أما سهل عكار فكان لبعض الزراعات الفصلية مثل البطيخ، وبعض البقوليات».

«بعد عام 1970 تغيرت الزراعة المحلية تغيراً ملحوظاً، حيث استفاد هذا القطاع من الحركة التصحيحية للرئيس "حافظ الأسد"، فبدأت بعد خمس سنوات الزراعات المحمية بأنواعها، وانتشرت مزارع الحمضيات، هنا بدأت الموازين تنقلب مع لبنان، ومع دخول 1980 بدأت "سورية" تصدر للبنان منتجاتها الزراعية، في حين اختص سوق "بانياس" بالتصدير لخارج البلاد، إلى أن وصلت الزراعة ما بين 1990 و2000 إلى مرحلة متقدمة جداً كماً ونوعاً».

ما زال بعض معاصريه على رأس عملهم في السوق، في حين توفي أغلبهم، وترك بعضهم الآخر عملهم، ونذكر منهم: "يوسف الصباغ، عباس القاضي، خالد محي الدين، عبدالله درويش، خليل نعوس، محمد حسين فاخري، محمود الصباغ، محمد حمودة...".

يعد "إبراهيم سلمى" الأمانة المصطلح الأغلى في حياة التاجر في سوق الخضار، وهو ما سبب قديماً تسميته "بسوق الأمانة"، فالناس تأتيك وتضع بضاعتها عندك من دون أدنى رقابة على ما سيحصل بعد مغادرتها، من هنا تأتي الأمانة والخبرة في العمل التجاري لبيع هذه الأمانات بأسعار جيدة ترضي الزبون، مع ما يرافق ذلك من اهتمام بأرزاق الناس، وهو يشعر بالسعادة لمتابعة أولاده لمهنته وإتقانهم لها بيعاً وأمانة.

يختم "شيخ الكار" بالقول: «قد تكون المصادفة والحاجة إلى العمل هي من أدخلتني في هذه المهنة، لكن بقائي فيها أغلب سنوات حياتي جاءت من محبتي للعمل في "سوق الأمانة"، أو كما درج الناس على تسميته بـ"سوق الهال"، فبضاعتك لا تبطل ولا تنتهي، لأنها قائمة على الطعام وحاجة الإنسان له، فكل يوم هناك بيع ورزق جديد، تتعامل مع شخصيات مختلفة، تضحك حيناً، وتغضب حيناً آخر، ولكل يوم طابعه الخاص».