أن نمتلك ثقافة الشكوى أمر يحتاج إلى مقومات، منها الوعي والحس بالمسؤولية، وامتلاك هذه المقومات قد يؤدي إلى إطلاق مبادرات فردية تقدم الحلول الجذرية، بعيداً عن السلبية.

فليس المهم أن نبقى نشتكي وأن نبقى سلبيين، بقدر ما هو مهم إدراك قيمة الحلول الجذرية للشكوى، والناتجة عن رؤى وآفاق وليدة الواقع، فالشاب "مهند حسن" الطالب الجامعي، يعتمد على ذاته في تأمين مصروفه في كلية الهندسة الزراعية، وكانت له مبادرة جيدة إيجابية في هذا الجانب من حياته، أمنت له المصروف الجامعي، فاستعاض به عن المصروف الأسري الضعيف أساساً، وهو ما أراح والده وأزال كربته، وهنا قال: «أنا كشاب في مقتبل العمر، تعترضني الكثير من الصعوبات، وخاصة منها ما يتعلق بتأسيس المستقبل، ولكن مع كل هذا لا أحب الشكوى أو التصريح لأحد بها، وذلك لعدة أمور أهمها أن الطرف الآخر قد لا يفهم أو يشعر بمعاناتي أو همومي، أو قد لا يتقبل موقف الشكوى إن كان لا يعنيه الأمر في جانب من الجوانب.

أن تسليط الضوء على المشكلة في هذا الزمن أمر مهم جداً للحلول الجذرية لها، التي ستريحنا من هموم وأعباء الشكوى مستقبلاً

وقد أكتفي بمقترحات الحلول من الشخص المشتكى إليه، ولكن المهم هنا إدراك هذه الثقافة في تقديم الشكوى ولمن يجب تقديمها لأحصل على القيمة المضافة من الشكوى وهي الحل، وهذا يجب تعميمه لنمتلك ثقافة الشكوى بكل ما فيها من مفردات ومقومات ونتائج مرجوة، وهذا لمن يحب ويرغب الشكوى».

محمود درويش

أما الشاب "علي منصورة" سنة أولى حقوق فقال: «الكثير من الضغوط المادية والمعنوية اعترضتني وملأت قلبي هماً، ولكني تريثت كثيراً في المبادرة بالشكوى، حتى أدركت أن الشخص الذي سأقدم له شكواي صاحب قرار وحل لها، لأني أرى أن هذا الشخص قد يكون معنياً بالأمر، إذاً هو جزء من الشكوى بالنسبة لي، لذلك كان جزءاً من الحل السليم والجيد لها.

وهنا الكثير من الأمور يجب مقاطعتها بعضها مع بعض قبل تقديم الشكوى، أهمها قوة الشخصية بمختلف جوانبها الفكرية والثقافية والإيمانية، لأن في هذا برأيي حفظ لماء الوجه في بعض الأحيان، حيث إنه بمجرد التفكير بالنتائج السلبية من الشكوى الخاطئة، قد يعمل الطاقات التحفيزية الداخلية للفرد فيبدع مبادرة تساهم في الحل، وهذا أمر حدث معي، فبدل الشكوى المستمرة من قلة المصروف الجامعي خاصتي، بادرت للعمل والإنتاج، لأني مدرك بأن شكواي لن تجدي نفعاً، وهذا ليس تقليلاً من قيمة أحد وإنما تحفيزاً للقدرات».

علي منصورة

وفي لقاء مع السيد "محمود درويش"؛ "معقب" معاملات قال في توضيح امتلاك ثقافة الشكوى: «لا أعتقد أن أحداً من أبناء بلدي لا يمتلك ثقافة الشكوى، ولكن ينقصنا ثقافة الاستماع إليها، والعمل على حلها بالطرائق المناسبة والحلول المرضية لله، والمناسبة للمصلحة العامة، وهذا إن لم يتحقق فأنا لست بوارد تقديم الشكوى مرة أخرى، فالكثيرون من الناس اشتكت مرات عدة ولكن دون وجود آذان مصغية، وهذا أدى إلى الملل والتراجع عن الشكوى».

