قد يكون العطاء خيراً، لكن قيمة العطاء تكون في ظرف الحاجة، والظرف الحالي بات يشغل فكر جميع أرباب الأسر مع قدوم العام الدراسي، فالتحضيرات باتت مبادرة خير وعطاء لأصحاب الحاجة.

يكمن العطاء في أن يواكب الواقع ويتغلل فيه مشتتاً أوصاله بغية تحقيق المنفعة لكل محتاج، وهذا كان بالمساعدة في وقت الحاجة كنوع من التدخل الإسعافي السريع لملء الفراغ ضمن كل أسرة ومساندة القائمين عليها في الوقت المناسب، فالتحضيرات لاستقبال العام الدراسي أنهكت كاهل السيدة "سلوى شدود" التي أكدت بدايةً لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 7 أيلول 2015، أن ارتفاع الأسعار وضعف الحالة الاقتصادية كان ليبعدها عن دمج أبنائها بالعملية التعليمية، لكن كانت المبادرة الأسمى برأيها إنارة العقل وفق مبدأ تقديم الحاجيات الأساسية لاستقبال العام الدراسي ضمن مبادرة إنسانية أشعرتها بقيمتها كإنسانة في مجتمع بات يبتعد بهدوء عن هذه الحالة، مضيفةً: «أجمل ما في الأمر التعامل الإنساني، على الرغم من الألم وقسوة الحياة إلا أن شعورنا بإحساس الآخرين بنا ووقوفهم إلى جانب أطفالنا، ودعمهم لهم يعني العالم بأسره بالنسبة لي، ويشعرني بأن الدنيا ما زالت بخير، وقد جاءت المبادرة بتقديم اللوازم المدرسية في وقتها المناسب في ظل ظروف مادية صعبة كل ذي قدرة، فكيف بمن أحواله المادية ضعيفة جداً؟! والحالة هنا بتقديم المساعدة هي الأسمى برأيي إن كانت لصاحبها وفي وقتها المناسب، وأتمنى أن يكون بمقدوري تقديم شيء أسوة بما شعرت به حينما ذكر أطفالي أصحاب العطاء».

جمعنا التبرعات من الداعمين لتلبية النفقات، حيث إن فريقنا هو عبارة عن طلاب متحمسين للمساعدة، ودافعهم الأساسي العمل المجتمعي وحب الوطن

وفي لقاء مع الصيدلانية "ميساء اسماعيل" أكدت أن عائلتها من المساهمين دوماً في المبادرات الإنسانية الاجتماعية، لعلها تقيهم شرور الأيام وتقدم لهم الرضا الذاتي عما آثروا فعله من دون منّة من أحد على قناعة أنها واجب، وهنا قالت: «هذا أقل واجب يمكن أن نقدمه إلى أهلنا في هذه الأوقات العصيبة، ولمست هذا الإحساس بالمسؤولية لدى المحيطين أيضاً، حين أعلمهم بأي مبادرة حيث يبادرون فوراً، وأتمنى أن نغطي ولو جزءاً من احتياجات الأهالي على مساحة أوسع، وخاصة في هذا الظرف على صعيد العملية التعليمية بما أننا مقبلون عليها، وجميعنا يدرك أنها ثقل كبير على الكثير من الأسر».

الصيدلانية لما حسن

أما الصيدلانية "لما حسن" من المبادرين لتقديم المساعدات التعليمية للعديد من الأسر غير القادرة ولو خطوة تجاه أولادها في هذه الظروف الصعبة، فقالت بداية كتعريف بالمبادرة تقوم بها في هذه الفترة: «تتمثل المبادرة في الإيمان بقوة المجموع، وبأن العطاء الكبير يمكنه أن يكون مجموعة عطاءات تتراوح في الكبر والصغر، كل حسب إمكاناته، لكن معاً نستطيع تخفيف وطأة العام الدراسي ومستلزماته المادية الباهظة على الأهالي، لأن مستقبل الأطفال في العلم وتنمية المواهب من رسم وموسيقا وغيرها من الأنشطة التي تحتاج بدورها إلى مستلزمات يمكن أن تثقل الأهالي».

وتتابع: «علينا ألا ننسى أن الحرب التي تشهدها "سورية" تستهدف فيما تستهدف قتل إرادة الحياة وحرمان الأطفال من حقهم الطبيعي بالتعلم وتشريدهم، حيث يبتعدون عن المدارس التي لم تنجُ من عملياتهم الإرهابية، وهنا يبرز دورنا كمجتمع أهلي في أن ننهض ونقوم بواجبنا كمؤمنين بوطننا وبحقوق أطفالنا وإيماننا بأنهم المستقبل، وبأن الشعب السوري لا يملك إلا أبناءه، فإذا لم نتعاضد ويشعر أحدنا بألم الآخر؛ فعلينا ألا ننتظر من أحد هذا التعاضد أو ذاك الشعور».

