لم يدرك القائمون على تأهيل نبع "مار الياس" حجم التهافت للمشاركة بالعمل، لكنهم كانوا مدركين أن طبيعة أبناء "المشتى" لم تغيرها المناخات المتقلبة، لكنها تحتاج إلى الإيقاظ، فهي بصمة عرفوا بها.

فالمهندس "سمير عوكي" الذي قدم نفائس الصخور التي جمعها عبر سنوات ليزين بها مزرعته، لم يقف عند رغباته الفردية وبادر بالمساعدة لأنها بالنسبة له ارتباط بالتراث، حيث قال لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 26 شباط 2016، خلال تكريم القائمين على إعادة تأهيل النبع: «معظم أحجار النبع من مزرعتي التي أردتها صورة مصغرة عن القرية الريفية بكل ما فيها، فلكل حجر قدمته ذكرى وقيمة كبيرة، خاصة أن أغلبها نقل من مناطق مختلفة ومتباعدة، وقد وضعت مكانها وفق دراسة إعادة هيكلية النبع، وهي محاولة لإعادة الصورة التراثية لـ"المشتى"».

أغلب أبناء "المشتى" ساهموا بالعمل وخاصة المغتربون منهم، لذلك سار العمل بوتيرة جيدة منذ البداية، وذلك وفق مراحل خضعت لبعض التعديلات البسيطة بما يتناسب مع الواقع ومراحل سير العمل

ويتابع: «أغلب أبناء "المشتى" ساهموا بالعمل وخاصة المغتربون منهم، لذلك سار العمل بوتيرة جيدة منذ البداية، وذلك وفق مراحل خضعت لبعض التعديلات البسيطة بما يتناسب مع الواقع ومراحل سير العمل».

المهندس سمير عوكي

المحامي "وائل صباغ" من مؤسسي "الملتقى الثقافي العائلي" وصاحب الفكرة، قال: «البداية كانت من جرن صغير، وتطورت مع توفر الصخور لتصبح مشروعاً كبيراً وضخماً، ولكون الصخور ضخمة وذات أوزان كبيرة كانت عمليات النقل صعبة نوعاً ما، لكن محبة العمل وتكاتف الجميع لإتمامه حطمت العراقيل، حيث تمت عمليات النقل بواسطة الآلات والروافع الكبيرة التي وفرها المهتمون بالعمل ونجاحه».

ويضيف: «عمليات نقل المياه التي تخرج من مصدرها في النبع المجاور، وهو "نبع الدلبة" كانت بسيطة وسهلة لأنها تخرج من دون أي عمليات اصطناعية أو تقنية لاستخراجها، ولذلك ارتأينا جرها إلى النبع المراد تأهيله بمسافة نحو عشرين متراً، على الرغم من وجود مجرى نبع قديم جداً في الموقع، وكان يسمى تراثياً "النبع القتيقة"، لتبقى مياه هذا النبع باطنية ومخزوناً احتياطياً».

النحات علاء محمد وإلى يمينه الحرفي سامر جبريل

النحات "علاء محمد" الذي أشرف فنياً على العمل، قال: «ساهم الجميع في العمل، وهذا كان لافتاً وغير متوقع، ونحن بدورنا قدمنا أفضل عمل بأقل تكلفة، وكان لافتاً الحضور الإبداعي للحرفي "سامر جبريل" في عمليات التأهيل والإعمار وفق رؤى بصرية تراثية، وقد شاركني بعمليات وضع الصخور في مكانها وترتيبها وفق طريقة خاصة مخطط لها مسبقاً، فقد أبدع بعمله، فالحرفية التي عمل بها كفيلة بنجاح العمل، وهي مساعدة منه لمحبته للفكرة ليكون شريكاً بها».

ويتابع: «استمر العمل نحو شهر، بعد وضع المخططات الخاصة وعرضها للاطلاع على معظم أهالي "المشتى"، وحتى على مواقع التواصل الاجتماعي لمساهمة المغتربين بها أيضاً، وأعتقد أن العمل هنا رمم وأعاد إحياء حالة مجتمعية تراثية كانت الظروف القائمة في البلاد تحاول طمسها، وسط حزن عميق من الجميع من دون معرفة الحل، لذلك كانت المبادرة تفاعلية وهب الجميع للمشاركة بها.

المهندس هيثم حداد

أما بالنسبة للتصميم فقد وضع ليتناسب مع كل شيء في "المشتى"، انطلاقاً من الحالة الاجتماعية والتراثية، وصولاً إلى الحالة الاقتصادية، والمساهمات والتبرعات كانت كبيرة لنجاح العمل على الرغم من بعض الصعوبات».

أما المهندس "هيثم حداد" المشرف التنفيذي على العمل، فقال: «كان على عاتقي الإشراف وتطبيق الأفكار المتفق عليها من قبل الجميع بدقة، وتذليل الصعوبات التي تعترضنا، ولا أذكر أنني احتجت مساعدة من أحد واعترض، وخاصة من المارة والعابرين في الطريق عند توقفهم لمشاهدة مراحل العمل، وكانت هذه الحالة مقصودة لمعرفة مدى التفاعل والرضا من قبل الجميع، وكانت النتيجة جميلة، وكأننا نجحنا فيما خططنا له من ترميم للحالة الاجتماعية التعاونية، حتى إن بعضهم كانوا يعرضون خدماتهم عند كل مرور أمام المشروع».

وبالعودة إلى المحامي "وائل صباغ" الذي أضاف: «المياه نعمة من الله، ومن المفروض إظهارها بأجمل صور لها، على عكس من يفكر أن تكون مجرد مياه جارية في الطبيعة، وقد ساعدنا وجود نبع سابق تمت إزالته في زمن ماضٍ، والجميل في العملية التعاون والحالة المجتمعية التي عرف واشتهر بها المجتمع "المشتاوي" منذ زمن، والتي كانت هدفنا كفريق عمل لإعادة ترميمها، إضافة إلى أننا حاولنا استخدام كل ما يمت إلى التراث المشتاوي بصلة كالصخور الطبيعية، والأخشاب من أشجار التوت المتكسرة التي تميز "مشتى الحلو" بزراعتها لتربية دودة الحرير في غابر الأزمان.

وأنا أرى أن انتصار الجمال بمختلف تصنيفاته من الحالة الاجتماعية والحالة البصرية والحالة التنفيذية، كان نتيجة مفاجئة نوعاً ما، لأنها فاقت التوقعات بكل شيء».

أما الشاب "شادي صاروخ" من دائرة العلاقات المسكونية والتنمية في بطريركية الروم الأرثوذكس، فقال: «عندما لاحظنا الحالة المجتمعية التي بدأت بالتفاعل مع المشروع، وتهافت الجميع للمساعدة، كان لا بد لنا من المساهمة كدائرة علاقات مسكونية، لأن من أهدافنا الأساسية التنمية المجتمعية، أي علينا تقوية هذه العلاقات، ومحاولة تذليل الصعوبات التي تعترضها، فمساعدة الجميع وتحفيز بعضهم لبعض كان حالة مميزة على أرض الواقع.

إن روح الجماعة والعمل الجماعي هو من وحي التراث القروي المشتاوي، وذهنية التعاون أيضاً، وهما أمران نحن بحاجة إليهما في وقتنا الحالي».

الجدير بالذكر، أنه خلال تدشين نبع "مار الياس" تم تكريم جميع المساهمين بالعمل بصور تذكارية من مراحل العمل.