تدريجياً، أخذت السياحة البيئية في "سورية" تنشط وتتوسع بفعل الفرق والمبادرات الاستكشافية العديدة التي تجتذب أشخاصاً من مختلف الفئات العمرية، وتسعى إلى التعريف بالأماكن والمقومات البيئية وأهمية المحافظة على الموارد الطبيعية وتعزيز الوعي البيئي.

لأن السياحة البيئية تتطلب مهارات وأخلاقيات خاصة لذلك نجدها تنشط ضمن الفِرَق الجماعية، ومنها فريق "رحلة ودرب" الذي بدأ أنشطته في العام 2019 ومع حلول العام 2020 حصل على ترخيص من الاتحاد العربي للرياضة للجميع، وأخذت أنشطته تتوسع أكثر لتشملَ المشي والمسير في الطبيعة والتخييم والتسلّق والدراجات الهوائية الجبلية والغوص، وقد حاول الفريق من خلال أنشطته الترويجَ لرياضات موجودة في العالم وتنال اهتماماً واسعاً منها المسير في الطبيعة (الهايكنج)، إلّا أنها في "سورية" حتى الآن لم تلقَ الانتشار الواسع.

على الرغم من وجود الدّعم الإداري الجيد، إلّا أننا نفتقر بشدّة إلى الدعم اللوجستي، من حيث توفير المعدات التي تلزمنا من حبال وخيام وقوارب وأدوات خاصة بالغطس، وتسهيل حصولنا عليها خاصةً تلك التي تحتاج إلى استيراد من الخارج

ويشمل هذا النوع من الأنشطة أهدافاً منها توعية المواطنين بأهمية الموارد الطبيعية، وتعزيز حس المسؤولية والوعي البيئي، وتعزيز سبل مكافحة التخريب، والبحث عن آليات الحفاظ على المواقع الطبيعية، وتفعيل المشاركة المجتمعية في هذا المجال، لذلك كان لا بدّ من الاتفاق على عدد من المبادئ التي سيتم العمل بها من قِبل المشاركين في الرحلات والأنشطة المرافقة لها، تحدّث عنها "وسام علي" مؤسس الفريق لمدوّنة وطن: «كفريق سنعمل على احترام الطبيعة، ونحافظ على البيئة من الملوثات، ولأن المشاركين من مختلف الأعمار وشرائح المجتمع، نطلب منهم بكل مودّة ومحبّة عدم التحدّث بموضوعات ذات طابع سياسي أو ديني، أيضاً نطلب منهم حُسنَ التعامل مع النباتات والحيوانات، واحترام سكان المناطق التي نقصدها، الأمر الذي انعكس إيجاباً من ناحية توطيد العلاقات الاجتماعية بين أعضاء الفريق الرئيسيين والمشاركين في الرحلة، وبين المشاركين أنفسهم، وقد قامت بينهم صداقات حقيقية، أيضاً من خلال عملنا كمرشدين بيئيين وجبليين، ساهمنا بتنمية ثقافتهم ووعيهم البيئي، وكيفية الاستمتاع بالطبيعة دون الإضرار بها».

التسلّق نشاط رياضي

وإلى جانب الرحلات والأنشطة الرياضية المرافقة لها، قدّم الفريق مبادراتٍ بيئيةً شملت أربع حملات تشجير بالتعاون مع مديرية أحراج "اللاذقية"، أيضاً ساهم بالمساعدة خلال فترة الحرائق التي طالت غابات الساحل السوري نهاية صيف العام الماضي، وبالحملات لإعادة تشجيرها، وفي السياق نفسه أقام عدة أنشطة خاصة بالأطفال، منها تعليمهم كيفية التعامل والتعايش مع الطبيعة، وتعريفهم بالغابات، وكيفية إشعال النار وإطفائها بطرق سليمة أثناء الرحلات، أما آخر أنشطته فقد كانت حملة تشجير خاصة بالأطفال، حيث قام كل طفل بكتابة اسمه على كل شجرة غرسها.

"عشاق سورية" فريقٌ آخرٌ يركز على العلاقات الاجتماعية بين المشاركين، وعلى الجوانب الثقافية في مختلف أنشطته التي تأخذ البيئة الجبلية حيّزاً كبيراً منها، إلى جانب أنشطةٍ أخرى كالتخييم والمسير، والأنشطة الشتوية الثلجية، ونشاط أطلقوا عليه تسمية "مالديف سورية" من خلاله يتعرف المشاركون على مناطق التشكيلات الصخرية، وهناك أيضاً رحلات البادية السورية وزيارات الأوابد الأثرية، ولكل من هذه الأنشطة قواعدها التي أشار إليها "نبراس علي" مؤسس الفريق في قوله: «نطلب من المشاركين التحلّي بالكثير من الطاقة الإيجابية، والقدرة على بناء العلاقة الطيبة بين الجميع، والالتزام بقواعد الحفاظ على البيئة، وعدم إشعال الحرائق إلّا ضمن طوق آمن، والتمتّع بالكثير من اللطف واللباقة مع سكان المنطقة التي نقصدها ومع زوارها أيضاً، هذا إلى جانب الالتزام بقواعد تتعلق بطبيعة تضاريس المنطقة التي نقصدها وارتداء الملابس التي تناسب مناخها».

