تعد التجربة الأدبية الجديدة لأدب الفرح المعتمدة على أدب الإنسانية بما فيه من حيوية وحركة وموسيقا وصور مترفة، تجربة لها إشكاليتها المنبثقة من عدم الانتشار والوضوح.

فالمجموعة الشعرية "تهاليل للإنسان الجديد"، كانت موضع اهتمام وبحث كنموذج لأدب الفرح من قبل العديد من الشعراء والنقاد، ومنهم الشاعرة "نعمى سليمان"، حيث قالت: «في مجموعة "تهاليل للإنسان الجديد" للشاعر "محمد حيان الأخرس" الصادرة عن "دار أرواد" عام 2013، جاء العنوان توأماً مع الغلاف في ألوانه وصوره، وربما يتساءل المرء؛ هل هناك إنسان جديد لنهلل له؟ الإجابة تكمن في الكتاب، فشاعرنا لا يبحث عن إنسانه، بل هذا الإنسان موجود على هذه الأرض ونحن هو.

يملك الشاعر لغة جديدة وصوراً لم يرسمها غيره، كما يسجل للشاعر عنايته الفائقة باللغة وحرصه على إخراجها سليمة رشيقة معافاة من الأخطاء إلا ما ندر، وابتعاده عن دهاليز السياسة رغم كتابة بعض القصائد زمن الأزمات والحروب، فهو يقارب هموم الوطن بشكل غير مباشر وبفنية عالية راقية: "نغسل أحزاننا بشمس العناء من أقاصي الألم نجمع السيوف... البنادق... نؤاخي ما بين القذيفة والجرح، نصلي على ركبة القول ونبعث من آلامنا الرقص أبجدية نبعثها من موتها ونطلقها لغة من العشب والقمح والسلام". سميت شعره بالمتعب الجميل؛ فهو شعر غزير الصور مثقل بالأفكار والآمال والأفراح، ولكنه مثقل أيضاً بالتناقض مع القرآن الكريم على درجة مربكة

وهو إنسان خرج من إطار الشكل القديم، ليدخل عالم الجمال والحداثة، ولذلك ينبغي على اللغة أن تواكب هذا الإنسان، فجاءت القصائد تحت عنوان ما يسمى أدب الفرح، وهو أحد انبثاقات علم الإنسان الذي أوجده الأستاذ "محمد ياسين الأخرس" عام 2005.

الشاعر محمد حيان الأخرس

فأدب الفرح هو أدب الإنسانية الجديد المفعم بالحركة، وهذا تجده واضحاً عند شاعرنا المنطلق نحو دروب تأخذك إلى مساحات الجمال، فجاءت فاتحة كتابه فاتحة عطر:

"لها الوجدُ وما ينقر الحمام من غيمٍ فيهطل منها ما يشتهي القلبُ من مطر".

ضمن جلسة الملتقى الثقافي في بانياس

إضافة إلى أن الكلمة تخرج من نطاقها المحسوس لتنفتح على الكون بأسره، بالاعتماد على الشاعر الذي يشكل الكلمات ويعطيها أجنحةً تطير بك في سماوات الدهشة، هنا الكلمة فراشة فتغدو القصيدة ناراً وتارةً الكلمة عصفوراً ينقر على شباك القلب:

"يا صبية ألم أقل إنّ العصافير حين تروحين تزعل مني؟ تغادر الشباك ويبكي الخشب، وحين تأتين تضيء الملائكة الصغار أصابعها والرقص ينهض من نومه يشعل المدى بالصراخ"».

وتتابع في توضيح تطويع اللغة، فتقول: «الشاعر "محمد" شاعر يخرج من الجرحِ، ويصنع من الألم تفاؤلاً يليق بالإنسان على هذه الأرض، وعندما تقرأ قصيدة رثاء شامخ ترى كيف طوّع اللغة لتخرج من ثوبها القديم الحزين، وترتقي معه سلالم الشمس:

"يقولون غابت وصلى على حزنها نورسان، يقولون بحر تكسرّ في صدرها واستدار غريقاً، فهرت على خده موجتان، يقولون المواويل صاحت طويلاً بكت شديداً وكم ولولتْ وكم جلجلت وشقت عليها ثياب الأغاني".

الشاعر "محمد" وجهته الفرح، الفرح ضالة البشرية وقادمها الذي يلوح لنا، فقد اقترب وبات علينا لزاماً أن نتهيأ لملاقاته، وهي المرأة من ستعطي الإنسان الجديد عالماً يسوده الفرح:

"إنها وجهةٌ للفرحِ يضمنا فيها التراب يهزّ أضلاعنا، فتركض فينا الدروب من كلّ لفتة نرى الله يسكن أنثى تلد القمح بين أصابعنا وتسرّ لنا أنّ الكون يسكن رحمها"».

القاص والناقد "محمد عزوز" أكد أن قراءته للمجموعة الشعرية "تهاليل للإنسان الجديد" للمرة الثانية دفعته لإحساس أكبر بالمسؤولية تجاهها، يوضح ذلك الإحساس الأدبي بقوله: «"تهاليل للإنسان الجديد" عمل نثري الطابع، وإن لم يخلُ من بعض نصوص التفعيلة كاملة أو منقوصة، وليس هذا عيب، وإن كنت شخصياً لا أحبه، وأفضل أن يكون الشاعر مخلصاً لنمطه الشعري، على الأقل في المجموعة الشعرية، كان نثراً حافظ فيه الشاعر على جرس موسيقي وإيقاع جميل في معظم القصائد؛ ما يترك لدى ذواقة الموسيقا في الشعر -وأنا منهم- انطباعاً جميلاً، قد لا نجده عند الكثيرين من شعراء النثر.

