سنوات اغتراب طويلة قضاها السيد "حسن" في "فنزويلا"، فكانت تجربةً مميزة حيث ترك رفاقه صغيراً من قريته "بيت السلطان" وانطلق ليؤسس مستقبلاً جديداً في بلد غريب.

مدونة وطن eSyria التقت المغترب "حسن أبو رحال" في قريته بتاريخ 10/9/2012 فقال: «في سبعينيات القرن الماضي عندما كان عمري حوالي أربعة عشر عاماً قررت ترك ألعابي وطفولتي لمساعدة والدي بعمله في "فنزويلا" غير مدركٍ للتحديات والصعوبات التي تنتظرني هناك، ومن المفارقات الطريفة أنه عند وصولي إلى "فنزويلا" سأل بعض الأصدقاء والدي ما يمكن لفتى صغير أن يساعد في العمل بعيداً عن حضن والدته، فقال لهم هو مع صغر سنه رجل استطاع اقناعنا بفكرة عمله، وهذا كان دافعاً بالنسبة لي لتحدي كل الصعوبات لإثبات ثقة والدي بي».

لم تكن بدايات الاغتراب سهلة المنال لكثرة الصعوبات التي ظهرت أمامي وأهمها مشكلة إتقان اللغة فقررت دراستها بمختلف أجناسها- الفصحى والعامية- وقمت بالتسجيل في معهد خاص للغات على مدار حوالي السنة، حيث كنت أتابع الدروس بعد الانتهاء من العمل، وهذا ما كنت لأفعله لو كنت في مجتمعي الأسري

ويتابع: «لم تكن بدايات الاغتراب سهلة المنال لكثرة الصعوبات التي ظهرت أمامي وأهمها مشكلة إتقان اللغة فقررت دراستها بمختلف أجناسها- الفصحى والعامية- وقمت بالتسجيل في معهد خاص للغات على مدار حوالي السنة، حيث كنت أتابع الدروس بعد الانتهاء من العمل، وهذا ما كنت لأفعله لو كنت في مجتمعي الأسري».

المختار "علي يوسف"

تحديات العمل وتطويره كانت من أهم ما أرق فكر السيد "حسن" حين استقل في أدائه، ويوضح هذا بقوله: «قبل بدء عملي بشكل مستقل كنت أفكر كيف يمكن تطويره وما أهم مقومات السلعة الناجحة التي يمكن العمل بها، فوجدت أن تجارة الألبسة والأحذية، وهما السلعتان اللتان لا غنى عنهما أبداً في مختلف الظروف، لذلك أسست العمل مع أهم التجار وكنت موفقاً خاصة على الصعيد المادي وتعاملاته، وما زادني ثقة بعملي ما تلقيته من دعم واحترام من التجار هناك حين كنت أحصل وبشكل مميز على البضائع دون دفعات أولية، ولم أخجل من تسويق تجارتي بالتجول على المنازل في المنطقة التي أقيم بها، وعرض أسعاري على الأهالي وتشجيعهم بالدفعات المريحة، ما جعل صدى تسويق منتجاتي جيداً بالنسبة لهم».

وأضاف: «بعد تعلمي للغة قررت تقوية مخزوني الفكري والتعرف على ثقافة هذا البلد وسكانه، وبدأت بشراء الكتب والقصص الأسطورية المرتبطة بفنزويلا وخاصة بجزيرة "مارغريتا" التي أقيم عليها، ومنها قصة "كالي مان" الرجل الأسطورة الذي حقق أمنياته بالارادة والتصميم فأطلقت اسم "كالي مان" على منشأتي ومحلاتي هناك، وبعدها انتقلت للعمل بالمواد الغذائية العنصر الأهم في حياة المواطنين. ومن أهم الأحداث التي كان لها صدى كبير على المجتمع الفنزويلي وعايشتها هناك "الجمعة السوداء" عام /1984/ عندما انهارت العملة الفنزويلية وهي "البوليفار"، ما أثر على تحويل الأموال وأحوال العباد بشكل عام، حيث كان سعر صرف الدولار الواحد حوالي أربعة بوليفارات وثلاثين قرشاً فقط، في حين أنه يساوي الآن ثمانية آلاف».

