قضى حياته بين أهل العلم ومصادره، وأتقن فن "المخترة" فصار قاضياً للصلح، وفي الطب العربي ذاع صيته في الساحل والداخل السوري وطرابلس، فصار طبيباً خاصاً للمجاهد الشيخ "صالح العلي".

مدونة وطن "eSyria" تابعت تاريخ الشيخ "كامل حرفوش" المتوفى سنة 1980 عن عمر ناهز 83 عاماً، حيث ولد عام 1899 كما جاء في بطاقته الشخصية، هو رجل وقور ذو هيبة، وكلمته مسموعة ومجابة لدى أهل منطقته، استطاع عبر متابعته للعلوم امتهان الطب العربي ممزوجاً بالطب الحديث، كما تولى في شبابه مهمة مختار قرية "ضهر مطر"، واستمر فيها لمدة 45 عاماً، أما القضاء فورثه عن أبيه وصار يحكم بما يحكم به قاضي الصلح اليوم، لكن بإلزام أخلاقي أدبي وليس قانونياً، بالتالي جعلته "المخترة" وجيهاً في منطقته، والقضاء أوصل سمعته إلى كثير من مناطق "طرطوس" ريفاً ومدينة، أما الطب العربي فكان سفيره إلى "حمص، دمشق، طرابلس، بيروت"، وجميع أرجاء جبال الساحل السوري، وقد بقي يمارس الطب لغاية 1973.

أصبت خلال فترة شبابي بوعكة صحية، وكنت أسافر خلالها إلى لبنان كثيراً، وخلال تنقلي تعرفت على الدكتور المرحوم "كامل حرفوش" الذي كان يسافر إلى لبنان كثيراً كما قال، وبعد تشخيصه لمرضي تعرف على نوع من قرحة المعدة، رحمه الله كانت لديه مقدرة فطرية على تحسس الأمراض، مقارنة بالأطباء الذين درسوا الطب في الجامعات في ذلك الوقت، وفعلاً لم يطل مرضي، بعد عدة جرعات بعضها من الصيدلية، وأخرى من تركيبه شخصياً

وبالعودة إلى عمله بالطب العربي فقد استمد الشيخ "كامل حرفوش" شهرته من مقدرته الفريدة على معاينة العديد من الأمراض عن طريق الإحساس - النبض، وهو ما أكسبه شهرة كبيرة، من قبيل معرفة جنس الجنين عن طريق النبض، ومعرفة بعض الأمراض، وتقييم حالة المريض ودرجة مرضه، كما ذاع صيته في علاج الكسور، حتى استطاع علاج أصعب الكسور في "الحوض والعمود الفقري"، وجاءت إليه الناس من مناطق بعيدة في قرى جبال الساحل، والعديد من الشخصيات المعروفة حينذاك مثل "شتيوي سيفو"......، وكطبيب شخصي للشيخ "صالح العلي".

"كامل حرفوش" خلال عمله في المستشفى الأميركي في بيروت

في لقاء مع حفيده السيد "آصف حرفوش" بتاريخ 1 تموز 2014، يقول: «ذهب "كامل حرفوش" إلى لبنان عام 1920 بعمر 20 عاماً للعمل كممرض بسبب اهتمامه بمهنة الطب وعمل في الجامعة الأميركية في بيروت كممرض لمدة 6 سنوات متواصلة، كما استمر بالسفر إلى بيروت وطرابلس للتواصل مع الأطباء وتأمين بعض الأدوية من هناك.

وهنا في قرية "ضهر مطر" اشتهر كطبيب يداوي بالأعشاب ولديه أدوات المعاينة الطبية، حيث بدأ علاج كثير من الأمراض المنتشرة في ذلك الوقت: "المعدة، نفخة البطن، الثعلبة، الباسور"، وأمراض الجلد عموماً وصنع لها بعض الأدوية الطبيعية مما توفره الطبيعة مستعيناً ببعض المركبات الطبية الصناعية، ما زاد في شهرته بسبب فعاليتها الكبيرة في العلاج».

