يعد الحديث عن القيم والمثل العليا حاجة ثقافية ملحة، لأن الواقع المتغير يتجدد معه كل شيء، خاصة أن صراع البقاء المجتمعي لأجيال تؤسس للمستقبل الصحيح والقويم يؤرق الجميع.

فتكاد تكون كينونة الثقافة المجتمعية المثلى المنشودة بقيمها ومثلها العليا، تتهاوى مع تهاوي ما ليس أساساً في البناء المجتمعي، والصيدلانية الشاعرة "لما حسن" وخلال حديثها لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 11 كانون الأول 2014، تؤكد أهمية صحة وسلامة ما نعتقده بذواتنا ثقافة مثل وقيم لاستمرار وجود الإنسان، وهنا تقول: «لطالما وُجد صراع بين الإنسان وبين ذاته، أو بينه وبين أخيه الإنسان لفرض الوجود، هذا الفرض يأخذ أحياناً أشكالاً شاذة إنسانياً، لكنها متكررة تاريخياً كالحرب، والظلم، والاستعباد، وهنا لا بد للإنسان من أن يبحث عن إدراك قيمة الوجود وهدفه، فيما بين صراع وصراع، سواء أكان جوهرياً أم تافهاً، ويحتاج الإنسان للحظات نقاء يعود فيها إلى المادة الأولية لإنسانيته، هنا تبرز قيمة القيم والمثل العليا، كحالة عُلويّة تنتشل الإنسان من مستنقع ماديته ومن بشاعة واقعه إن كان بشعاً، وتهبه إلهاماً وحافزاً لينجز في واقع قاس أو في واقع مريح أو رتيب، وبذلك يتخطى خوفه الأزلي من الفناء، ويصبح وجوده هبةً يردها للحياة، تستمر باستمرارها لو غاب الجسد».

هنا ندخل إلى المعتقدات، وهي أشياء قد تكون صحيحة وقد تكون غير صحيحة، وهي تشكلت نتيجة ظروف معينة وبشر معينين، وتوارثتها العائلات والأسر والمجتمعات المتشكلة منها، وهي التي يجب إعادة النظر فيها، ومراقبة ما يناسب مجتمعنا للبقاء عليها، أما المعتقدات السلبية التي تقيدنا وتحد من حركتنا وتفكيرنا الصحيح فيجب الابتعاد عنها

أما المحامي الأديب "علم الدين عبد اللطيف" من مدينة "طرطوس"، فقد أكد بدايةً أن في زمنٍ تصاعد فيه الحديث حول نهاية التاريخ، وسقوط الأيديولوجيا، وسقوط الحداثة، يثور سؤال المُثُل والقيم؟!! متابعاً: «المُثُل كلمة، هي جمع مثال، والقيم كذلك جمع قيمة، ولم يخلُ زمانٌ أو مكان من منظومات القيم والمثل ولو اختلفت في الزمان والمكان، تبعاً لحالة المجتمع وثقافته، أو مع التحولات الزمنية.

الصيدلانية الشاعرة لما حسن

والمثل والقيم يمكن أن تصنّف في مستويين؛ المستوى الشخصي وهو ما يتعلق بمجموعة الاعتبارات الإنسانية والوجدانية اللصيقة بالفرد وشخصيته، وتكاد تكون متماثلة أو متقاربة في كل الأزمنة والأمكنة، وتتعلق بسلوك الشخص واستقامته وصدقه ونبله وامتناعه عن إتيان ما يضر بالناس أو المجتمع، وأداء الواجبات كما يتطلبها النظام العام أو الأعراف المجتمعية.

والمستوى الثاني هو المستوى العام للمثل والقيم، وهو ما يجب التركيز عليه والبحث فيه».

المحامي الأديب علم الدين عبد اللطيف

ويتابع السيد "علم": «مُثُل أي مجتمع وقِيمه تمثل حاصل الثقافة والحضارة التي بلغها المجتمع عبر تطوره، وطبيعي أن تكون نتاج عملية تاريخية، وتحولات أنتجتها تراكمات التجارب والقناعات، إضافة لعامل الفكر العام الديني أو السياسي أو الاجتماعي أو المعرفي، كأن يكون المثال المعتبر كبوصلة في مجتمع، يتجه نحو التقدم إلى الأمام، والعمل في إطار مشروع وطني أو مجتمعي هو المسألة الوطنية، احترام أنظمة الوطن وقوانينه والالتزام بالواجبات الوطنية قانوناً، وأن يكون التوجه العام في المجتمع كخطاب إعلامي وثقافي يتمثل في العمل على دخول المستقبل بعقلية العصر الذي نعيش فيه، وليس بعقلية الماضي، وهي ثقافة الغد وليست ثقافة الأمس، والتفكير بالأولاد والأحفاد بدلاً من التفكير بالآباء والأجداد، وأن يكون رائد المبادرات هو المصلحة العامة.

