رغبة السيد "إبراهيم" بالحصول على الترف الاجتماعي من الزراعة، دفعته للتوجه نحو الزراعات الاستوائية، فأنتج حديقة منزلية متكاملة أمنت له ما أراد، إلى جانب المردود الاقتصادي.

مدونة وطن "eSyria" زارت قرية "حريصون" في مدينة "بانياس" بتاريخ 23 أيلول 2014، والتقت السيد "إبراهيم قاسم" المواظب على زراعة الأشجار الاستوائية في حديقة منزله ضمن تجربة لاحتواء مختلف هذه الأشجار وخاصة منها المتميزة والمثمرة، وهنا قال: «منذ سنوات طويلة وأنا مولع بزراعة الأشجار الاستوائية ذات الثمار المميزة والمغذية، وكانت البداية عبارة عن ترف اجتماعي أرغب به، خاصة أن قريتنا الساحلية "حريصون" معروفة بزراعتها المتميزة والمتكاملة للخضار من البندورة إلى الباذنجان والفليفلة، حيث أردت التميز كمزارع ينتقي أصنافاً من الفاكهة الاستوائية غير الموجودة في المنطقة كلها ويزرعها في حديقة منزله، وكانت البداية بزراعة الكيوي والأناناس والباباظا، من حوالي خمسة عشر عاماً وتزيد.

الأول زادت من روابط المحبة بيني وبين محيطي من خلال عمليات تبادل الإنتاج الزراعي، فأنا أطعم محيطي مما أنتج ومحيطي يطعمني مما ينتج، أما الأمر الثاني، فهو تحسين المردود الاقتصادي من خلال عمليات التسويق وتصريف الإنتاج، ضمن أسواق متعطشة لهذه الإنتاج

وهذا كان من خلال زياراتي المتكررة إلى "لبنان" بحكم عملي الوظيفي، ورؤية المزارع المتنوعة هناك، ونجاح زراعتها، وهو الأمر الذي حفزني وشدني لتحقيق متعة امتلاك مزرعة صغيرة بجانب المنزل يتوافر فيها أكبر تنوع من الفواكه والأشجار الغريبة عن بيئتنا.

المنكا والكاريسا من إنتاج السيد إبراهيم

ولكن سرعان ما تحول هذا الترف الاجتماعي الذي رغبت به من الزراعة إلى علاقة عشق متينة لا يمكن الاستغناء عنها، وكنت أشتري أي صنف أسمع به مهما كان سعره، وأعتقد أن زراعتي للكيوي التي بدأت بها أولاً قبل غيرها، كانت بذات الفترة التي قامت "لبنان" بإدخال هذه الزراعة إلى مزارعها، وربما أكون قد سبقتها في إدخالها إلى "سورية" بعدة سنوات.

وكان اعتمادي هنا في زراعة هذه الأصناف من الفاكهة والأشجار الاستوائية، على ملاءمة طبيعة مناخ القرية المرتفعة عن سطح البحر حوالي ستة أمتار فقط، لطبيعة مناخ المناطق التي تزرع وتنمو فيها بشكل جيد، حيث تحتاج في هذا المناخ إلى الرطوبة الجيدة والحرارة المعتدلة صيفاً وشتاءً».

إنتاج الكيوي

ويتابع السيد "إبراهيم": «كنت أنتقي من تلك الأشجار بعد التعرف على فوائدها ومواصفاتها وطرائق زراعتها ما هو جميل كمظهر أيضاً، حيث إن أغلب تلك الأشجار تتميز بخضارها الجيد وتنسيقها النباتي أيضاً، ومنها على سبيل المثال: الأفوكادو، والمنكا، والتوت الفرنسي، والتمر الملكي، والكاكاو، والكاريسا، والقشطة بأنواعها، والشيكو».

بما أن أسعار هذه الأشجار مرتفعة، فكان لا بد من السيد "إبراهيم" العناية الفائقة، وهنا قال: «في البداية وقبل اكتساب الخبرة في زراعة الأشجار الاستوائية المثمرة، وطرائق التعامل معها، كان لا بد لي من التعلم، فلجأت إلى كتاب متخصص بتلك الزراعات في منهاج المعهد الزراعي، حيث قرأت فيه عن إمكانية زراعة ثلاثة أنواع للزراعات في "سورية"، هي: الزراعات الشرق أوسطية، والزراعات شبه الاستوائية، والزراعات الاستوائية. وللتوضيح أكثر أنا بموقعي الجغرافي في قرية "حريصون" أقع ضمن منطقة الشرق الأوسط وساحل المتوسط، وهذا يعني أن أياً من تلك الزراعات تنجح هنا كحالة زراعية بشكل مؤكد.

