الأمثال الشعبية، أحاديث الجدة والحلاقين، نوادر أهل زمان، هي "حكايا الزواريب"، والسجل الشعبي الشفهي لتاريخ الأجداد، مقرونة بزواريب القرية وأزقتها.

ارتبطت قصص الأجداد وأخبارهم بأزقة قراهم ارتباطاً وثيقاً، باعتبارها الأماكن الأكثر حميمية التي اجتمع فيها الناس وتبادلوا أخبار زمانهم، وما تناقلوه عن أحاديث أسلافهم، وفي ذلك يقول الموسيقي "عمار محمد" من قرية "جنينة رسلان" قضاء مدينة "الدريكيش": «تمثل "حكايا الزواريب" قصص الناس والأحداث التي تجري معهم "المرح، الحزن، المفارقات الحياتية"، وأخبارهم التي يتناقلونها، وأحياناً هناك قصص حزينة ضمن الفرح وقصص مفرحة ضمن الأحزان، مجموع هذه القصص تنسج عبر الزمن كماً هائلاً من التراث الاجتماعي الذي يعد نتاج تفاعل المجتمع وعلاقاته الإنسانية.

تمثل "حكايا الزواريب" قصص الناس والأحداث التي تجري معهم "المرح، الحزن، المفارقات الحياتية"، وأخبارهم التي يتناقلونها، وأحياناً هناك قصص حزينة ضمن الفرح وقصص مفرحة ضمن الأحزان، مجموع هذه القصص تنسج عبر الزمن كماً هائلاً من التراث الاجتماعي الذي يعد نتاج تفاعل المجتمع وعلاقاته الإنسانية. وقد أسميتها "حكايا الزواريب" لأنها تشبه حكايات الجدات اللواتي يجلسن بجانب جدران بيوتهن العتيقة لتبادل الأحداث وروايتها، فشبهت "الزواريب" بتلك الجدات، فكما الجدة تمثل التراث والتاريخ، فإن للزواريب صدى يعكس نشاط الأجداد وحركة مجتمعهم

وقد أسميتها "حكايا الزواريب" لأنها تشبه حكايات الجدات اللواتي يجلسن بجانب جدران بيوتهن العتيقة لتبادل الأحداث وروايتها، فشبهت "الزواريب" بتلك الجدات، فكما الجدة تمثل التراث والتاريخ، فإن للزواريب صدى يعكس نشاط الأجداد وحركة مجتمعهم».

"يونس ملحم"

من جهتها كانت مدونة وطن "eSyria" قد لبت عبر "فريقها الاستكشافي" دعوة السيد "عمار محمد" مشرف مجموعة "زواريب جنينة رسلان" الأهلية بتاريخ 27 شباط 2015، للاطلاع على مشروع حفظ زواريب وأزقة القرى من الاندثار أمام زحف الحضارة، الذي بدأ من قرية "جنينة رسىلان"، التي تعج بالزواريب التراثية وتحتاج إلى من يحافظ عليها، وقد رافقنا في هذه الجولة عدد من الأصدقاء المهتمين بحفظ التراث.

استمدت "حكايا الزواريب" قيمتها من الصورة الدقيقة التي تعطيها عن المجتمع الذي أنتجها، فهي التسجيل غير المقصود للتاريخ الإنساني، ومنها يمكن بناء صورة أكثر واقعية عن الواقع الاقتصادي الاجتماعي لأي مجتمع نحتاج إلى دراسته، أو إعادة إنتاجه درامياً، وفي سرد لبعض الأمثلة عن هذه الحكايات يقول السيد "عمار": «لاحظوا معي كمّ الأفكار التي يمكن استخلاصها عن الواقع الاجتماعي من عبارات كانت متداولة يومياً على ألسنة أهل القرية فتقول إحداها مثلاً: "روحي يا بنت جيبيلنا جمرة من عند جارنا لنشعل النار"؛ أي إنه قد يرسل أبناءه إلى الحارة المجاورة ليستعير "جمرة نار" ليشعل بها موقد البيت، أو مثلاً يقال في قريتي: "نفدت من زواريب عين زغيري، بتنفد من زواريب بيت راجحة"، وهي حادثة في زواريب قريتنا صارت مثلاً شعبياً في المنطقة لدينا، وإذا حللنا هذه الأمثلة سنجد أفكاراً كثيرة تخص المرحلة التي حدثت فيها "طبيعة الأدوات المستخدمة، طبيعة الناس، وطريقة تناولهم لشؤونهم اليومية..."؛ من هنا نجد أن كل مرحلة تاريخية شهدت مجموعة من القصص سجلت أحداثها، هي بالضبط فكرة "حكايا الزواريب"».