جانب من رحلة تخييم

ويرى "نبراس" أن هذه الفِرق تساهم بتأسيس سياحة بيئية، وهي تعمل بشغفٍ لتوثيق -بكل مصداقية- كل ما تمتلكه "سورية" من مقومات طبيعية، وبحسب رأيه فإنّ ما ينقص هو الدعم والمتابعة وفي هذا الخصوص يقول: «على الرغم من وجود الدّعم الإداري الجيد، إلّا أننا نفتقر بشدّة إلى الدعم اللوجستي، من حيث توفير المعدات التي تلزمنا من حبال وخيام وقوارب وأدوات خاصة بالغطس، وتسهيل حصولنا عليها خاصةً تلك التي تحتاج إلى استيراد من الخارج».

"أماني دياب" التي رافقت كلا الفريقين في العديد من الرحلات، في "تدمر" و"صيدنايا" و"معلولا" وقلعة "صلاح الدين" و"قصر العظم"، وزارت الكثير من المعالم الأثرية والغابات والمناطق الطبيعية منها "البدروسية" و"كسب" و"طرطوس" و"القدموس" ومغارة "الضوايات" وغيرها، تقول أنه بفضل هذه الفرق والمبادرات تعرّفَتْ على أماكن جديدة، وخاضت تجارب رياضية ممتعة، منها المسير وركوب الخيل والتسلق على الحبل والإنزال على الشلالات والتخييم، وترى أن هذه المجموعات من خلال تنوع أنشطتها تساهم في قيام سياحة بيئية من خلال اصطحاب المشاركين لأماكن طبيعية غنية بمقوماتها، وتقديم معلومات شاملة عنها ما يساهم بتثقيفهم بيئياً، وتؤكد على ضرورة تقديم كل التسهيلات لتطوير عملهم ودعمهم من كافة الجوانب.

أما الإعلامية "نعمى علي" من خلال برنامجها فوق الأرض تحت السما والذي قدّم 127 حلقة على مدار ثلاث سنوات، تعرفت من خلاله على الكثير من المغامرين والكشافين والباحثين البيئيين، وحتى الشباب الذين خرجوا بهدف التصوير فقط، تقول: «نعم نمتلك في "سورية" سياحةً بيئيةً، وبيئتنا جميلة جداً ومتنوعة، وهي سهلة وليست خطيرة، والفرق الشابة والكشافة والمغامرون رغم قلّتهم إلا أنهم يشكّلون تحرّكاً هاماً في إطار السياحة البيئية، أتمنى فعلاً أن يزداد عددهم بتناسب طردي مع ازدياد الشباب روّاد المقاهي».

وتضيف: «أي عمل نظيف يمكن أن يردف الاقتصاد الوطني، فما بالك بالعمل البيئي الذي يشمل التشجير وتنظيف الغابات وفتح الطرقات الزراعية ولو كانت ضيقة، أو كما تسمى بلغة أهل الريف (الشرّيك) لكنه حكماً سيفي بالغرض، نحن ما نزال على الدرجة الأولى من سلّم الصعود إلى سياحة بيئية مقارنةً بما يحصل في العالم، وبرأيي إن الترويج الإعلامي لقيام سياحة بيئية يكون بتسليط الضوء على أي مبادرة أو رياضة بيئية، لكن هذه المبادرات ما تزال قليلة جداً بل ونادرة، وبالتالي المشكلة ليست بالمروّج بل بالمروّج له، لكن مرافقتنا كوسائل إعلام لهذه الفِرق لا بدّ أنها ستحقق المنفعة للطرفين».

في النتيجة هذه الفِرق وما تقدمه من مبادرات، أو حتى المبادرات الفردية، أو بعض الاستثمارات الحكومية، جميعها ستبقى جهوداً مشتتةً إن لم يتم التخطيط لها بشكل مدروس بدقة بهدف صناعة سياحة بيئية، لأن هذه السياحة جزء لا يتجزأ من الاقتصاد الأخضر الذي يحقق تنميةً مستدامةً مع بيئة نظيفة بالكامل، إلى جانب ضرورة الترويج لها إعلامياً، وصولاً إلى تسجيل بعض المواقع على لائحة التراث الطبيعي العالمي وتحقيق زيادة في العائدات على مستوى الدخل الوطني.

يذكر أنّ اللقاءات أجريت بتاريخ 26 نيسان 2021.