نستذكر مع كل طقس تراثي اجتمع أبناء الريف الساحلي للقيام به حكايات وأغاني الفرح، ومنديل الحرير "المسلوبة" بحياكته وارتدائه في تلك الطقوس، التي تناقلتها الأجيال السابقة وما زالت تذكرها الأجيال الحالية.

فمنديل الحرير "المسلوبة" زينة الجدات المعمرات اليومية في وقتنا الحالي، وتتزين به شابات الريف مع كل مناسبة تراثية، والحرفية "جمانة إبراهيم" من مدينة "الشيخ بدر" لا تنفك أن ترتديه في كل معرض أو مهرجان تراثي، وهنا تقول لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 30 نيسان 2015: «أحب منديل "المسلوبة" وأشعر وأستذكر جمالية الطقس التراثي الذي رافق حياكته، وأرتديه مع بقية الزي الريفي في كل مهرجان تراثي أشارك به كعاملة بحرفة صناعة القش والخيزران، لأنه جاذب للحضور، ولافت لنظر الكثيرين من هواة ومحبي ومختصي التصوير الضوئي، إذاً كما اجتمعت سيدات الريف على العمل به وحياكته، يجتمع عشاق التراث لرؤيته والتمتع به».

بداية يحاك منديل "المسلوبة" على النول، حتى يصبح قطعة نسيج واحدة، وتحاك أطرافه بالصنارة، علماً أن هناك مناديل مشغولة بالصنارة بالكامل، وهي تحتاج إلى وقت كبير وجهد من العامل بها، لذلك يكون سعرها متميزاً عن المنديل المحاك على النول

وهذا المنديل "المسلوبة" كما دلت جميع الأحاديث والروايات المنقولة بالتواتر، نشأ ووجد مع وجود تربية دودة القز، وهنا تقول الحرفية "روجيه إبراهيم" العاملة بحرفة شرانق الحرير عن أهميته: «إن أهمية منديل الحرير "المسلوبة" تأتي من تعدد مراحل العمل اليدوي الداخلة فيه، التي بدأت مع بدايات تربية دودة الحرير نتيجة الحاجة إليه والتزين والترف به، وكانت هذه المراحل من اختصاص الفتيات والنساء مجتمعات في طقس تعاوني مرح، فبعد صناعة القطعة النسيجية وفق مقاسات شبه محددة تقريباً، وهي في الأغلب نحو مترين للطول وخمسة وثلاثين سنتيمتراً للعرض، كقطعتين منفصلتين محاكتين على النول أو بواسطة الصنارة وموصولتين بالمنتصف، يقمن بحياكة الأطراف يدوياً بواسطة الصنارة لمسافة حوالي عشرة سنتيمترات، بشكل مزخرف يعطي جمالية خاصة للمنديل، ويعرف هذا المنديل بمنديل "الفجتين" أي القطعتين، أما المنديل الآخر ذو الفجة الواحدة فيكون طوله نحو متر وربع المتر، وعرضه حوالي أربعين سنتيمتراً كقطعة واحدة».

روجيه إبراهيم ترتدي "المسلوبة"

وتضيف: «اختلفت مقاسات منديل الحرير "المسلوبة" بحسب من ترتديه، حيث إن طول مسلوبة الفتيات وهو خاص للعنق فقط نحو 175 سنتيمتراً، وعرضها نحو خمسة وثلاثين سنتيمتراً، أما طول مسلوبة السيدات وهي خاصة للرأس والعنق معاً فنحو 175 سنتيمتراً، وعرضها حوالي سبعين سنتيمتراً».

وتختم حديثها بتوضيح الطقس الاجتماعي المرافق للعمل اليدوي، فتقول: «تجتمع الشابات العاملات بالحرير، ويقضين أوقات فرحة خلال العمل، تنطلق معها حناجرهن بالأهازيج والأغاني التراثية كـ"الدلعونة والميجانا"، لذلك نشعر بالدفء والمحبة بملمس هذا المنديل، ونستذكر الحياة التراثية وطقوسها فيه، وكأنه يروي قصص وحكاية الزمان والمكان».

