تبقى المقاهي في فصل الشتاء مقصد الشباب من مختلف الأعمار للقاء الأصدقاء وقضاء أوقات خاصة معهم، وفي مختلف ساعات النهار والليل، فالأجواء الباردة والماطرة تبعدهم عن جلسات البحر المعتادة صيفاً.

الطالب الجامعي "علي منصورة" تحدث لمدونة وطن "eSyria" التي التقته في حي "المشبكة"، بتاريخ 19 شباط 2016، وعن حياة الشباب ما بين البحر والشتاء، قال: «للقاءات الشتاء متعة خاصة بالنسبة لي كشخص يقيم في المدينة، وفي كل مرحلة تساقط ثلوج أحاول زيارة صديق لي في مناطق تساقط الثلج كـ"جرد صافيتا" لأقضي معه أوقاتاً جميلة تبقى ذكرى، وتكللها جلسات المقاهي الخاصة والحميمة مع أصدقائي في تلك المناطق، علماً أنهم ذاتهم يرون هذه الأجواء عادية، لأنها روتينية وصعبة لما تحمله من هموم ومشكلات، بخلافي أنا، لأنها عبارة عن ساعات فقط أو يوم أقضيه لا غير، وهي أجواء لا يمكن أن تتكرر أو نراها إلا في الشتاء».

في تجربة خاصة مع الأصدقاء ذاتهم في لقاءات منزلية تكون الأحاديث والتصرفات مختلفة تماماً عما هي هنا بعيداً عن الأجواء الأسرية

ويتابع عن طبيعة الأحاديث التي يمكن أن تدور بين الرفاق ضمن الجلسات الخاصة: «رفاق الدراسة في الجامعة لهم مناخهم وأحاديثهم الخاصة التي لا يمكن مناقشتها وطرحها مع زملاء المدرسة أو رفاق الحي والسكن، وهنا تأتي خصوصية الفائدة من الأحاديث وبحسب طبيعة كل منها، التي لا يمكن تداولها خارج المقاهي وأجوائها الهادئة، بخلاف الأجواء الصاخبة على الكورنيش البحري».

الشاب علي منصورة

أما الشابة "يارا سعيد" طالبة سنة ثالثة اختصاص فلسفة، فقالت: «في الأساس أنا أطالع كثيراً في أوقات الشتاء، وأحاول أن تكون المطالعة شغلي الشاغل بالعموم، إضافة إلى تصفح الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك أمضي بعض الوقت في المقاهي بعيداً عن ضجيج الشوارع وزحمة الأماكن العامة وخاصة منها البحرية، فمثلاً أنا اليوم في المقهى مع أختي بعد أن أنهينا دوامنا الجامعي، ويمكن أن يقول قائل لماذا آتي مع أختي إلى المقهى وهي معي في ذات المنزل، وهذا لأننا أصدقاء وجلستنا هنا تبقى لها خصوصية مغايرة لخصوصية جلستنا في المنزل، وذلك من طبيعة الأحاديث التي يمكن أن نتناقش بها هنا، فأجواء المقهى واللقاء في المواقع العامة لها خصوصيتها بكل شيء، وأغلب الأوقات نحاول أن نلتقي هنا باستمرار لنعيش أجواء الصداقة بكل ما فيها من مرح ومتعة الأجواء، علماً أن هذه الأجواء والعلاقة تتكرس في فصل الشتاء بحميمية الأجواء بعيداً أن عوامل الطقس المختلفة الباردة والماطرة».

الأحاديث متنوعة ومتشعبة، وهنا قالت الشابة "يارا": «ننتقل من حديث إلى آخر يختلف تماماً عن سابقه، وهذا يحدث طبيعياً وكأننا نحاول خلال هذه الأجواء تشميل كل شيء في حياتنا لنبقى مقربين، وقد ينتج عن هذه الأحاديث فكرة مشروع للمستقبل، وكيف ستكون حياتنا بعد الانتهاء من الدراسة الجامعية، وأحياناً تكون لقاءاتنا في المقاهي بأجوائها الحميمية لمناقشة هموم الحياة التي لا يمكن طرحها أمام بقية أفراد الأسرة، لذلك تكون بعيدة عن المرافق العامة لما لها من خصوصية».

