العمل البحري مهم للأعمال الاقتصادية والعلمية، ويجب إدراك مختلف مناحيه، وتذليل معوقاته لتأسيس شخصية بحرية سورية بمعايير عالمية.. فسلطة العلم على ظهر السفينة والشهادات والوثائق الناظمة لسلامتها وتشغيلها بأيدي طاقمها البحري، المعايير الأهم للاعتراف بها وتدقيق آلية عملها لمنحها إمكانية الدخول إلى مختلف المرافئ العالمية.

وهذا الأمر أكده المهندس "حسان محمود حمود" من نقابة "مهندسي طرطوس" خلال مشاركته في ورشة النقل البحري بتاريخ 4 آذار 2014، وأضاف: «نحن كخطوة أولى في "طرطوس" نحاول تشكيل هيئة تصنيف وطنية بمعايير عالمية، تؤمن آلية منح الشهادات والوثائق الخاصة بالسفن، بدلاً من أن تلجأ طواقمنا البحارة إلى دول الجوار للحصول عليها، وذلك بالتعاون مع إحدى هيئات التصنيف الدولية، ليكون لأسطولنا البحري شخصيته البحرية الخاصة التي توفر الكثير من الأموال بالقطع الأجنبي على الخزينة، وتساعد في جذب المزيد من الراغبين في الحصول عليها أو الإشراف على آلية عملها، علماً أن هذا الأمر لم يكن متاحاً لنا نظراً إلى الأوضاع العامة».

تعدّ الصناعة البحرية السورية ضعيفة جداً في وقتنا الحالي، فلا يمكن تعديل السفن وإصلاحها بأيدي وخبرات ومهنيين وأكاديميين محليين، لعزوف ملاك السفن عن العمل البحري الوطني، بعد اضطرارهم لرفع أعلام دول أخرى تمنحهم حرية الحركة والتنقل في البحار

وتمنح هيئات التصنيف العالمية شهادات بحرية منها ما هو خاص بربان السفينة تخوله بعد خروجه عن سلطة الميناء السلطة المطلقة للقيام بكافة أعمال السفينة والحفاظ على سلامتها وسلامة طاقمها، وهنا يقول السيد "فؤاد عمران" صاحب مكتب استشارات ملاحية وخدمات بحرية، إلى جانب اختصاصه العلمي البحري، عن أهمية هذه الهيئات، لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 4 آذار 2014: «تأتي أهمية هيئات التصنيف المانحة للشهادات البحرية المتنوعة، ومعايير جودتها ومطابقتها للمعايير العالمية من كونها تخول كل فرد من طاقم السفينة بإدارة عمله المختص فيه، إضافة إلى شهادات عمل وسلامة خاصة بالسفينة، ومنها ما يعرف ببصمة السفينة أو رقمها الذي يوضع وفق علاقة رياضية علمية، والذي لا يمكن أن يتكرر لسفينة أخرى.

السيد فؤاد عمران

فالسفينة تحمل وتتحرك بحرياً من خلال أكثر من مئة شهادة بحرية خاصة بسلامتها وسلامة الركب المبحر معها، ومنها شهادة solas التي تعنى بسلامة الأرواح في البحر، وشهادة stcw الخاصة بتأهيل الكوادر العليا القائمة على عمل السفينة، وشهادة منع التلوث البيئي البحري marpol، وغيرها الكثير من الشهادات الأخرى».

ويضيف السيد "فؤاد" عن ترجمة جميع هذه الأمور البحرية والشهادات الممنوحة وهيئات التصنيف، إلى موارد اقتصادية، فيقول: «إن أهمية هذه الشهادات تأتي من أهمية عمل السفينة في البحار والخدمات التي تقدمها ضمن ما يعرف بصناعة النقل البحري الذي نتوجه إليه حالياً كدولة لها حدود بحرية جيدة، حيث إن هناك الكثير من البضائع التي لا يمكن نقلها إلا بواسطة السفن، وهذا منحها أهمية عالية، وهو بالمقابل يترجم واقعياً إلى تجارة مدرة للمال والقطع الأجنبي، والمهم في الأمر أننا نملك الكوادر المهنية والأكاديمية لمزاولة هذا العمل بكل جدارة وحرفية».

السيد نزيه السيد

وفي لقاء مع المهندس "نزيه السيد" ميكانيك آليات واختصاص عمل بحري لما يقارب أحد عشر عاماً، قال: «عملت في المجال البحري ضمن سفن بحرية عربية وعالمية وأخرى تتبع للأسطول البحري السوري، ولكن بسبب وضع "سورية" على اللائحة السوداء من ناحية هيئات التصنيف ومنح الشهادات البحرية، لم نتمكن من تعديل شهاداتنا البحرية الحاصلين عليها أساساً من جمهورية "مصر"، ومنعنا من تقديم خبراتنا وتوظيفها محلياً.

