من المؤكد أن سلوكيات غير مألوفة دخلت حياة المرأة لتتخلى عن رفاهيتها وتدخل مجال العمل والإنتاج، فأتقنت دورها وتفوقت على الظروف الاستثنائية.

للوقوف عند تجارب بعض النسوة اللواتي أرغمتهن الظروف الاستثنائية في فترة الأزمة للعمل بظروف تتطلب الصلابة في بعض الأماكن والتخلي عن الرفاهية في أماكن أخرى؛ مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 3 تموز 2015، السيدة "جهينا حسين" لتحدثنا عن تجربتها قائلة: «لديّ أربعة أطفال في المدارس وهم اليوم بحاجة إلى متطلبات كثيرة؛ وهو ما أثقل كاهل زوجي خصوصاً في ظل الغلاء الفاحش الذي انتشر في المدة الأخيرة، فزوجي يعمل في الأعمال الحرة، ويملك عربة لبيع "عرانيس الذرة" ولمدة طويلة كان عمله يؤمن لنا حياةً كريمة، ولكن في ظل الأزمة أصبح هناك صعوبة بتأمين المصروف اليومي؛ لذلك قررت أن أشاركه عمله في بيع "الذرة" ففي كل يوم نذهب معاً لشرائها من سوق الهال وبعدها أعود إلى منزلي حيث أقوم بتقشيرها وفرزها وتحضيرها».

لفترة طويلة كنت أعيش مع زوجي وأولادي حياة سعيدة نتمتع بكل أساليب الرفاهية؛ حيث أملك داراً كبيرة وزوجي يعمل في مجال التجارة، ولكن فجأة أرغمتني ظروف الأزمة على ترك منزلي وفقد زوجي عمله ومصدر رزقنا الوحيد، وأنا أم لخمسة أولاد يحتاجون إلى المال ليكملوا حياتهم ودراستهم؛ فقمت بشراء مكنة خياطة، وتعلمت المهنة وأنا اليوم أساعد أسرتي من خلال عملي وأود تعليمها لبناتي لتكون عوناً لهن في حياتهن إذا اضطرتهن الظروف لذلك

وتضيف قائلة: «يبدأ عملي من الساعة السادسة مساءً خلف عربة "الذرة"؛ حيث أقوم بسلقها وإضافة النكهات إليها وأتابع عملي هذا حتى وقت متأخر من الليل، زبائني من كافة الفئات الاجتماعية منهم من يقصدني لتذوق "الذرة" لأنها -كما يقولون- مميزة، ومنهم من يأتي لرؤية تلك المرأة التي تخلت عن الرفاهية التي تتمتع بها معظم النساء وكسرت المألوف لتدخل إلى مجال عمل الرجل، ودائماً ألقى الثناء والتقدير منهم، وأنا اليوم سعيدة بعملي هذا؛ فالعمل ليس به عيب لأنني أعلم أنني أعمل بشرف لأطعم أطفالي ويكملوا دراستهم؛ وهذا كل ما أتمناه».

معضاض فرزان

وعن تجربتها تحدثنا السيدة "جهينة اسماعيل" قائلة: «فقدت زوجي في التاسعة والعشرين من عمري لأجد نفسي مسؤولة عن ستة أطفال أكبرهم لم يتجاوز الثانية عشرة، بينما الصغير ما زال رضيعاً من دون أي مردود مادي يمكن الاعتماد عليه في تربيتهم باستثناء الأرض الزراعية، وضعت أحزاني خلفي وتخليت عن جانب كبير من الراحة والرفاهية التي تمتعت بها في ظل وجود زوجي، وقررت العمل في الأرض وأنا أعلم كم هو شاق هذا العمل؛ حيث يصعب في بعض الأماكن على الرجال، لكنني وضعت مستقبل أطفالي أمامي فكل همي في هذه الحياة أن يكملوا دراستهم، ونحجت في ذلك بل وتفوقت، ومما ينسيني حزني ويشعرني بالسعادة اليوم رؤية أطفالي يكبرون بفضل ما تدره عليّ المحاصيل من خلال الجهد الذي أقوم به، وهذا ما ينسيني تعبي وحزني».

السيدة "فاطمة مندو" امرأة هجّرتها الحرب لتجد نفسها مع أطفالها من دون منزل أو أي مصدر دخل، تقول: «لفترة طويلة كنت أعيش مع زوجي وأولادي حياة سعيدة نتمتع بكل أساليب الرفاهية؛ حيث أملك داراً كبيرة وزوجي يعمل في مجال التجارة، ولكن فجأة أرغمتني ظروف الأزمة على ترك منزلي وفقد زوجي عمله ومصدر رزقنا الوحيد، وأنا أم لخمسة أولاد يحتاجون إلى المال ليكملوا حياتهم ودراستهم؛ فقمت بشراء مكنة خياطة، وتعلمت المهنة وأنا اليوم أساعد أسرتي من خلال عملي وأود تعليمها لبناتي لتكون عوناً لهن في حياتهن إذا اضطرتهن الظروف لذلك».

الدكتورة رغداء الأحمد

وللوقوف عند رأي الرجل في عمل المرأة وهل نجحت في ذلك يحدثنا السيد "معضاض فرزان" يعمل في مجال التأمين قائلاً: «دائماً كانت المرأة السورية أخت الرجال، وفي ظل الظروف الراهنة أثبتت أصالتها وكان لها دور مهم في كافة المجالات سواء داخل منزلها أو خارجه، فقد تمكنت من أخذ دور الرجل والمرأة بتربية أطفالها في ظل غياب الزوج لعدة أسباب، كما استطاعت أن تنزل إلى سوق العمل وتثبت نفسها في مجالات كانت حكراً للرجال، ولم تسمح لأي كان باستغلال ظروفها واعتبارها سلعة، وهناك نماذج كثيرة في مجتمعنا استطاعت المرأة من خلال عملها أن تصل بأطفالها ليكونوا مهندسين وأطباء ومنهم من يتبوأ مناصب عالية في الحكومة».

الدكتورة "رغداء الأحمد" عضو الاتحاد النسائي ورئيسة قسم المجتمع بمركز الدراسات القطري، تقول: «من المؤكد أن انعكاسات الأزمة من تفقير وتهجير، كانت على المرأة أشد وطأة وقوة، فهي تتحمل مسؤولية الأسرة بغياب المعيل، ومشاركة زوجها في الظروف الصعبة، وعليها أن تحتضن وتخفف من مرارة الظروف، كثيرات تجاوزن الوجع الشخصي وساهمن بتكوين تجمعات منتجة وسلع تبادلية، ومن المؤكد أن سلوكيات عديدة دخلت حياتها نتيجة تغير الظروف، فما كان عرفاً ملزماً أصبح متاحاً ومقبولاً على سبيل المثال: نوعية العمل وظروفه، فلم تجد المرأة حرجاً في عمل كانت ترفضه قبل الأزمة، وأنا على علاقة من خلال عملي بالمئات ممن استطعن أن يثبتن أنفسهن ويتفوقن في بعض الأماكن، وأعتقد أن جملة المهارات الجديدة والقدرة المكتسبة للسيطرة على الظروف المستجدة خلقت لدى المرأة وعياً جديداً نتج عنه معرفتها بإمكانيتها وكيف تستطيع استثمارها».