تواجه المرشدة النفسية بالمدرسة إشكالية العلاقة السلبية مع الطلبة، لأن مجرد لقاء الطالب يعني إطلاق الشائعات حول معاناته وحاجته إلى المعالجة النفسية.

إن الخجل يسيطر على بعض الطلاب فيفضلون اللجوء إلى رأس الهرم بالكادر التدريسي على التوجه إلى المرشدة النفسية، وهنا قالت الطالبة "جودي علي" من طلاب الصف الخامس في إعدادية الشهيد "محمد حامد حسن": «في جميع همومي مع رفاقي وخاصة منها التحدي من أجل التفوق ألجأ إلى مدير المدرسة حالياً، ومديرة المدرسة عندما كنت في الصف الرابع، لأنني أراها أقرب إليّ رغم أن المرشدة النفسية رائعة في التعامل، ولكنني أخجل منها كثيراً.

يتهرب الطلاب من المرشدة النفسية خشية كشف الأسرار والخجل والخوف من التواصل مع الأهالي، وهذا يدفعني كمرشدة نفسية للذهاب إلى الحالة، فأغلب الطلبة يفضلون التعامل مع المجهول على وسائل التواصل الاجتماعي مثل: "واتساب"، أو "فيسبوك" للحفاظ على عدم ذكر أسمائهم، لكن مع الوقت يتبدد هذا الخوف ويتلاشى بمجرد رؤية العكس

ويمكن أن يكون هذا لعدم إدراكي لأهمية دور المرشدة في تشجيعي وتحفيزي على الجد والاجتهاد، حيث كنت أدرك أن المهمة هي من اختصاص المدرسين المباشرين بعلاقتهم معي والإدارة فقط».

خلال الاستماع إلى توجيهات المرشدة النفسية

فكثيرون من الطلبة يتهربون من الاعتماد على المرشدة النفسية، ولكن لبعض هؤلاء المرشدات تجارب جيدة وناجحة رغم الصعوبات التي تواجههم، وهذا ما أكدته المرشدة النفسية "عفاف إبراهيم" في مدرسة الشهيد "محمد حامد حسن" في قرية "خربة السناسل"، لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 4 أيار 2015، حيث تقول: «هناك نماذج متعددة من الطلبة، منهم المدلل كثيراً في المنزل، ومنهم الطالب "النزق"، ومنهم الطالب صعب المراس نتيجة البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها، وهنا يجب إدراك سبل التعاطي مع مختلف هذه النماذج، وبالنهاية قد نصيب وقد نفشل، فمثلاً أحد الطلاب في المدرسة توفيت والدته، وبناءً على هذه الحالة الإنسانية تعاملت معه معاملة خاصة، كي لا يشعر بفراغ عاطفة الأمومة، ونتيجة لذلك تولدت لديه حالة من الثورية على كل كلمة توجه إليه، ولم يعد يحتمل أي ملاحظة بخصوص دروسه أو تعاملاته مع رفاقه، وحين حاولت التواصل مع والده، أفرغ يديه من الأمر بحجة أنه لا يعلم كيف يتصرف معه، وهذا لا يعني أنه غير مكترث أو غير معني بالأمر، ولكنه لا يدرك السبيل إلى الحل، فأخبرته أن يتواصل باستمرار مع المدرسة ليرى ابنه أنه مهتم لأمره ومتابع لحياته بدقة وعناية كما كانت أمه مثلاً، ولكن لم أجد صدى لكل هذا، وهذه برأيي تجربة من تجارب التوجيه النفسي والإرشاد التي لم تلبِّ الضرورة والحاجة التي كنت أتمناها في الناحية التربوية التعليمية للطالب».

وقد كانت هناك حالات نجاح مميزة لدى بعض الطلبة بحسب قولها، نتيجة تدخلها كمرشدة نفسية، وهنا أوضحت: «التوجيه والإرشاد النفسي حاجة مهمة في حياة بعض الأشخاص؛ وخير دليل شخصية أحد الطلبة وهو الطالب "مجد عيسى" الذي كان صعب المراس وذا طاقة حركية كبيرة داخل الحصة الدرسية وخارجها بتعاملاته مع رفاقه، لكن شخصيته تبدلت إلى شخصية مختلفة تماماً متعاونة ومتصالحة مع ذاتها ومع الآخرين، بعد التحدث إليه والتقرب منه وسماع ما في داخله ومحاورته بما يرغب، وقد أدرك جميع الكادر التدريسي هذا التغير، ولكن هذا لم ينعكس على تحصيله العلمي، لأن قدراته محدودة ولم يرغب بتنميتها والاستفادة منها، ولم يتابع تعليمه فيما بعد، ولكن هذا التدخل كان إيجابياً في حالة أخرى عانت العنف الأسري وانعكس سلبياً على تحصيلها العلمي، وأضعف ثقتها بنفسها وقدراتها الفكرية، فأصبحت في أبسط العمليات الرياضية الحسابية تنتظر التأكيد على أن إجابتها صحيحة من أي أحد، وبعد أن تدخلت في مرحلة تحصيلها العلمي وأشعرتها بالعطف وعززت ثقتها بقدراتها، تغيرت الطالبة وأصبحت متوسطة القدرات التعليمية بعد أن كانت معدومة».