المغترب "حسن أبو رحال"

ثم قال: «كنت أعلم أن التعامل مع الناس في الغربة لا يكون دون مصلحة للطرف الآخر، ما دفعني لكسب صداقة الجميع وخاصة التجار الذين أتعامل معهم، فكنت أدفع المبالغ المستحقة عليّ قبل موعدها دائماً وهذا أعطاني مصداقية عالية في التعامل مع تجارتي على مستوى جزيرة "مارغريتا" التي أسكنها، وأكسبني حب جميع الناس هناك، وتبلورت هذه الثقة بي عندما أردت امتلاك المحال التجارية التي كنت بدأت العمل بها بموجب عقود إيجار، حيث قدم لي مالكها عرضَ شراءٍ بسعرٍ معقول جداً لأنني "سوري"، فهو (كما قال) قد سمع عن السوريين وأعمالهم وتجارتهم كثيراً لذلك فقد قبل أن أقوم بدفع المبالغ المستحقة على دفعات ميسرة، وهذا ما لم نعهده من قبل في مجال شراء العقارات».

وعن أهم ما يراه قد تميز في رحلة اغترابه يقول: «ساهمت في فترة من الفترات بحركة تجارية مهمة بين "سورية" و"فنزويلا" فاعتمدت على تصدير المنتجات الزراعية والزيت بكميات تتناسب وقدراتي المادية، خاصة بعد إنشائي مركز بيع ضخم ضمن بناء طابقي متعدد الطبقات اشتهر في جميع أرجاء الجزيرة، ولكن هذه التجارة لم تستمر طويلاً بسبب صعوبات التصدير، إضافة إلى أنني حاولت نقل العمالة السورية إلى هناك ووفقت في بعضها».

حياة الاغتراب لم تكن حياة عمل فقط بالنسبة للسيد "حسن" وقد قال في ذلك: «سكان جزيرة "مارغريتا" سكان طيبون اجتماعيون متعلمون ومثقفون، وهذا ما انعكس على حياتنا الاجتماعية معهم، حيث كنا منتسبين سوياً لنوادِ اجتماعية متعددة بهدف توسيع دائرة العلاقات مع بعضنا بعضا وإنشاء ثقافات مشتركة، ومن هذه النوادي "النادي السوري الفنزويلي". وقد توطدت علاقاتي الاجتماعية هناك مازادني تعلقاً بالوطن لذلك حين عدت في أحد المرات إلى زيارة قريتي قررت الزواج من ابنة مجتمعي الشرقي لبناء أسرة تشبه أسرتي وما تربيت عليه، لذلك كانت حياتي مع زوجتي وأبنائي فيما بعد الأساس الذي سار عليه جميع أولادي حين قرروا هم أيضا الارتباط بزوجة عربية سورية من ذات المجتمع القروي، وهذا أعتبره اهم انجاز في حياتي مع عائلتي».

وفي لقاء مع المختار "علي حسن يوسف" مختار قرية "القطلب" المجاورة لقرية "بيت السلطان" والصديق المقرب من السيد "حسن أبو رحال"، فحدثنا عنه بالقول: «بحكم اغترابي خمسة وعشرين عاماً تقريباً تعرفت على السيد "حسن" في بداية اغترابه، ورأيت فيه الإنسان المصمم على تحقيق شيء لذاته ومجتمعه، فكان يعمل بلا كلل أو ملل، ومن ثم يذهب إلى معهد اللغة، إضافة إلى أنه تمكن من فهم حركة السوق ومواكبتها والدخول في الحركة التجارية بمجالاتها المتعددة، وهذا ما مكنه من تطوير أعماله التجارية وتوسيعها للمواد الغذائية أيضاً، ليعود إلى وطنه ويبدأ باستثمار أمواله فيه بالطرق التي يراها مفيدة».

يشار إلى أن السيد "حسن أبو رحال" من مواليد قرية "بيت السلطان" عام /1953/.