والأمثلة كثيرة تبدأ بـ"الفاتحة"، وتنتهي بقصيدة "رثاء شامخ" التي جاءت أكثر من وفاء للشعر الموزون، ولعل الشاعر بدا في هذه الأخيرة متأثراً بإيقاع القرآن الكريم الذي عده الكثيرون نوعاً من الشعر، قرآن بدت الكثير من مفرداته في قصائد الشعر كشكل من التناص مع المقدس، شكل يلجأ إليه الكثيرون من الشعراء لإعطاء شكل أجمل للقصائد، وإن كان بعضهم يعترضون على ذلك بحجة استخدام طريقة للجذب ليس فيها من روح الشاعر شيء.

تتميز الكثير من قصائد الشاعر "محمد" بسحر خاص يشدك في سبك صوره ومفرداته دون أن تصل إلى بعد فكري يريده الشاعر، وبدا وكأنه يحتمي بالصورة على حساب الفكرة، تقرأ القصيدة فتستمتع مع الشاعر بصور قصيرة ومعبرة، صور تفتنك بسكبها ومدلولها، لكنك تتساءل في النهاية؛ ماذا أراد الشاعر أن يقول؟».

أما السيدة "زينب حيدر" المهتمة بالشعر فقد أعلنت أن متلقي المجموعة الشعرية يلاحظ أن للشاعر علاقة خاصة مع اللغة وحروفها وعباراتها، حيث يقوم بأنسنة الحروف والكلمات لتصير بين يديه منحوتات مشخصة ومؤنسنة، ومن مراجع الشاعر في إنتاج نصه كان ثمة عودة للقرآن الكريم، فقد نصص وتماهى الكثير من كلمات وعبارات القرآن في إنشاء النص».

في حين أن الشاعر "علي سعادة" قال: «يملك الشاعر لغة جديدة وصوراً لم يرسمها غيره، كما يسجل للشاعر عنايته الفائقة باللغة وحرصه على إخراجها سليمة رشيقة معافاة من الأخطاء إلا ما ندر، وابتعاده عن دهاليز السياسة رغم كتابة بعض القصائد زمن الأزمات والحروب، فهو يقارب هموم الوطن بشكل غير مباشر وبفنية عالية راقية:

"نغسل أحزاننا بشمس العناء من أقاصي الألم نجمع السيوف... البنادق... نؤاخي ما بين القذيفة والجرح، نصلي على ركبة القول ونبعث من آلامنا الرقص أبجدية نبعثها من موتها ونطلقها لغة من العشب والقمح والسلام".

سميت شعره بالمتعب الجميل؛ فهو شعر غزير الصور مثقل بالأفكار والآمال والأفراح، ولكنه مثقل أيضاً بالتناقض مع القرآن الكريم على درجة مربكة».

ويرى "علي سعادة" أن الشاعر "محمد حيان الأخرس" شاعر عربي مترف بالفرح مترف بالجديد، مترف بالتفاؤل، ومسرف في الاقتباس والتكرار، شاعر صوفي عاشق من طراز نادر، وفي للأرض والأهل، وللحبيبة التي تقارب الآلهة، ولا تستطيع رفض دعوته للفرح.

وفي لقاء مدونة وطن "eSyria" مع الشاعر "محمد حيان الأخرس" بتاريخ 17 أيلول 2014، قال: «أدب الفرح يقوم على بنية أنه وضمن خط التطور لا يمكن الرجوع إلى الوراء، وأن الإنسان الذي كان في يوم من الأيام يعيش في كهف، هو الآن أنهى مفهوم الزمان والمكان، وأنهى كل مفاهيم الاعتماد على الحواس في حركته، أي بدأ الدخول ضمن خط التطور الذي لا يرى كما يرى الأفراد، بل الصحيح هو بالبرهان العلمي، وهذا الأمر مقدمة للخروج من مفهوم اللغة التي تشبعت بالاستعارة والتشبيه، إلى بنية جديدة ترى الأشياء والواقع بمنظار جديد تتجلى بها ما كان يطلق عليه الغموض واللا منطقية، وهو حالة من حالات اكتمال اللغة واحتكاكها مع الخارج، ولو أننا قلنا قبل مئة عام فقط كما يقول شاعرنا السوري الجميل "محمد عمران":

"أفق طازج

خرجت من دمي غيمة

ومشت في الهواء".

أكرر، لو أننا قلنا هذه المقطوعة قبل مئة عام، لضحك علينا كل المستمعين، وقالوا: كيف يكون الأفق طازجاً، وكيف تخرج الغيمة من الدم؟

أما الآن وفي الحداثة فقد خرجت اللغة في الأدب من سياق المعنى لتشكل وجوداً جديداً، هذا الوجود الجديد هو نقلة لهذا الإنسان الجديد نحو مرحلة جديدة تقول إن طريقة العيش القديمة قد انتهت بعد أن قدمت ما عليها، وإن هذا الإنسان الجديد بدأ تكوين عالم مكشوف وواضح، من خلال مضمون يقول إن الفرح هو مقدمة للسعادة القادمة، وإن القادم أجمل وأكثر وضوحاً وحياة من الماضي.

فمن الخلية الآن يمكن استنساخ إنسان، وهو سحر في طريقة العيش القديمة، ويقول العلم إنه تم اكتشاف الجين المسؤول عن الهرم، فإذاً القادم الأجمل، هذا القادم الذي ينادي بوحدة الإنسانية دون حدود، والماضي الذي كان أسرة ومن ثم عشيرة وقبيلة وسلالة».