سافر إلى "فنزويلا" بعمر أربعة عشرعاماً، وعمل بأكثر من مهنة تاركاً لهواياته حيزاً كبيراً من وقته، إلا أن حب الوطن أعاده بعد اغتراب دام ستة وثلاثين عاماً.

السيد "فائز المعصرة" من مواليد قرية "بيت السلطان" عام "1961"، نشأ في قريته الريفية الصغيرة المجاورة لمدينة "طرطوس" والتي عاد إليها اليوم بأشواق المغترب وحنينه، يقول في حديث لموقع "eSyria" بتاريخ 25/3/2012: «قبل مغادرتي للبلاد كانت "بيت السلطان" عبارة عن تجمع لعشرين منزلا، يعود معظمهم لأربعة عائلات كانت تشكل أساس القرية، وكانت القرية بسيطة بحياتها وأهلها وأساليب عيشها، حيث زراعة الخضار والبقوليات اللازمة للمعيشة عدا تربية المواشي لتلبية حاجات الأسرة، وتلك كانت سمة عامة في ذلك الزمن».

في أوائل القرن العشرين، شاع الاغتراب لدينا إلى أن جاوز عدد المغتربين نصف سكان القرية، وكان جداي لأبي وأمي قد سافرا عام 1940 إلى أمريكا الجنوبية

يضيف: «في أوائل القرن العشرين، شاع الاغتراب لدينا إلى أن جاوز عدد المغتربين نصف سكان القرية، وكان جداي لأبي وأمي قد سافرا عام 1940 إلى أمريكا الجنوبية».

السيد "فائز" برفقة ولده "علي"

كان سفر والد السيد "فائز" إلى "فنزويلا" سببا في تفكيره بالسفر إلى هناك، حيث طرح والده الفكرة وكان وقتها بعمر أربعة عشر عاما، ويقول في ذلك: «خيرني والدي بالسفر معه فكانت تلك فرصة لتحقيق طموحات أي شاب في مراحل حياته الأولى، فسافرت وبقيت هناك سنتين وعدت بعدها إلى "سورية" وتزوجت، ثم سافرت مرة أخرى برفقة زوجتي، وهناك بدأت حياة جديدة استمرت ستة وثلاثين عاماً تعرفت خلالها على الكثير من الناس هناك، وعشت كأبناء تلك البلاد في أفراحهم وأحزانهم».

كأي مغترب عربي في "فنزويلا" عمل السيد "فائز" بالأعمال الحرة إلى أن استقر على مهنة محددة، ويقول في ذلك: «عملت منذ وصولي للعاصمة "كاراكاس" ببيع الأحذية كما تنقلت بين عدة أعمال أخرى منها بيع الثياب بالاشتراك مع أصدقاء لي، عدا عملي بتصليح القطع الالكترونية والتي مارستها بالدرجة الأولى كهواية، بعد فترة من العمل عدت إلى بيع الأحذية وبقيت في هذه المهنة».

مشاركة الصدقاء في "فانزويلا" باحتفالاتهم

سعى السيد "فائز المعصرة" كمغترب إلى الاهتمام بجوانب حياته الأخرى وأهمها الرياضة التي قال عنها: «أحببت الرياضة بجميع أشكالها مذ كنت صغيرا، وفي بلاد الاغتراب لم أسمح لنفسي بالانقطاع عن هواياتي المفضلة، التي تركت لأجلها التدخين، فشاركت بمسابقات في رياضة الركض، وانتسبت إلى ناد لتدريب "الكاراتيه" عام 1980، حيث وصلت إلى مراحل متقدمة في هذه الرياضة على يد مدربي "الياباني"، إلى أن أصبحت مدربا "للكاراتيه" في المدارس "الفنزويلية" التي كانت تعتبر الرياضة ركنا أساسيا وهاما في التربية المدرسية».

في الجانب الآخر من حياته الأسرية أعطى السيد "فائز" حيزا كبيرا لأولاده ومنزله حيث كان يعيش برفقة أصدقائه العرب في منازل وأحياء متجاورة قضى فيها سنين طويلة من حياته وشارك "الفانزويليين" باحتفالاتهم وأقام معهم صداقات حقيقية، وخلال هذه الفترة كان قد أصبح أب لبنتين وولد هو الشاب "علي المعصرة" الذي حدثنا بالقول: «كان لوالدي فضل كبير على أولاده سواء في التعليم أو العمل الذي شاركته فيه، وفي أكثر من هذا كان فضله كبيرا في طريقة بناء أسرته التي كانت سببا في عودتنا إلى "سورية" رغم أنني وإخوتي لم نعرفها أبدا، فوالدي كان محبا لبلده بشكل كبير وهو اليوم عاد إليها رغم أنه قضى معظم عمره في بلاد الاغتراب، وحقق هناك الكثير من طموحاته».

السيد "فائز المعصرة" يسار الصورة وقوفا

يتابع: «بالنسبة لي فقد ولدت في مدينة "بوليفر" في "فانزويليا" وأتيت إلى "سورية" مرة واحد بقيت فيها ثلاثة أشهر، أحسست خلالها بقوة الانتماء إلى هذه البلاد وكأني ولدت فيها، ومن هنا كان قرار العودة برفقة أهلي وإخوتي محسوما لأن الشعور بالأمان أهم جانب في حياة الإنسان وهو ما لم أحسه في "فنزويلا" رغم أني من أحد أبناء تلك البلاد، واليوم ومنذ عودتنا أحاول مع والدي التأسيس لمعمل تجاري مناسب في قرية "لبيت السلطان"».

اختلفت مدينة "طرطوس" عن ثلاثة عقود مضت اختلافاً كبيراً يتحدث عنه السيد "فائز المعصرة": «عدت إلى مدينة "طرطوس" لأجدها تغيرت بالكامل في بيوتها وشوارعها وكل شيء لكنها بقيت المدينة الجميلة التي أحببتها والتي عدت إليها اليوم لأكمل بقية عمري».