المسلوبة

والحرفية "جمانة حرفوش" المتزينة دائماً بمنديل "المسلوبة" ترى أن هناك لغطاً كبيراً عند بعضهم بين ما يسمى منديل "المسلوبة" وما يسمى خيوط الحرير "الليسينة"، وهنا قالت: «وفق معلومات سمعتها من معمر يبلغ من العمر حوالي تسعين سنة، عمل والده سابقاً بمختلف جوانب الحرير، أن "الليسينة" هي خلاصة شرانق القز الصغيرة، أي إنها ذات خيوط غير جيدة النسج كما بقية الشرانق، ويتم التعامل معها بهدوء خلال مراحل الحل، لأن خيطها يكون متقطعاً ولا يشكل خيطاً واحداً، لذلك يعمل العامل بحل هذه الشرانق إلى وصلها بعضها مع بعض خلال حلها وتشكيل شلة الحرير منها لتقوم النساء العاملات بغزل الحرير لاحقاً بواسطة المغزل الخشبي لتتكون "كبة" الحرير الجاهزة للنسج منها، ويمكن أن يستخدم هذا الحرير لحياكة أطراف المنديل أو ما يعرف بالعراقية أو حتى حياكة منديل صغير، ولكنه ليس بجودة منديل "المسلوبة".

والمشكلة هنا أن بعضهم وصلت إليهم معلومات أن منديل "الحرير المسلوبة" هو من خيوط "الليسينة"، وهذا كلام غير صحيح أبداً لأن "المسلوبة" مصنوعة من شرانق الحرير الممتازة، التي تشكل بعد غزلها خيط حرير واحداً عريضاً متميزاً، وبعد حياكتها كمنديل أنيق جميل القوام يشبه قوام الفتاة الممشوق».

جمانة إبراهيم ترتدي "المسلوبة"

وتتابع: «بداية يحاك منديل "المسلوبة" على النول، حتى يصبح قطعة نسيج واحدة، وتحاك أطرافه بالصنارة، علماً أن هناك مناديل مشغولة بالصنارة بالكامل، وهي تحتاج إلى وقت كبير وجهد من العامل بها، لذلك يكون سعرها متميزاً عن المنديل المحاك على النول».

وعن استخدامات منديل الحرير "المسلوبة" وأهميته بالنسبة للمرأة الريفية، قال "مجاهد جحجاح" المهتم بالتراث: «استخدم منديل "المسلوبة" كغطاء لرأس النساء الريفيات، حشمة للسيدات وزينة للشابات، وأذكر أن والدتي كانت تجيد حياكته بحرفيه عالية، حيث كانت تشتري لأجله بيوض دودة القز بالمبادلة بالبيض أو الزيت أو السمن العربي، وكانت تضع البيوض ضمن صدرها لتعطيها الدفء اللازم لتفقيسها، وهذا دليل واضح على ضرورة الحصول عليه واقتنائه».

وفي لقاء مع الباحث التراثي "حسن اسماعيل" قال: «سمعت من القدامى روايتين حول تسمية منديل الحرير بـ"المسلوبة"، الأولى تقول إن تسميتها جاءت نتيجة خيط الحرير المسلوب سلباً من الشرنقة، وعلى هذا الأساس سمي المنديل الناتج عن حياكتها "منديل حرير المسلوبة"، كدلالة على جودة ونوعية خيط الحرير الممتاز، وهو من أفضل الشرانق، أما الرواية الثانية فتقول إن تسمية "المسلوبة" جاءت من أناقة منديل الحرير المحاك يدوياً بواسطة الصنارة، أي إن الدور الأساسي للتسمية هو قوام المنديل من دون التطرق إلى جودة الخيط الحريري.

وأنا شخصياً أرى أن الفصل بين الروايتين يبعدنا عن المعنى الحقيقي للتسمية؛ الذي يجب أن يبدأ بخيط الحرير وينتهي بالمنديل الحريري الناتج عن حياكة هذا الخيط، ويجب ألا ننسى الطقس الاجتماعي الذي يرافق عملية الحل والحياكة، وهو طقس التعاون والفرح بالإنتاج الجيد ذي الرواج والطلب الكبير».