الشيخ "محمد حرفوش"

يتابع السيد "آصف حرفوش": «كان جدي قاضياً للمنطقة احتكم إليه الكثيرون من الناس من جميع الملل والطوائف "الإسلامية والمسيحية" المتواجدة هنا، لكثرة احترام الناس له ولمنزلته وثقتهم به، عدا كونه ورث هذه المنزلة عن أبيه الشيخ "سليمان حرفوش" وجده الشيخ "حسن حرفوش" الذي ورثها بدوره عن أبيه الشيخ "أحمد حرفوش" الذي يعود وجوده إلى حوالي أربعة قرون خلت، والذين عملوا جميعاً في القضاء وفصل النزاعات بين الناس، وكان يقال: "لا حكم بعد حكم الشيخ كامل"، ويذكر أنه طوال فترة بقائه مختاراً لم يحتكم أحد للقضاء في أي خلاف نشب في القرية ومحيطها، ومازلنا حتى الآن نصادف أناساً على امتداد جبال الساحل يظهرون محبتهم لنا ويبالغون في إكرامنا حين يعلمون أننا أحفاده أو أقرباؤه».

وفي حديث آخر مع المعمر الشيخ "محمد حرفوش" ابن الشيخ "كامل حرفوش" الذي ورث عنه مهنة الطب يقول: «امتهن والدي أكثر المهن دقة وحساسية وفيها تقرب إلى الناس، وهي القضاء والطب الشعبي "العربي" إضافة "للمخترة"، وهذه إما أن ينجح فيها الإنسان ويكون بمستوى إنساني وفكري يوازي أهميتها في المجتمع، وإما أن يسقط مباشرة ويخسر سمعته بين الناس، وفعلاً استطاع "كامل حرفوش" الحفاظ على هذه المكانة الدينية والإنسانية التي ورثها عن والده وأجداده.

خلال اللقاء مع السيد "آصف حرفوش"

كنت ملازماً لوالدي الذي اشتهر منذ بداياته بمهنة الطب وصولاً إلى القضاء والتحكيم بين الناس، وبقيت معه حتى وفاته، وأخذت عنه مهنة الطب رغم أني لم أصل إلى ما وصل إليه من علم ومقدرة طبية باهرة، فهناك أمراض داخلية عديدة لم يعلمني أسرارها وطرق علاجها لدقتها وصعوبة معاينتها، فقد صنع العديد من المستحضرات الطبية العشبية منذ شبابه، وكانت هذه الأساليب حينها محصورة ببعض العارفين والقادرين على حيازتها، وقد وجهت إليه اتهامات كثيرة من قبل الأطباء الرسميين حينها بامتهان الطب الشعبي، إلا أنه استطاع بخبرته كسب ثقة الناس ومحبتهم، وفي "طرابلس" عمل مع الدكتور "عطية" في مستشفى داخل المدينة، كان يذهب إليه بشكل دوري، وإلى مدينة "حمص" كان يذهب بشكل دوري أسبوعي لنفس الغاية».

كما وصلنا عبر العائلة إلى السيدة المعمرة "خديجة سعود" من "طرطوس" التي عالجها يوماً الشيخ "كامل حرفوش" من ألم في المعدة، تقول عن ذلك: «أصبت خلال فترة شبابي بوعكة صحية، وكنت أسافر خلالها إلى لبنان كثيراً، وخلال تنقلي تعرفت على الدكتور المرحوم "كامل حرفوش" الذي كان يسافر إلى لبنان كثيراً كما قال، وبعد تشخيصه لمرضي تعرف على نوع من قرحة المعدة، رحمه الله كانت لديه مقدرة فطرية على تحسس الأمراض، مقارنة بالأطباء الذين درسوا الطب في الجامعات في ذلك الوقت، وفعلاً لم يطل مرضي، بعد عدة جرعات بعضها من الصيدلية، وأخرى من تركيبه شخصياً».

يذكر السيد "آصف حرفوش" أن جده -نقلاً عن لسان الجد- شارك في موقعة "وادي ورور" الشهيرة بين الثوار بقيادة الشيخ "صالح العلي" والمحتل الفرنسي، وأصيب برصاصة في كتفه بإحدى المعارك، كما ذكر أنه عندما نزل موكب الشيخ "صالح العلي" باتجاه المستشفى -لعارض صحي مفاجئ ألمّ به- توقف في قرية "ضهر مطر" وطلب من "كامل حرفوش" معاينته ليوصي الأخير بنقله سريعاً إلى المستشفى لاعتقاده أن الشيخ "العلي" قد أعطي سماً تسبب بموته بعد أيام كما تقول بعض الرويات.