يرى الحرفي "محمد" أن تحدي التقنيات والعدد الصناعية يخلق الإبداع في مشغولاته اليدوية من تحف فنية وصمديات، فملمس يديه عليها يمنحها الحياة.

مدونة وطن eSyria زارت بتاريخ 13/8/2013 الحرفي "محمد يحيى رجب" في مشغله بمدينة "بانياس" ليحدثنا عن بدايات عمله بحرفة صناعة التحف والصمديات وهنا قال: «البداية كانت من عملي في النجارة العربية، التي أحببتها نتيجة لعمل والدي بها حيث كنت أزوره كثيراً في مكان عمله وأتعامل مع ما يصنع وأقوم بتقليده وابتكار الكثير من قطع الأثاث بحرفية رائعة، وبعدها دخلت في مجال طلي "بخ" الموبيليا ووجدت فيها ابداعاً لا حدود له في التعامل مع الألوان على القطع الخشبية، طبعاً هذا لم ينفصل عن عمل النجارة العربية وكأن العملين مجال لفضاء واحد لمن يستطيع الإلمام بهما.

سأعمل على صناعة تحفة فنية تحمل اسم "سورية الأم" وتضم أبرز المعالم الأثرية والتاريخية في كل محافظة، وجمعها في لوحة فنية واحدة مصنوعة من الريزين

وهذا أدخلني في عالم الرسم بالألوان المتعددة الزيتية والبوشاتو، ولكن هنا اعتمد عملي على المشاهدات الحية وما تختزنه مخيلتي من هذه المشاهدات بالعين المجردة، وودت في هذه المرحلة لو أني وجدت من يوجهني أو يمنحني الخبرات الفنية للتعاملات الأساسية مع السطوح والألوان».

الحرفي "محمد" في معرضه

ويتابع الحرفي "محمد": «اعتمادي على التجريب الشخصي في كل ما يجول في ذهني وتجسيده الواقعي طوّر من مهاراتي وأدواتي في التعاملات الفنية الحرفية كافة، فأصبحت أنقش بالألوان كل المناظر الطبيعية أو الأفكار التي أجدها مناسبة للتسويق لأن هذه الحرفة أصبحت مصدر رزقي، خاصة أنني ابتعدت عن عملي في النجارة العربية، وبالتالي ابتعدت عن مصدر رزقي الأساسي، طبعاً هذا ادخلني في مجال السوق الحرفي الفني وتعدد أعماله، وبدأت أشاهد وأتعامل مع التحف الفنية والصمديات ولوحات الريزين، وبما أني أملك طبع التحدي وجدت في عمل هذه التحف تحدياً يجب الخوض فيه، وفعلاً خضت فيه بمراحل متقدمة جداً».

مراحل التحدي لكل جديد في عمل السيد "محمد" الحرفي، دفعته للغوص في خفايا المهنة، وهنا قال: «التساؤلات الكثيرة التي ظهرت لدي خلال التعامل مع التحف ومادة الريزين المكون الأساسي لها، أدخلتني في مجال الابداع الحقيقي لصناعة هذه التحف وخفايا هذه الحرفة اليدوية الرائعة، ولم أخجل من زيارة المشاغل والمعامل المختصة بهذا المجال، ولكن هذا الأمر كلفني الكثير من الأموال، لأني كنت وخلال عمليات التجريب أشتري القطع الفنية لمعرفة خفايا صناعتها.

السيد "عثمان" مع الحرفي "محمد"

والجانب المهم في العمل هو الابداع الذي كنت شغوفاً به، فالكثير من التحف ابتكرت أفكارها من مخيلتي، والبعض منها استحوذت عليه من كتب التاريخ كالنقوش الأثرية ومساقط القلاع والمباني الأثرية، إضافة إلى النقوش النقدية والأهرامات ومجسم أبو الهول مثلاً، حيث كنت أقوم بهذا العمل حفراً ونحتاً على قطع الجبس المصنعة يدوياً في مشغلي، لمنح النقوش حياة واقعية متكررة ودقة عالية».

يدخل في صناعة التحف الفنية والصمديات مواد نفطية يجب الحذر في التعامل معها، يوضح ذلك الحرفي "محمد" قائلاً: «من أهم المواد التي يمكن التعامل معها في مجال صناعة التحف الفنية، مادة "الريزين" وهي مادة نفطية ذات رائحة مخرشة للأنف، إضافة إلى منشفات نفطية أخرى ومواد كربونية وبودرات صناعية كيميائية ملونه، وجميعها مواد يجب الحذر الشديد خلال التعامل معها، ولكني بالنسبة لي لا استمتع بالعمل بها دون ملامستها، وخاصة منها مادة "الريزين" التي أقوم أحياناً بملامستها مباشرة خلال العمل لأعطيها شيئاً من ذاتي، فتنتج تحفة أرى فيها روحاً حية».