كرم قاسم

فتعلمت طرائق وأساليب الزراعة بشكل جيد، إضافة إلى طرائق العناية المستمرة وتجاوز الأمراض التي قد تصيبها، إذاً، الثقافة الذاتية ما كان تنقصني، بعد توافر المواقع الزراعية وحب الزراعة والتعامل الجميل معها».

ويضيف: «على سبيل المثال زرعت الأناناس، وبقيت في حقلي سبع سنوات دون إثمار، علماً أنها لم تكن موجودة في كتاب المعهد، ولم يكن يوجد حينها إنترنت للبحث عنها ومعرفة طرائق زراعتها والتعامل معها، وكنت سعيداً بها وأقوم بريها بشكل مستمر، ولكن بعد فترة أدركت أنها لا تحب المياه كثيراً، ومواعيد ريها لم تكن سليمة؛ ما أدى إلى موتها، ومع هذا لم أحزن لأني حققت الترف الاجتماعي والجمالي منها».

محبة العمل بزراعة الأشجار الاستوائية تطلب منه التوفيق الشديد بين حياته المهنية والزراعية، وعنها قال: «عملي الوظيفي ضمن مدينة "بانياس" قريب من مكان إقامتي في القرية، وهذا سهل عليّ عمليات العناية بالنباتات، حيث كنت أقوم بمختلف عمليات الري والتسميد والتقليم وحتى المكافحة إن لزمت، بعد عودتي من العمل، وهذا شكل متعة حقيقية شغلت جميع أوقاتي، فلم أشعر بالفراغ يوماً أو بالكسل والترهل الذي يصيب الموظفين عادة، كما أن توافر المياه وصغر المساحة المزروعة المقدرة بحوالي الدونم الواحد ساعدني بدقة العناية والاهتمام بها».

الوفرة بالإنتاج الزراعي قدمت له أمرين مهمين؛ بحسب رأيه، قال عنهما: «الأول زادت من روابط المحبة بيني وبين محيطي من خلال عمليات تبادل الإنتاج الزراعي، فأنا أطعم محيطي مما أنتج ومحيطي يطعمني مما ينتج، أما الأمر الثاني، فهو تحسين المردود الاقتصادي من خلال عمليات التسويق وتصريف الإنتاج، ضمن أسواق متعطشة لهذه الإنتاج».

لم تخل الحياة الزراعية للسيد "إبراهيم" من المواقف الطريفة، ومنها بحسب قوله: «زرعت اثني عشر صنفاً من الأشجار الاستوائية، وأحد هذه الأصناف فرض عليّ موقفاً طريفاً لا يمكن نسيانه، ألا وهو أني زرعت شجرة توت فرنسي بقيت في حقلي ما يقارب عشر سنوات، وأثمرت مرات عدة بثمار وصل وزن الواحدة منها إلى حوالي نصف كيلوغرام، ولكن لم أتمكن يوماً من تذوقها، لأنها لم تنضج أبداً مهما طالت فترة بقائها على النبتة الأم، حتى إنني حاولت تخميرها، ولكن دون جدوى، وبعد فترة وبمصادفة غير محسوبة أدركت أنها لا تنضج لعدم توافر نبتتين من جنسين مختلفين "ذكر وأنثى"، وهنا كنت قد أزلت الشجرة من حقلي».

وفي لقاء مع الشاب "كرم قاسم" سنة خامسة هندسة زراعية، قال: «لقد اعتنى والدي بتربة حقله الحمراء جيداً، بعد أن أدرك أهمية أن تكون هذه التربة نفوذة، فعمد إلى تجهيز خلطة من الرمل والبحص وفرشها في حقله المقدر بحوالي الدونم، ومن ثم قام بحراثتها وقلبها رأساً على عقب لتخليطها بشكل جيد؛ ما أدى إلى إيجاد تربة جيدة ومناسبة للزراعات الاستوائية.

وأنا كطالب هندسة سنة خامسة اكتسبت منه الكثير من الخبرة الزراعية التي أفادتني بدراستي، ومنها النشاط والمواظبة على العمل، كما قدمت له الكثير من النصائح الخاصة بالأمراض وطرائق مكافحتها».

يشار إلى أن السيد "إبراهيم قاسم" من مواليد عام 1960.