مبادرة

الفكرة كانت من وحي الواقع والمرحلة الحالية مع قدوم المدارس، وعنها قالت: «نحول التبرعات إلى القرطاسية من أقلام ودفاتر وحقائب مدرسية ولوازم الرسم والقصص، أيضاً لتشجيع القراءة، حيث كانت هذه القراءة بالنسبة لي منذ الصغر من أجمل المتع على الرغم من اهتمامي بدراستي، وبقي هذا الهوى معي حتى اليوم، ولا أتمنى أن يحرم طفل من القراءة لمجرد عدم توافر القصص، وأعتقد أن كل قلم وكل آلة موسيقية وكل ريشة توضع في يد الطفل هي خطوة تبعده عن السلاح، الذي يحاول مخربو الوطن أن يجعلوه اللغة الوحيدة بين السوريين.

لذلك نقدم هذه المواد كهدايا في بداية العام الدراسي إلى أكثر الأسر حاجة، بطريقة هادئة وشخصية، كما أقدم مجموعة من الدفاتر والقرطاسية إلى مدرسة قريبة لتقوم الموجّهة التربوية التي تعرف أحوال معظم الطلاب وحاجة كل منهم بتوزيعها على من يستحق».

القرطاسية

الصدى الذي وجدته من مبادرتها وإقبال بعض الأشخاص للمشاركة كان جيداً، وعنه قالت: «بالنسبة لتجاوب المحيط والمعارف مع المبادرة فهو رائع، ويحمل شيئاً من القيم التي يخشى كثيرون أنها فقدت في هذا الزمن، لكن أطمئنهم بأن قيم العطاء والإحساس بالآخر والتعاون لم تختفِ، بل بالعكس أصبحت أقوى، خاصة لدى السيدات والصديقات اللواتي بدافع الغريزة الأمومية الفطرية لدى كل أنثى ربما يندفعن للمساهمة في كل عطاء موجّه للطفل من دون تمييز بين طفل وآخر».

وتتابع: «ثمة بعد آخر لتقديم هدايا من هذا النوع يتمثل في تشجيع الطفل على التعلم، فالطفل بفطرته يدرك أن العطاء حب، وكثيرون من الناس حين يعبرون عن حبهم للطفل يشترون له أموراً مضرة بصحته كالبسكويت والبطاطا، فإذا التزم كل منا بهدية تفيد الطفل وتنمي موهبته وتشجعه على المدرسة سيدرك في لا وعيه أن الدفتر والقلم -مثلاً- شيء مهم، وأن القراءة -مثلاً- هواية مرغوبة، فيسعى بدوره لإثارة إعجاب من يحبهم من خلال التفوق الدراسي أو شرح القصة التي قرأها لك حين يراك».

الاستفادة من ثورة المعلوماتية والاتصالات لم تغب عن مبادرة تحضيرات المدارس، بل كانت ذات بعد إيجابي، أوضحته الصيدلانية "لما حسن" بقولها: «أطلقت مناسبة إلكترونية بعنوان: "قصة ودفتر بدل بسكوتة وبطاطا"؛ لدعوة الجميع للمبادرة وتقديم شيء مع قدوم المدارس، حيث لاقت تجاوباً رائعاً، وهذا شجعني وحفزني على المتابعة وتقديم المزيد».

وفي لقاء مع المبادرة "ملك إبراهيم" من مجموعة "بريق أمل" العاملة بإشراف "جمعية الزللو الخيرية"، قالت: «توجهنا بمبادرتها الخاصة بالمدارس؛ التي هي أساساً مستمرة من شهر رمضان الكريم وضمن جانب المساعدة الإنسانية، توجهنا نحو الريف وقراه كـ: "حريصون" و"بستان الحمام"، و"محورتي"، و"خربة كسيح". وجمعنا أسماء الأسر الفقيرة المحتاجة إلى هذا النوع من المساعدة، كما تم ذلك على صعيد أسر الجرحى والشهداء، وقدمنا إنسانياً سلات ومنظفات وألبسة وأحذية أطفال وقرطاسية، وغيرها من الاحتياجات لهذه المرحلة، كما أننا بصدد جمع اللباس الخاص بمرحلة التعليم الأساسي الحلقة الثانية والأولى وقرطاسيتها الكاملة لنوسع رقعة المساعدة، لنكمل في مرحلة ثانية ضمن دائرة قرى أوسع».

وتتابع: «جمعنا التبرعات من الداعمين لتلبية النفقات، حيث إن فريقنا هو عبارة عن طلاب متحمسين للمساعدة، ودافعهم الأساسي العمل المجتمعي وحب الوطن».