رسمت "غادة زغبور" خطوط مستقبلها في التنمية المجتمعية مع زوجها "وافد"، بقدرات ومواهب فاض بها كيانها، فالطموح بمحاولات بناء الصغير عبر الألوان، كالطموح بتثقيف الكبير بصرياً عبر السينما.

الدكتورة "غادة زغبور" ترى أن بناء المجتمع يبدأ من اللبنة الأساسية فيه، وهذا بحسب حديثها لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 7 تشرين الثاني 2014، حيث أضافت عن بداياتها مع العمل التطوعي والتنمية المجتمعية: «بدأت تجربتي مع العمل التطوعي والتنمية بعد وفاة زوجي الدكتور "وافد حيدر" عام 2005، من خلال الرغبة في إقامة معرض رسم وتصوير ضوئي، حيث شدتني مقالة في جريدة "الثورة" حول فريق وطني يعمل في التنقيب في موقع "عمريت" الأثري، الذي كنت قد زرته مع أصدقاء أجانب قبل مدة وجيزة برفقة زوجي "وافد".

تملك الدكتورة "غادة" حساً مرهفاً انعكس إيجاباً على طبيعة علاقتها بمحيطها والأطفال في النادي، فهي إنسانية بما تملكه من رهافة مشاعر واندفاع نحو العمل المتواصل، كما لها القدرة على تنظيم وقتها بين العمل الطوعي والمنزل وحاجيات أولادها، وأنا رأيتها رسامة رائعة الأسلوب والأفكار الواقعية

فتعرفت إلى مجموعة متطوعين لإنقاذ "عمريت"، وخلاصتها أقمت معرضاً فردياً في "طرطوس القديمة" عام 2005، بمشاركة أطفال روضة أولادي الذين انتشروا بين آثار "معبد ملكارت" ورسموا ما فاضت به أفكارهم، كما استفزني الإهمال المحيط بالموقع، وكان هناك عمل دؤوب واجتماعات كثيرة بهدف تسليط الضوء على جزء من ماضي بلادي، يفترض استثماره بطريقة ذكية.

تلته مشاركة للمتطوعين في ورشة لليونسكو في عام 2006؛ بهدف وضع "عمريت" و"طرطوس القديمة" وجزيرة "أرواد" على لائحة التراث العالمي، وكانت مشاركتي بمعرض في بهو الفندق المقامة به الورشة لألفت انتباه أعضاء الورشة إلى هذا الأمر المهم بالنسبة لي، حيث تفاعلوا مع الرسومات والصور بطريقة آثرة.

كما اطلعت على تجربة نادي الرسم المجاني في "اللاذقية" الذي أسسه الرسام والكاتب "عصام حسن" في منزل الصديق "محمد حسين" عام 2008، وكان لهذه التجربة دور مهم في جانب آخر من العمل على بناء الطفل، حيث تشاركنا في تأسيس "نادي الرسم المجاني" بـ"طرطوس" المستمر حتى الآن، الذي أضاف لتجربتي الحياتية الكثير.

خلال تصوير أحد أفلامها

وتضيف الدكتورة "غادة": «أثناء ذلك قادني اهتمامي بالعمل مع الآثار والطفل لنشر بعض المقالات في موقع "نساء سورية" وعدة مجلات وصحف ورقية، ولا يمكنك أن تعمل في كل هذه المجالات وتبقى على الهامش أمام جمعية عريقة في اهتمامها بالتراث والثقافة كـ"جمعية العاديات" التي أصبحت في أحد أطوارها عضو مجلس إدارة ومسؤولة اللجنة الثقافية، وكل ذلك لم يمنعني من إقامة معرض مشترك رسم وتصوير ضوئي، والمشاركة في عدة مهرجانات ومعارض جماعية ضمن المحافظة».

وعن تجربتها مع "نادي الرسم المجاني"، قالت: «نادي الرسم صقل شخصيتي ولا يزال يشحذها، فالعمل مع الأطفال أكسبني طاقة وجعلني على تماس مباشر مع عدة أجيال، وتعرفت إلى جيل الشباب المتطوع في النادي ونجم عنه صداقات أعتز بها كثيراً.

كما اجتمعنا على فكرة تأمين مناخ آمن للطفل ليطلق مكنوناته في فضاء رحب لا يمكن أن توفره مدرسة ولا بيت، فالطفل الذي يُجبر في مكان ما على التقيد بقواعد الكبار قد لا نحصد منه إبداعاً، بل سيكون نمطياً ومحدود الإنتاج».

إن فكرة التطوع يلمسها الطفل من خلال النمذجة، بحسب رأي السيدة "غادة"، وأضافت: «عندما يرى الطفل سلوكيات الكبار أمامه، ومنها أننا كنا ننظف الشارع قبل جلوسه فيه ليطلق إبداعه، سيحتذي بسلوكنا خارج زمان ومكان النشاط، كما أن إعطاءه أدوات رسم حيث يأتي خالي الوفاض، أمن ضحكته على الأرض سواسية مع باقي الأطفال مستمعاً للموسيقا، سيجعله ينتظر نصف ساعة ليأتي دوره ويحصل على هذه الأدوات، وذلك لا يحصل إن لم يكن يشعر بأن البيئة المحيطة به هي صديقة حقيقية له، كما أن هذا سيجعله يأتي إلى مكان يقرأ فيه قصة ضمن مكتبة النادي في زمن تنافس فيه الألعاب الإلكترونية كل سبل تطوير ذائقة الطفل أو تطوير وبناء شخصيته بطريقة سليمة».