المرشدة سراب رقية

وتتابع: «أنا كمرشدة نفسية لا يحق لي فرض عملي وواجبي على أي طالب إن لم يطلب هو المساعدة في مشكلة ما، والأهم من هذا أن الأسرة والأهل هم بحاجة ماسة إلى توضيح الكثير من المفاهيم التعليمية والاجتماعية، وأهمها كيف يجب على الطالب احترام مدرسيه والمحيطين به ليكون طالباً جيداً محبوباً من قبل الكادر التدريسي، فالتربية المنزلية أساس في إنجاح العملية التعليمية والتربية الأخلاقية، وهذا ليتمكن المدرس من تقديم كل ما لديه».

أما الأستاذ "أحمد علي" فيرى أن القيمة المضافة للمرشد النفسي أو الاجتماعي تأتي من التعاون التام بين المدرسة والأسرة، وأوضح ذلك بقوله: «أصعب النماذج من الطلبة التي يمكن أن نلاحظها في العملية التعليمية الطالب المدلل في المنزل، الذي يشعر بأن جميع الكادر التدريسي وحتى رفاقه مجبرون بالتعامل معه وفقاً لرغباته وأهوائه التي اعتادها في المنزل، والطامة الكبرى إدراك الأهل لهذه القصة الحساسة واقتناعهم بصحتها وموضوعيتها في حياة ابنهم، بدليل أنه حين يتواصل المرشد النفسي مع الأهل لمحاولة المساعدة في تغيير تصرفات الطالب، يكون الجواب منهم أنهم مؤمنون بالتربية السليمة لابنهم».

في حين أن المرشدة النفسية "عفراء الدعبول" من ثانوية "العنازة" أوضحت سبب صعوبة التعامل مع الطلبة في مجال اختصاصها، فقالت: «يتهرب الطلاب من المرشدة النفسية خشية كشف الأسرار والخجل والخوف من التواصل مع الأهالي، وهذا يدفعني كمرشدة نفسية للذهاب إلى الحالة، فأغلب الطلبة يفضلون التعامل مع المجهول على وسائل التواصل الاجتماعي مثل: "واتساب"، أو "فيسبوك" للحفاظ على عدم ذكر أسمائهم، لكن مع الوقت يتبدد هذا الخوف ويتلاشى بمجرد رؤية العكس».

وتضيف: «يحتاج الطالب إلى الدعم النفسي في مرحلة المراهقة والتقلبات النفسية والتضاد واستكمال بناء الشخصية، لذلك لا بد من الإرشاد وفق حاجة الطالب وحالته، لأنه يعيش حالة قلق من المستقبل المهني والعلمي والمادي والاستقلال، وتتضارب هذه الأمور مع حاجته لإثبات الذات والرغبة والحب والاستقلال والتميز عن المجتمع، فيرغب بالاختلاف، وتجتمع كل الأمور في سنوات الدراسة الثانوية، فلا بد من المرشد للمساعدة في كشف الذات من قدرات وميول وإمكانات، والتنسيق مع الرغبات والهوايات والواقع.

فعملية الإرشاد تصطفي هذه الأمور وتدعم الطالب لنجاح العملية التعليمية والتقدم نحو المستقبل، ثم يساعد المرشد في عملية التخطيط للدراسة وتنظيم الوقت، ولكن متابعة الأمور النفسية للطالب وإقناعه بأن الخوف والقلق حالتان طبيعيتان ولهما وجه إيجابي ويمكن استثمارهما للنجاح، ولكل هذا تجارب وبراهين من حالات واقعية حدثت معي، وقد نخلق بتوضيحها وذكرها ردة فعل عن أصحابها».

وفي لقاء مع المرشدة الاجتماعية "سراب رقية" أوضحت بعض الفروقات بين الإرشاد النفسي والإرشاد الاجتماعي، فقالت: «الإرشاد الاجتماعي يُمارس مع الحالات التي تكون فيها المعاناة من المشكلة متوسطة وخفيفة، في حين الإرشاد النفسي يُمارس مع الحالات الأكثر معاناة والأكثر صعوبة والمزمنة، والإرشاد الاجتماعي يتميز بتركيزه على مصادر القوة في شخصية المسترشد أكثر من معرفة الأمراض السلوكية التي يعنى بها الإرشاد النفسي، والمرشد الاجتماعي يمارس عمله في الحلقة الأولى للتعليم الأساسي، والمرشد النفسي يعين في الحلقة الثانية والثانوية، إضافة إلى أن الإرشاد الاجتماعي يشمل عدة نواحٍ مثل شخصية المرشد والأسرة والبيئة الاجتماعية المحيطة به، في حين الإرشاد النفسي يتركز أساساً على شخصية الفرد، ويختلفان بالخلفية التعليمية ونوعية التدريب والممارسة، حيث قد يكون المرشد الاجتماعي دارساً للخدمة الاجتماعية أو لعلم الاجتماع أو لعلم النفس الاجتماعي، في الوقت الذي يشترط أن يكون المرشد النفسي أحد المتخرجين في علم النفس أو الإرشاد النفسي».