إضافة إلى أن سلطة العَلم التي تعطي استقلالية أمر السفينة لربانها، ولعلمها في أي ميناء ترسو فيه، ليست متكاملة العمل لدينا، نتيجة اللائحة السوداء الموضوعين عليها كدولة، ولكن في القريب العاجل أي خلال أسبوع تقريباً، ستتم مناقشة هذا الملف مع خبراء مختصين من هيئات تصنيف عالمية لمعالجة بعض المشكلات وحلها ودخول "سورية" ضمن القائمة البيضاء التي تسمح لها بمنح شهادات بحرية كأي هيئة تصنيف عالمية، ما سيخفف ضغط اللجوء إلى دول مجاورة للحصول شهادات الركب المبحر وسلامة السفن، ويجعلها ترفع وتمنح سلطة علمها على جميع سفن الأسطول السوري وأي سفينة أخرى في كل ميناء ترسو فيه.

السيد طه محمد لبادي

وبالمقابل سيفتح أبواب الدراسة البحرية الأكاديمية التخصصية للسوريين في بلدهم، وتخفف عليهم تكاليف الدراسة الباهظة، كما ستؤمن إمكانية التسجيل لغير السوريين بذات المعايير العالمية، وتجلب موارد اقتصادية كبيرة وبالقطع الأجنبي، وتنتج صناعة بحرية متكاملة مزدهرة».

أما الدكتور الربان "طه محمد لبادي" رئيس القسم البحري في الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري - فرع "اللاذقية"، فتحدث عن سلطة العَلم قائلاً: «سلطة العَلم هي جواز السفر الخاص بكل سفينة، للتمكن من التنقل بين البحار والدول المطلة عليها عالمياً، فهي الجنسية والهوية الخاصة بها، وليس من الضروري أن يكون مالك السفينة وسفينته من جنسية واحدة، ليحصل على التسهيلات في عملية تسجيل ومنح الشهادات الخاصة بالركب المبحر وكل من على ظهر السفينة، ولكن المشكلة أن ملاك السفن السوريين قاموا بتسجيل سفنهم تحت سلطات أعلام غير سورية للتهرب من القيود الصعبة على تسجيل السفن ومتابعة تجديد الشهادات ضمن المياه البحرية السورية، حتى ولو كانت السفينة في رحلة عمل باليابان مثلاً، ولكن الآن يتم العمل على تذليل هذه المشكلة.

فالسفن السورية العاملة في المجال البحري كانت مستهدفة دوماً من قبل هيئات التصنيف، لأن أغلبها قديمة وغير مجهزة بالشكل الأمثل، لذلك انطبعت هذه الصورة السيئة في أذهان هيئات التصنيف العالمية، ما أدى إلى استمرار هذه الفكرة السيئة على أسطولنا السوري المحدث، وأصبحت عرضة للابتزاز المستمر.

وبرأيي الشخصي إن علاقة سلطة العلم مع ملاك السفن المسجلة لدينا هي علاقة تربطها حالات كثيرة تسيء إلى سمعة سلطة العلم لدينا، لذلك يجب التطلع لتحسين سمعة الأسطول السوري، والعمل على استقطاب تسجيلات سفن أخرى تحت سلطة علمنا ضمن هيئات تصنيف وطنية بمعايير عالمية، من خلال الاستثمار في هذا المكان "الساحل السوري" وبقوة عن طريق استحضار سفن جديدة ومنح البنوك تفويضات حكومية للتعامل مع ملاك السفن والقطاع البحري، ومنحهم تسهيلات الدفع والاستثمار الوطني».

ويضيف الربان "طه": «تعدّ الصناعة البحرية السورية ضعيفة جداً في وقتنا الحالي، فلا يمكن تعديل السفن وإصلاحها بأيدي وخبرات ومهنيين وأكاديميين محليين، لعزوف ملاك السفن عن العمل البحري الوطني، بعد اضطرارهم لرفع أعلام دول أخرى تمنحهم حرية الحركة والتنقل في البحار».

الأستاذ الدكتور "رامي مصطفى حوا" مدير "المؤسسة العامة للتدريب والتأهيل البحري" قال: «يمكن القول إن سلطة العَلم هي ثاني أقوى سلطة على ظهر السفينة، ويمكن تغييرها وفق الحاجة والضرورة، بخلاف رقم السفينة الذي لا يمكن تغييره أبداً، ويعدّ بصمتها الخاصة كما رقم السيارة، وفي "سورية" سلطة العَلم تمثلها مديرية الموانئ في "اللاذقية"، وهي التي تتحكم بجميع الشهادات الناظمة لعمل السفينة.

أما بالنسبة إلى هيئات التصنيف البحرية فهي عبارة عن هيئات حكومية أو شبه حكومية، ومنها وأهمها الاتحاد العالمي لهيئات التصنيف، الذي يمنح شهادات هي الأغلى ثمناً وقيمة بالعالم، لمتطلباته الصعبة، وموثوقية معاييره عالمياً، فهو يمنح كافة أنواع الشهادات الخاصة بعمل السفينة.

إضافة إلى أندية الحماية، وهي أندية كما شركات التأمين، ولكنها غير ربحية، وتقدم الحماية من المخاطر لمالك السفينة، وليس لمالك البضائع عليها».