الشاب مهند حسن

وتضيف: «في تجربة خاصة مع الأصدقاء ذاتهم في لقاءات منزلية تكون الأحاديث والتصرفات مختلفة تماماً عما هي هنا بعيداً عن الأجواء الأسرية».

الشاب "مهند حسن" صاحب مقهى قال: «يقصد المقاهي شباب من كلا الجنسين لقضاء أوقاتهم الجميلة، ومناقشة الكثير من الأمور، وأغلب الأحيان أرى ذلك من طبيعة اللقاءات التي تدور في المقهى أمامي، فهنا ملجأ لهم بعيداً عن أجواء الطقس الباردة والماطرة في فصل الشتاء، فلولاها لكانت أمورهم ولقاءاتهم متعثرة نتيجة الأحوال الجوية، فيمضون ساعات طويلة هنا، ومنهم من يقصد المقهى للتسلية وشرب المشروبات الساخنة أو الباردة.

كثيرون من الشباب في أوقات العطلة الجامعية أو المدرسية يلتقون بعضهم هنا لمناقشة أمور متعددة، فأنا كشاب جامعي أجلس هنا مع زملائي في الكلية وكل منا يحضر محاضراته الجامعية لنتحاور بها ونوزعها على بعضنا لتعم الفائدة، حيث كنا في العادة نلتقي على الكورنيش البحري خلال أوقات الصيف، لكن في الوقت الحالي لا يمكن.

منهم من يأتي عدة مرات في اليوم الواحد، وكأنه خص لنفسه المكان للقاء الأصدقاء بعيداً عن بقية الأجواء العامة التي لا تتناسب وطبيعتهم وأحاديثهم الشابة، بينما بعضهم الآخر يقضون ساعات متواصلة هنا، فالخدمات التي تقدم في "الكافيه" لا يمكن أن يحظى بها على الكورنيش البحري؛ كالإنترنت وغيرها، وهذا فرض عليّ واجباً هو محاولة تأمين كل متطلباتهم، وأهمها الأجواء الهادئة.

وهذا لا يمنع بعضهم من التمتع بالسير لدقائق تحت قطرات المطر ضمن أجواء خاصة يرغبون بها، ليعودوا إلى هنا ويتابعوا أجواءهم الخاصة».

وفي لقاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع المرشدة الاجتماعية "سراب رقية"، قالت: «للبحر تأثير ساحر بالنفوس البشرية بوجه عام؛ وخاصة عند شريحة الشباب، فهو ملهم ومحفز لطاقات الجميع، كما أنه بئر أسرارهم العميق، لذلك نرى الكثير من الشباب يذهبون لقضاء الوقت الأكبر على شاطئه، وأغلب الأحيان نرى أنه مكان للنزهة والترفيه، ولقاء الأصدقاء، حيث تحلو تلك اللقاءات، ولأننا في فصل الشتاء يخف مرتادو البحر، ويمتنعون عن التمتع بهدوئه ورونقه في الأجواء الماطرة، فيلجؤون إلى المقاهي المطلة على شاطئ البحر، لكي يستمتعوا بجنون أمواجه، والجلسات الشتوية المميزة بالدفء وتبادل الأحاديث».

وتضيف: «أجواء الشتاء تخلق حالة من الترفيه والترابط بين أفراد الأسرة بوجه عام، والأصدقاء بوجه خاص، وبسبب هذا الروتين الشتوي نرى أغلب الشباب يتوجهون إلى المقاهي لقضاء أوقات ممتعة مع الأصدقاء، ومناقشة أمورهم الخاصة والعامة، بعيداً عن الأجواء الأسرية، فالأجواء الشتوية بالنسبة للشباب من أهم العوائق التي تعترض تجمعاتهم، فيعوضون بلقاءاتهم بالمقاهي، فهي المتنفس لأغلبهم، لعقد الصداقات واللقاءات والتقارب مع الأصحاب، والتعارف الجديد أيضاً، ناهيك عما تقدمه المقاهي لهم من خدمات، إذن، هي حالة ضرورية أبدعها الشباب للتواصل».