كثيرون من أبناء الريف الساحلي يعتمدون في حياتهم المعيشية على ما ينتجونه محلياً من الزراعات الشتوية، لتقيهم جنون الأسعار، وفي الأغلب هي خضار عضوية نظيفة، جعلوا لها أماكن مناسبة تتلاءم مع الظروف.

في ظل غلاء مستلزمات زراعة البيوت المحمية، وجد المزارع "غسان سعود" من قرية "خربة السناسل" من مساحة بيوته المحمية مساحة مناسبة لزراعة الخضار الشتوية بمختلف أنواعها؛ حيث قال لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 13 تشرين الثاني 2015: «في هذا الموسم الزراعي لم يحالفني الحظ بزراعة بيوتي المحمية نتيجة ارتفاع مستلزمات الزراعة، فقررت زراعتها بالخضار الشتوية التي طالما زرعتها ضمن البيوت المحمية وتحديداً في الخطوط الجانبية، فجهزت الأرض بمساكب صغيرة متعددة واشتريت البذار الجيدة وقمت بزراعتها، فزراعة هذه الخضار أمر أساسي بالنسبة لمنزلنا، لأنها تقينا الشراء مع جنون الأسعار. زرعت البقدونس والفول والسلق والفجل، حيث بدأت زراعتها في منتصف شهر تشرين الأول؛ وهو الموعد المناسب لعملية الزراعة، ويبقى أن يحالفنا الحظ بسلامتها من مختلف عوامل الطقس، خاصة أن الخضار الشتوية تتعرض أغلب الأحيان للأمطار والبرد والصقيع إن لم يدرك المزارع مواعيد زراعتها المناسبة، ففي هذه الحالة تنتج في وقت مبكر ولا تتعرض لعوامل الطقس الشتوية».

هي تؤمن لنا -نتيجة بيع الفائض منها- مردوداً مادياً جيداً نشتري به ما ينقصنا من حاجيات لا يمكن زراعتها، وبذلك أكون أمّنت احتياجات منزلي الدائمة

ويتابع المزارع "غسان": «تزرع هذه الخضار الشتوية بعلية عادة؛ معتمدة على قطرات الندى والأمطار، كما تزرع بشكل عضوي، أي لا يضاف إليها أي سماد أو مواد كيميائية، والمادة المخصبة الوحيدة التي توضع لها خلال الزراعة هي "السواد العربي" فقط، لذلك تكون زراعات عضوية نظيفة؛ خاصة من الأثر المتبقي للمواد الكيميائية».

إبراهيم سليمان

أما المزارع "مازن ضوا" من ذات القرية، فقال: «أزرع الخضار الشتوية في كل موسم ضمن مساحات زراعية صغيرة، لتؤمن لي المواد الأولية من حاجيات المنزل الأساسية، كالبقدونس والسلق والفجل والبصل والهندباء والفاصولياء وغيرها، ففي فصل الشتاء تجد ربة المنزل صعوبة في تحضير وجبات الطعام، وعندما تتوافر لديها هذه المواد الأولية تكون أمنت وجبات يومية متنوعة غنية بالفوائد الغذائية لأفراد أسرتها».

ويضيف: «هذه الخضار الشتوية توفر عليّ كربّ أسرة الكثير من المصاريف المادية لزوم وجبات الطعام اليومية، فهي بذلك تعدّ مستودعاً مضمون الحاجيات الضرورية، يقينا شر الغلاء الفاحش بالأسعار، كما يمكن تقديم بعض هذه المنتجات من الخضار الشتوية للأصدقاء والجيران؛ وهو ما يزيد من أواصر المحبة والألفة فيما بيننا عندما نتشارك في لقمة الطعام».

المزارع "محمد علي" من قرية "بعمرائيل" لم يجد المساحة الكبيرة لزراعة خضار منزله الشتوية، فزرعها ضمن أحواض صغيرة طولانية اعتاد في السابق زراعتها بالورود، وقال: «جميعنا ننظر إلى الوضع الراهن من غلاء أسعار بسخط كبير، وهذا كان دافعاً بالنسبة لي لعزل جميع النباتات من أزهار، لتحل محلها الخضار الشتوية الضرورية والمهمة للمنزل، فزرعت البقدونس والبصل والبطاطا كزراعة خريفية بكمية بسيطة، وزرعت الفجل والسلق، وجميعها تؤمن لي وجبات يومية مغذية ومفيدة، فإن جار الزمن لا يوجد ألذ من وجبة بصل أخضر مع زيت الزيتون المحلي الإنتاج مع قليل من الملح، حيث تعد هذه الوجبة ضرورية وأساسية لمختلف أفراد عائلتي، فمن الممكن أن يأتي أحد أفراد الأسرة من عمله ولا يجد وجبة الطعام جاهزة بعد، فيلجأ إلى تلك الأحواض ليقطف منها ما يحلو له ويصنع السندويش السريع، إذاً هي خزان الطعام السريع المجاني».

المزارع المعمر "إبراهيم سليمان" من قرية "الدردارة" تحدث عن هذه الزراعات اقتصادياً بالقول: «في وضعنا الحالي نمر بالكثير من المتطلبات والاحتياجات المعيشية؛ التي من الممكن أن يكون تأمينها يفوق قدرة رب الأسرة، لكن اعتيادنا كطقس تراثي على زراعة حدائقنا المنزلية أو ما تعرف بالحواكير جعلنا في حالة اكتفاء ذاتي مستمر، أي إننا أرباب أسر ناجحون من وجهة نظر اقتصادية، فأنا مثلاً أنتج منها مختلف أصناف وأنواع الخضار الشتوية، وهي بالنسبة لنا مصدر رزق نعيش عليه ويقينا الحاجة في ظل أصعب الظروف الاقتصادية التي نمر بها، ناهيك عن تأمين مختلف متطلبات المنزل. وهذه الزراعات بجوار منزلنا المشرف على حافة هاوية كبيرة، أي لا يوجد لدينا سوى بعض الأمتار من الأرض التي يمكن زراعتها، وهنا كان لا بد من تضافر جهود الأسرة بوجه عام لتجنب الحاجة، فعمدت إلى تجهيز هذه الأمتار القليلة من الأرض على شكل حواكير صغيرة متعددة، لا تتجاوز مساحة الواحدة منها ثلاثة أمتار، فنظمتها بطريقة جيدة استثمرت فيها كل شبر، فكانت في لحظة من اللحظات مدعاة للذهول لطريقة تنظيمها وإمكانية استثمارها».

تجهيز الحواكير للزراعة

ويضيف: «هي تؤمن لنا -نتيجة بيع الفائض منها- مردوداً مادياً جيداً نشتري به ما ينقصنا من حاجيات لا يمكن زراعتها، وبذلك أكون أمّنت احتياجات منزلي الدائمة».