مرات عدة نزور فيها الصراف الآلي كل شهر، لاستلام الراتب الشهري، ولنمتع حواسنا به عدة أيام قبل بدء توزيعه على محال البقالة والملابس، وكوّات الخدمات الكهربائية والهاتفية والمائية والخلوية.

حقيقة، الضغوط النفسية من زحمة الصرافات الآلية أحياناً، وعدم توافر الخدمة الإلكترونية أحياناً أخرى، وانقطاع التيار الكهربائي في معظم الأوقات، هموم معقدة جداً لن يدركها ويتحدث بها للأجيال القادمة إلا من عايشها وغاص في بحور انعكاساتها النفسية والجسدية، ولكنها أهون ما تكون على الموظف المتقاعد "عزيز محمد"، الذي لا يكفيه راتبه الشهري إلا لسداد ديون الشهر الذي نال قسطاً من العيش خلاله، وهنا قال لمدونة طن "eSyria" بتاريخ 2 آذار 2015: «بما أنني موظف متقاعد من وظيفتي أبدأ زيارة يومية إلى جميع الصرافات الآلية في مدينة "بانياس" مع بداية الثلث الثالث من كل شهر، لأتأكد من تحويل الراتب خاصتي والبالغ حوالي خمسة عشر ألف ليرة سورية، فهناك من ينتظرني لسداد ما ترتب عليّ من ديون مالية استهلكتها وأسرتي الصغيرة في الثلثين السابقين من الشهر.

أنا كموظف ومزارع في حقلي الزراعي لا أكترث كثيراً بأول الشهر أو منتصفه، لأني أحقق حالة من التوازن فيما بينهما من خلال إدراك ما لي وما عليّ، ولكن من المهم جداً خلق حالة توازن بين الدخل الشهري "الراتب" والمصاريف اليومية، فهي سبيل العيش الكريم، وهنا أقول لا يوجد فرد من ذوي الدخل المحدود وسواهم لم يبحث عن العمل الإضافي في أكثر من مجال ليحقق حالة التوازن هذه

وتبدأ مرارة التحسر عليه بعد عدة أيام من استلامه، وبالتحديد عندما تبدأ فواتير الخدمات الحكومية الصدور، وأهمها وأعقدها فاتورة المياه التي لا تصلنا بشكل جيد، ناهيك عن فاتورة الكهرباء التي تصدر بناءً على أخلاقية قارئ العدادات، وهنا أقصد أن هذا القارئ لا يكشف على عداد الساعة، وإلا لما صدرت فواتير فيها تراكمات، تضطرنا حينها للاستدانة لتسديدها قبل أن يقطع النور عنا وبسهولة».

المهندس رفعت عطا الله

المهندس "رفعت عطا الله" يؤكد رغم ارتفاع سقف راتبه الشهري لكونه مهندساً، إلا أنه لا يكفيه، ويضطره للعمل بعد دوامه الوظيفي، وهنا يضيف: «هنا تلعب الخبرة في إدارة المصاريف الشهرية دوراً أساسياً في استمرار الحياة الكريمة، فهي يجب أن تكون محسوبة مسبقاً قبل استلام هذا الراتب، إضافة إلى أنه يجب عليّ الاعتماد على عمل آخر بعد العمل الوظيفي كالإشراف وما يوازيه من الأعمال الزراعية.

وبصراحة مطلقة لا يمكن أن تحتسب أجورنا الشهرية أجوراً في زمن الأزمة والغلاء، لأننا نتعرض فيه لضغوط كبيرة تتحكم بكل شيء وفق منهجيات معينة، وهذا الضغط يشمل قطاعات الدولة الرسمية التي لا تتمكن من مواكبة الغلاء برفع قيمة الأجور الشهرية بما يتناسب مع الغلاء الفاحش، ومع ذلك لا بد من أن تتناسب الزيادة بالأجور مع هذا الغلاء في الأسعار».

المهندس رئبال خضر

ويتابع: «أنا كموظف ومزارع في حقلي الزراعي لا أكترث كثيراً بأول الشهر أو منتصفه، لأني أحقق حالة من التوازن فيما بينهما من خلال إدراك ما لي وما عليّ، ولكن من المهم جداً خلق حالة توازن بين الدخل الشهري "الراتب" والمصاريف اليومية، فهي سبيل العيش الكريم، وهنا أقول لا يوجد فرد من ذوي الدخل المحدود وسواهم لم يبحث عن العمل الإضافي في أكثر من مجال ليحقق حالة التوازن هذه».

أما المهندس "رئبال خضر" الموظف ضمن قطاع التربية، والمستأجر لمنزل صغير يأويه وأسرته، فقال: «لا يكفي الراتب الشهري للعيش الكريم لأن متطلبات الحياة أكبر من قيمة الراتب، وخصوصاً مع حالة الغلاء المضطرب والمتزايد في الارتفاع، ناهيك عن غلاء إيجارات المنازل التي تحتسب مقطوعة من الدخل الشهري باستمرار، أي لا يمكن الاقتراب من حصة إيجار المنزل لأي حالة طارئة مهما كانت حتى المرضية، وإلا سنجد أنفسنا في الشارع بأقرب فرصة.

وفي النهاية الراتب الشهري أفضل من لا شيء، والمفترض ألا يتوقف الفرد عن حالة التماشي والتماهي مع الغلاء، ويجب عليه أن يسعى دائماً إلى التحسين بالعمل الإضافي مثلاً، وهو مهم جداً لذوي الدخل المحدود أي للموظفين. وخلق حالة من التوازن بين المدخول الثابت والمصروف غير الثابت، وإلا سيصل إلى مرحلة ينتهي فيها الراتب في أول أيام الشهر لينهي بقية أيام شهره بالاستدانة من هنا وهناك، وهذا غير منطقي، وبالنسبة لي أرسم خارطة المصروفات وأنفذها بكل دقة، مع احتساب شيء لأمور الطوارئ والمرض».