وتتابع: «النادي بما فيه من نظم تفترض مناقشة كل نشاط بهدف تدارك أخطائه، خلق لي متنفساً لتفريغ ضغوط الحياة التي تجعلني في مكان ما أقول هذه ليست معركتي، فالتماس المباشر مع الطفل يغسل الروح ويجعلني أعيد النظر في كل مرة بالطريقة التي أجيب بها عن سؤال بسيط عند الطفل، من مبدأ امتهان البساطة لإيصال الفكرة، وتلوينها بأصوات قلوبهم النقية متعة ومسؤولية كبيرة بذات الوقت».

وللسينما تجربة خاصة في حياة الدكتورة "غادة" العملية، قالت عنها: «من طبيعة شخصيتي الحرص، وهذا أخذني إلى أماكن كالسينما دون قصد، وحرصي على الآثار في زمن تباع وتُشترى فيه الهوية وتسرق وتطمر، كانت صرخة لم تكتمل في معرضي الأول، كان مخاضاً ما أكتبه على صفحتي وليس شعراً، ولا يزال الصراخ مشرعاً والمخاض عسيراً.

فأنا أخاف كثيراً من إلصاق التهم، فالقليل من الكلمات لا تصنف المرء، وقليل من الرسومات لا تجعله فناناً تشكيلياً، ومحو الأمية في إخراج فيلم سينمائي لا تجعلني مخرجة، وما أقوم به محاولات لتفريغ طاقة حب بهدف امتلاك الآخر، الآخر الذي قد يكون وطناً هارباً بين أصابع الأمان، أو رجلاً فاقداً لبوصلة الشغف، أو أماً زرعت عينيها في الأفق، وعادت بعين قلبها الوحيدة إلى بيتها المفتوح بابه دوماً لابنها الذي وهو يودعها لم يلتفت.. لم يلتفت».

وتتابع: «شغفي بالسينما لا يقل عن رغبتي في تصحيح سلوك عدائي عند طفل لم تتوافر لديه ظروف محيطة ملائمة، فالفرح بإنجاز مهما كان بسيطاً قد يشحذني بطاقة كبيرة أخشى أحياناً ألا أجد المكان المناسب لتفريغها، والسينما لها مقوماتها وهمومها، وآليات تنفيذ فيلم في ظروف التنقل بين المحافظات صعب، واللهاث وراء لقمة العيش يستهلك الوقت، والسينما أداة تعبير بالنسبة لي عن إنسانيتي بلغة مغايرة لتجعل المتلقي متسمراً على مقعده تأسره وتستحوذ على كل أحاسيسه ليخرج وبيده أداته، يرمم بها إحدى فجوات حياته الكثيرة، إذا لم تخدم هذا الهدف، فهي مجرد ثرثرة بصرية، وأنا حتى ذلك الحين أحتاج للكثير من الوقت».

والدكتورة "غادة" لم ترَ في متابعة حياتها وحيدة دون زوجها "وافد" أمراً صعباً، بل كان طاقة هائلة ونوراً وأملاً: «دفن "وافد" لم أحضره والدعوى الحثيثة لتوديعه قبل دفنه لم أستسلم لها، ولذلك بقي يشعّ علينا فرحاً نضراً شغوفاً، ومن هنا كان قراري بالتفرغ لبناء شخصيتي وتماسكها، كما أن العمل في الشأن العام وتطوير مهاراتي في التعامل مع الطفل عموماً، ومع ذوي الاحتياجات الخاصة خصوصاً لا يزال مستمراً، فأستيقظ كل صباح بطاقة هائلة، وككل أم، أفرح وأعتز عندما أرى أولادي يحصدون إنجازات.

فكل ما قمت به وما أقوم به لم يكن يوماً على حساب وقتي معهم، ودائماً أبرمج وقتي تبعاً لحاجياتهم، وربما لدي القدرة وهذا بالمران، حيث اعتدت إمساك عدة صناديق في وقت واحد، أفتح وأغلق ما أراه مناسباً وفي الوقت المناسب».

وفي لقاء مع النحات "حسن عزيز محمد" قال: «تملك الدكتورة "غادة" حساً مرهفاً انعكس إيجاباً على طبيعة علاقتها بمحيطها والأطفال في النادي، فهي إنسانية بما تملكه من رهافة مشاعر واندفاع نحو العمل المتواصل، كما لها القدرة على تنظيم وقتها بين العمل الطوعي والمنزل وحاجيات أولادها، وأنا رأيتها رسامة رائعة الأسلوب والأفكار الواقعية».