"الزواريب"

اختلفت أحداث كل مرحلة تاريخية قصيرة كانت أم طويلة بطبيعة الحياة المتغيرة والمتطورة، ومن هنا جاء الغنى بالروايات والأخبار الناتجة عنها، وعن هذه الفكرة يتحدث أيضاً "عمار محمد" بالقول: «ارتبطت قصص المجتمع بكل مرحلة تاريخية حدثت فيها تغيرات معينة، وخاصة في القرن الماضي حيث بدأت منتجات التكنولوجيا الحديثة الدخول إلى مجتمع القرية، فمثلاً مع دخول الهاتف الآلي إلى القرى بدأت بعض "النوادر" تظهر مثل: "بتشرب متة أو بتحكي عالهاتف"، وهذه للدلالة على حداثة وقيمة دخول الهاتف مقارنة بمشروب هو الأهم كتقليد اجتماعي، وعند دخول التلفزيون كانت تشهد تلك الزواريب وجلساتها الاجتماعية إعادة سرد ما تابعه الناس من برامج التلفاز مع إضافة نكهتهم الخاصة إليها، مع ما تشهده يوميات الناس من أخبار ونسج قصص عن كل ليلة اجتمعوا فيها وشاهدوا برنامج ما، وبطبيعة الحال مجتمع القرية لدينا محب للفرح والمزاح، بالتالي تنتج عنه كثير من الأحداث نتيجة تفاعله الكبير، وحتى اليوم مع تغير حياة الناس وفقد تلك الحالة التي وصفناها عن اجتماعهم في بداية حديثنا، لاتزال اجتماعاتنا العصرية تحمل شيئاً من طابع الزواريب، فأي اجتماع يضم عدة أشخاص تلاحظ أن في حديثهم نقلاً لتلك الحالة التي نسميها التدوين الشعبي لأحداث المجتمع».

يعد التدوين أو إعادة إنتاج الحالة التراثية الاجتماعية قضية متعددة الأساليب، سواء عبر التدوين المكتوب، أو الإنتاج الدرامي التلفزيوني، وحتى بإعادة إنتاج مكونات التراث التي كانت جزءاً من تلك الحالة الاجتماعية الاقتصادية في مجتمع القرية، ومن أمثلة ذلك تجربة "يونس ملحم" المعروف بـ"أبولياس" من قرية "جنينة رسلان" الذي قال: «تجتمع في زواريب قريتنا المكونات التراثية المادية واللا مادية، التي تمثل بتفاعلاتها ما نطلق عليه هنا "حكايا الزواريب"، وقد عمدت إلى إعادة إحياء عناصر كثيرة جداً من تراث أجدادنا، وعملت من جهتي على استثمارها للجذب السياحي، فكل رواية أو حكاية قديمة لا بد أن يكون هناك عنصر مادي قد رافقها أو كان موجوداً في مكان حدوثها، فجمعت أكبر قدر ممكن من مكونات تراث منطقتنا الساحلية، ثم اتجهت بعد ذلك إلى إنتاج الأدوات التراثية التي لم أعد أجد مثيلاً لها، وذلك بأدواتي الخاصة، بدءاً من ملعقة الخشب إلى شوكة الطعام، وبعض أنواع الصحون والقدور، وأدوات الزراعة...، فأصبح مطعمي التراثي مثل معرض دائم، يمكنكم فيه التعرف وتعليم الأجيال القادمة كل تفاصيل تراث أجدادنا، من خلال اربط بين القصص المتناقلة والأجواء المادية التي كانت محيطة بها».

"عمار محمد"

تغيرت قصص "الزواريب" وبدأت التفكك عن الشكل التقليدي التاريخي لها حين دخل التلفزيون وما تلاه من إنجازات في عالم الاتصال والتواصل، حيث أشار السيد "عمار محمد" إلى قلة التواصل الاجتماعي التقليدي الذي نتج عن هذه التغيرات، وأثر بالتالي في الحالة التقليدية التي كانت الأزقة أساساً لها لتصبح أماكن أخرى عامة أو خاصة بدلاً منها.

بالمحصلة يمكننا أخذ دلالات وإشارات غاية في الدقة عن المراحل التاريخية التي عاشها مجتمعنا المحلي، بدءاً من مرحلة الإقطاع، ثم في ظل الاستعمار والتحرر منه لاحقاً، وصولاً إلى مرحلة التناقضات السياسية، ثم دخول التكنولوجيا وغيرها الكثير من المجريات التي يمكن عبر "حكايا الزواريب" توثيقها والتعرف إلى طبيعتها وطبيعة المجتمع الذي عاشت وسطه.