وعن أهم التحف الفنية المبتكرة التي قدمها الحرفي "محمد" يقول: «من أهم ما قدمته لوحة "الأحصنة العربية" التي صنعت لها مجسماً أو ما يعرف بالقالب الجبسي بعد أن صنعت لها قالباً سيليكونياً لنسخها لمن تعجبه، فهي أحصنة نافرة بشكل يظهر جسد الحصان بالكامل وفقاً للحركة التي يجب أن يكون عليها خلال مرحلة العدو بحرية في رحاب الطبيعة.

إضافة إلى مجسمات أخرى تظهر قوتها وأصالتها، وهي خاصة للزوايا المنزلية أو لتكون "لمبدير"، والمهم في هذه المجسمات طريقة العمل التي ابدعتها لتقوية الجسد بإضافة الألياف الزجاجية والأسياخ المعدنية، ما يمنح المجسم أيضاً خفة وزن ترغب بها ربة المنزل لتحريكه وتنظيفه بين الحين والآخر».

حرفة يدوية لم يدخل فيها السيد "محمد" العدد الصناعية والتقنية لغاية في نفسه، وهنا قال: «حرفة صناعة الصمديات حرفة الابداع، خاصة أن الحرفيين العاملين بها في بعض المحافظات أدخلوا عليها العدد الصناعية والتقنيات الالكترونية ومنها الكمبيوتر، للحصول على انتاج كبير، إلا أني مازلت أعمل بها يدوياً وفق بعض العدد التقليدية البسيطة جداً، ما يمنح القطعة روحاً وجمالية ودقة لا نراها في بقية التحف المنتجة بالمشاغل الكبيرة».

ويتابع في توضيح الجانب الابداعي فيقول: «في بعض الأحيان تعجبني تحفة فنية وأرى فيها بعض النواقص أو الإضافات التي من الممكن أن تزيد من بهجتها وقيمتها الفنية، فأعمل على نسخها وصناعة قالب سليكوني لها، ومن ثم صناعة قالبها الجبسي، وهذا طبعاً مكلف مادياً، وتبدأ بعدها موهبتي الفنية وحرفتي العملية في إدخال بعض التفاصيل الفنية لها، لتخرج التحفة بحلة جديدة مغايرة تماماً لشكلها الأساسي، وهنا يكون لي الحق في حفظها واستنساخ عدة أشكال منها ليتم تسويقها كمنتج فني حرفي خاص بي».

لحرفة صناعة التحف والصمديات كماليات فرضت صناعتها يدوياً ومحلياً الأوضاع العامة للبلد، وهنا قال: «لم أكتف بصناعة التحف الفنية بل تعديتها لصناعة الكماليات الخاصة بها من إطارات ونقوش وغيرها، وذلك لتخطي صعوبة استجرارها وأسعارها المرتفعة في ظل ارتفاع الأسعار، علماً أن استجرارها من الورش الخاصة بصناعتها هو أرخص مادياً من صناعتها يدوياً في مشغلي، وذلك لضخامة العمل بها والتخصص فيها».

أما عن مشروعه وحلمه المستقبلي فقال: «سأعمل على صناعة تحفة فنية تحمل اسم "سورية الأم" وتضم أبرز المعالم الأثرية والتاريخية في كل محافظة، وجمعها في لوحة فنية واحدة مصنوعة من الريزين».

وفي لقاء مع السيد "عثمان عثمان" أحد زبائن الحرفي "محمد" قال: «من خلال علاقتي القديمة مع السيد "محمد" ومتابعة كل جديد لديه أرى فيه حرفياً مبدعاً يمتلك ذوقاً فنياً رفيعاً، فيضفي روحه الفنية على كل قطعة ينجزها، فلا يمكن أن ترى قطعة مشابهة ومطابقة لقطعة أخرى، ففي كل زيارة لمشغلة ومركز بيعه يجب على المتسوق أن يقتني قطعة ما، لجودتها وحرفية تعامله مع تفاصيلها، والأهم من هذا أن تحفه المصنعة يدوياً مكفولة لديه».

يشار إلى أن الحرفي "محمد رجب" من مواليد قرية "العنينيزة" في مدينة "بانياس" عام 1968.