ويتابع في توضيح حل جيد وبديل للشكوى الفاشلة فيقول: «الحل برأيي الإعلام، أي يجب أن تكون الشكوى أمام الإعلام بمختلف تصنيفاته، وهو ما يعني أن الجميع سيستمعون لها، ويبادر أصحاب القرار بإيجاد الحلول المناسبة والفورية لها، وهنا يجب تخصيص برنامج خاص بموعد خاص يتلقى شكاوى المواطنين، ويتواصل مباشرة مع أصحاب القرار، لإيجاد الحلول السريعة والجذرية غير الحلول الإسعافية التي مللناها».

رئبال خضر

ويرى السيد "محمود" أن هناك مقومات للشكوى، أهمها أن تكون عامة، وهنا قال: «عندما أعجز عن الوصول إلى حقي لا يبقى أمامي سوى الشكوى الرسمية، ويكون هذا نتيجة فشل جميع الخطوات التي تسبقها، فمثلاً عندما أقف في الدور للحصول على "ربطة" الخبز، وألاحظ وجود منفذ خاص بأصحاب الشأن والواسطات، هنا يجب عليّ الشكوى، ويجب على المعنيين الاستماع إليها وإيجاد الحلول لها، لأن القضية عامة ولا تحتمل الانتظار، والفشل فيها يزيد الأمر سوءاً، من منطلق أن الشكوى جزء من الحل، وإلا ستكون جزءاً من المشكلة، فيتمادى الكثيرون للحصول على الخبز أمام المنتظمين والملتزمين بالدور، وهو ما يساهم بقهرهم وشعورهم بالظلم».

ولكن الظلم والقهر نتيجة احتقان الشكوى لدى السيد "محمود" ورفاقه في مهنة "تعقيب" المعاملات، ولد مبادرة ناجحة، وعنها قال: «منهم من قال إن البديل الحقيقي للشكوى هو الرشوة، ولكن بالنسبة لنا وضمن مهنتنا تعقيب المعاملات وما تشوبها من ظلم وسوء معاملة نتلقاها، وحالات الابتزاز التي نتعرض لها من قبل بعض الموظفين، قررنا إلزام الجميع بتمرير المعاملات بصورة قانونية، ولو كان هذا على حساب الوقت الذي ينشده المواطن، وطبقنا هذا الأمر لمدة أسبوع، ولكن النتيجة كانت أن أغلب "معقبي" المعاملات لم يستطيعوا تحمل بطء سير المعاملات، فقرر بعضهم التراجع عن هذه المبادرة، وقررت التوقف عن تسيير المعاملات والبقاء في المكتب لبيع الطوابع وتصوير الأوراق فقط».

أما المهندس "رفعت عطا الله" من "مديرية زراعة طرطوس" فقال: «الشكوى بالعموم تصدر من شخص ما نتيجة ضغوط معينة، وفي هذه الفترة من حياتنا العامة، الجميع مضغوط ولديه شكاوى كثيرة، ولكن لا أحد يدرك من الجهة المخولة التي يجب أن تستلم الشكوى، لذلك أرى أن الشكوى لغير المعني تعد نوعاً من تخفيف الهموم ليس أكثر، ولكن يمكن اعتبار هذه الخطوة، أي امتلاك ثقافة الشكوى، خطوة جيدة على الصعيد العام، وبادرة خير يمكن التأسيس عليها مستقبلاً لتحقيق حلول إيجابية».

في حين أن المهندس "رئبال خضر" الموظف في مديرية التربية، أكد: «أن تسليط الضوء على المشكلة في هذا الزمن أمر مهم جداً للحلول الجذرية لها، التي ستريحنا من هموم وأعباء الشكوى مستقبلاً».