يعد موسم جني "اليانسون" في قرية "شمسين" من مواسم الخير التي يجتمع لأجله جميع أفراد العائلة، متجهزين بالوجبات التراثية والقصص والحكايات، لتمرير الوقت الطويل وتخفيف العناء.

مدونة وطن "eSyria" زارت بتاريخ 25 حزيران 2015، قرية "شمسين" التابعة لناحية "الطواحين" في "ريف القدموس"، والتقت المعمر "شاهر محمود زيدو" أحد مزارعي "اليانسون" في القرية، وهنا قال: «موسم "اليانسون" من مواسم الخير والعطاء التراثية التي اختصت بها قريتنا "شمسين" منذ عقود متعددة، لتظهر فيه قيمة المنتج البلدي وأهميته في الحالة المعيشية والاجتماعية، فلجنيه حالات موسمية اجتماعية، يعيشها أهالي القرية بتجدد دائم كل موسم.

ارتبط محصول اليانسون من خلال طقوسه التراثية بالرخاء الاجتماعي، نتيجة استخداماته التي أساسها صناعة عصير روح العنب أو ما يعرف بـ"العرق"، وهو مشروب روحي، لذلك نرى أن منتجيه يتمتعون بحس الفكاهة والمرح، فنراهم خلال مواسم العناية والجني ينسجون الكثير من القصص والحكايات عن مجريات العمل، ومنها على سبيل المثال أن فلاناً من الناس لا يعمل بقيمة كأسه من "العرق"

وهذه الزراعة مهمة في القرية من ناحية الاكتفاء الذاتي الذي يحققه للمزارعين لمتابعة حياتهم الاجتماعية بطريقة جيدة، وخاصة منه ما هو للاستعمال الشخصي من أجل صناعة عصير روح العنب، الذي يعد من الطقوس التراثية المستمرة حتى الآن، حيث يمكن القول هنا إننا نصنعه بكميات جيدة تكفي جميع أبناء القرية، ومنهم من يعدها تجارة موسمية يمكن الاعتماد عليها».

مرشد غانم

ويتابع المعمر "زيدو": «سعر الكيلوغرام الواحد منه حوالي 800 ليرة سورية، وهذا السعر المرتفع نتيجة الطلب عليه في مختلف القرى المحيطة بنا وحتى البعيدة، لكونه منتجاً محلياً "بلدياً" تفرد به أهالي القرية منذ عقود، ومعروف المصدر، أي إن الحالة الطقسية التراثية كانت سبباً من أسباب الطلب الجيد عليه.

ويزرع اليانسون مع بداية شهر شباط، بالطريقة التي يزرع فيها القمح، أي يرش مع عملية حراثة الأرض، وهذا في الوقت الحالي، أما سابقاً فكنا نرشه في الحقل بعد عملية الحراثة، ونعمد بعدها إلى قطع غصن من شجرة السنديان القوي لكل فرد من أفراد العائلة المساهم بالزراعة، لنمرره فوق البذار لتتم عملية طمرها بالتراب، أي بطبقة تراب خفيفة، وهنا نتحدث عن طقوس تراثية، هناك من لا يزال يمارسها حتى الآن.

حقول اليانسون

وبعدها بحوالي عشرين يوماً تقريباً وتزيد قليلاً، نقدم له رشة من السماد الكيماوي أو "السواد العربي" كعمل تراثي، وهذا يعتمد على الحالة المادية الاقتصادية للمزارع، حيث يكون له التأثير الإيجابي بنوعية وجودة المنتج».

لعملية الزراعة هذه طقوس تراثية كانت تمارس بوجه ثابت، ومنها بحسب قوله: «يعمد المزارع إلى عملية جمع "السواد العربي" من حظائره الخاصة، وينقلها على ظهر الدواب إلى مكان الحقل المزروع، لنقوم بعدها برشه بين النباتات، وباعتبار أن العملية صعبة نوعاً ما، كان جميع أفراد العائلة الكبير والصغير يجتمعون للقيام بهذا العمل، لأنه يحتاج إلى وقت وعدد حتى يتم، وكانت ربة المنزل تجهز وجبة الطعام لما بعد الانتهاء من العمل، وهنا كانت الأجواء تحلو ويطيب معها العناء والتعب بلمة أفراد العائلة على طبق الطعام، وكانت أبرز أنواع الطعام مكونة من مشتقات الحليب، كـ"الجبنة واللبنة والشنكليش أو الشنينة" التي تطفئ حرارة الأجواء خلال العمل».

المعمر شاهر زيدو

المزارع "أحمد حبيب" من أبناء وسكان القرية قال: «كان الأطفال واليافعون يتسابقون للقيام بعملية العناية بنباتات "اليانسون" للحصول على أكبر حصة من وجبة الطعام كمكافأة لهم، حيث التحفيز سيد العمل هنا، وهو الأمر الزراعي الذي ما يزال مستمراً حتى يومنا، باعتباره موسمياً، ويعد هذا المنتج "اليانسون" البلدي من أفضل الأصناف المطروحة في السوق، وينافس اليانسون الشامي، وله زبائنه، وكانت طرائق الحصول عليه تسمى بـ"مرط" أي الجني، لأنها تتم بواسطة اليدين العاريتين، وماتزال تراثية موسمية يتم التجهيز لها بكل عناية».

أما السيد "مرشد غانم" فقال: «ارتبط محصول اليانسون من خلال طقوسه التراثية بالرخاء الاجتماعي، نتيجة استخداماته التي أساسها صناعة عصير روح العنب أو ما يعرف بـ"العرق"، وهو مشروب روحي، لذلك نرى أن منتجيه يتمتعون بحس الفكاهة والمرح، فنراهم خلال مواسم العناية والجني ينسجون الكثير من القصص والحكايات عن مجريات العمل، ومنها على سبيل المثال أن فلاناً من الناس لا يعمل بقيمة كأسه من "العرق"».

وبالعودة إلى المعمر "شاهر" قال: «بعد موعد الزراعة في الحقل، يجب متابعة حالات البلوغ والنضج وتنظيف الحقل من الأعشاب الضارة، علماً أن عملية اقتلاع الأعشاب الضارة أو ما نسميها "العَود" هي عملية تراثية زراعية مهمة وضرورية، واعتدناها على الرغم من مشقتها، لتصبح الحقول نظيفة تماماً إلا من مزروعاتها، فتسهل مواسم جنيها ومرطها من التربة، وتتم هذه العملية ما بين شهري أيار وحزيران بحضور جميع أفراد العائلة، ضمن حالة اجتماعية مميزة يلهو خلالها الأطفال الصغار بين ربوع الطبيعة وهم يمارسون عملهم، حتى تمام الانتهاء، حيث لا يمكن لرب الأسرة وحده القيام به، لأنه يحتاج حينها إلى الكثير من الوقت».