ومن ثم يكون الخطاب الأيديولوجي في الدولة والمجتمع هو خطاب ينسجم مع روح العصر ومع ثقافته، وأن يكون الفكر هو الذي ينتج أنماط السلوك والفكر، بما هو انعكاس لإعمال العقل والعقلنة، عقلنة الثقافة والفنون والآداب وجملة النشاطات الإنسانية.

الدكتورة سوسن حكيم

ومن هنا يبرز دور إعلاء شأن المثل والقيم، وإعادة الاعتبار للفكر والثقافة في زمن تبدو لغة المصالح هي السائدة، وهي تفارق أحياناً كثيرة لغة الفكر والثقافة، وتتقدم عليها في فترات زمنية مختلفة ومتعددة، إلا أن ثقافة الفكر وفكر الثقافة تبقى ضمانة وجود الإنسان الذي يهمه أن يتابع مسيرته التي بدأها في سبيل تقدم الإنسانية وتطورها».

أما المهندس الأديب "شاهر نصر" من مدينة "طرطوس"، فتحدث عن أهمية القيم والمثل العليا في المجتمع بعجالة، فقال: «أهمية المثل والقيم العليا كأهمية الأوكسجين في الحياة، وإن لم يكن بعضهم قد اكتشفوا أهميتها بعد، لقد اكتشف الأوكسجين في القرن الثامن عشر على ما أظن، فهل كان الناس يعيشون بلا أوكسجين قبل اكتشافه، أما بالنسبة للقدوة فهي أهم المشكلات التي يعاني مجتمعنا من فقدانها نتيجة هيمنة الفكر الواحد والرأي المقدس الأوحد، الذي قد لا يكون قدوة بل يفرض بالقوة، بما في ذلك بقوة القسر الاقتصادي، ويجب التذكير بهذه الأهمية دائماً على الرغم من أن مدحلة الفساد تعمل باستمرار وبقوة لتطمس كل الجهود الموجهة في هذا الاتجاه».

المدرس والكابتن الرياضي "علي سليمان" من مدينة "الشيخ بدر" قال: «أشكر ربي أن ما يمر علينا في وقتنا الحالي من ضغوط وصعوبات غيرت في مفاهيم وقيم الحياة والمجتمع، لم يمر عليّ في عمر من حياتي قبل هذا العمر، وإلا لكنت تخبطت فيما هو صحيح وغير صحيح، وقيمي وغير قيمي، كما بعض المعارف أو حتى الطلاب في المرحلة الثانوية والإعدادية، والذين أدركهم تماماً في حياتي اليومية، خاصة أن ما نعيشه حالياً هو ظرف استثنائي ومراحله استثنائية، لذلك ما ينتج عنه سيكون استثنائياً.

وهنا أؤكد أن للبيئة الثقافية والاجتماعية التي ننشأ فيها دوراً كبيراً في المحافظة على قيم الحق والصدق، ولو لم تكن قيماً لا يمكن العبث فيها بالنسبة لي لما تمكنت من جمع أعضاء فريق رياضي ضمن نادٍ واحد».

وفي لقاء مع الدكتورة "سوسن عبد الرحمن حكيم" عضو الهيئة التعليمية في جامعة "تشرين"، ومدربة لعلوم التنمية البشرية والتطوير الشخصي، قالت: «لقد وضعت القيم والمثل العليا أمامنا نحن كأشخاص وأفراد أو مجتمعات مجموعة من القواعد اعتبروها قيماً ومثلاً عليا، دون أن ندرك كيف دخلت وكيف أصبحت قيماً ومثلاً عليا، وهنا يجب التمييز بين أمرين مهمين، هما المبادئ والقيم، وأغلبنا يخلط فيما بينها، فالمبادئ هي الأشياء التي لا يمكن الاختلاف عليها أبداً في أي مجتمع كان، ومنها الحق والخير والعدالة والمحبة، وهي في أي مجتمع مبادئ عليا.

أما القيم فهي أشياء تختلف بين مجتمع وآخر، فقيمنا نحن في هذا المجتمع تختلف عن قيم الغرب وتختلف عن قيم بعض المجتمعات العربية حتى، أي إنها تختلف من مجتمع لآخر بحسب طبيعة المجتمع، أما المبادئ فلا يمكن أن يختلف عليها اثنان من أي مجتمع كان».

وفي توضيح إن كانت القيم والمثل العليا طقوساً متوارثة، قالت: «هنا ندخل إلى المعتقدات، وهي أشياء قد تكون صحيحة وقد تكون غير صحيحة، وهي تشكلت نتيجة ظروف معينة وبشر معينين، وتوارثتها العائلات والأسر والمجتمعات المتشكلة منها، وهي التي يجب إعادة النظر فيها، ومراقبة ما يناسب مجتمعنا للبقاء عليها، أما المعتقدات السلبية التي تقيدنا وتحد من حركتنا وتفكيرنا الصحيح فيجب الابتعاد عنها».