يتأخر بعض الشباب في الزواج نتيجة معوقات كثيرة، ومنهم من تجاوزها وراثياً ولم يقدم على هذه الخطوة، ولكن الوصول إلى سن التأهل الاجتماعي يفرض واقعاً تغير ونتائج متغيرة.

إن تحديات الزواج كثيرة، يقابلها تحديات التأخر في الزواج، فما على الشباب إلا الغوص والمغامرة أو القبول بالنتائج العكسية، إذاً هما أمران أحلاهما مرُّ، وهنا يقول السيد "تمام زينو" لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 25 كانون الثاني 2015: «إن توافر القدرة المادية لدى الشاب التي هي أساس بناء علاقة عاطفية سليمة ستنتهي إلى الزواج، وأمر مهم جداً في العرف الاجتماعي ضمن البيئة الاجتماعية التي نعيش فيها، حتى إنها أصبحت ثقافة يتحدث بها الجميع، لأن تكاليف الزواج كبيرة جداً بالعموم، فكيف إذاً في ظل هذه الأزمة الخانقة وغلاء الأسعار، حيث إن منهم من يدخل سن الرشد والتأهل الاجتماعي فيجد لديه رصيداً مالياً وسكنياً واجتماعياً موروثاً أو من تعبه، فيندفع للزواج وتكوين الأسرة في وقت مبكر، وهذا ما حدث معي شخصياً، لكن منهم من يتروى ولا يندفع لأعذار كثيرة غير مكترث بالنتائج مهما كانت.

مقومات الزواج الصعبة يمكن مواجهتها بالتخلي عن بعض المقومات الكمالية لتأسيس المنزل، التي أصبح سعرها يقاس بالدولار بمختلف تصنيفاتها

وبالنسبة لتجربتي بالزواج المبكر فقد كانت فاشلة بمختلف جوانبها، ولم تدم أكثر من ثلاث سنوات، لأن تقييمي للأمور كان على الأساس العاطفي فقط، حيث توفر لي عمل منتج وجيد، وكانت القيمة الشرائية لليرة السورية مرتفعة، أي إن تكلفة الزواج لم تتعدَّ 500 ألف ليرة سورية، على عكس الوقت الراهن الذي أصبحت فيه تكلفة أبسط زواج وأبسط مقومات تفوق المليونين».

التهليل للمتزوجين في سن مبكرة

ويتابع السيد "تمام": «الآن الأسعار أضعاف مضاعفة عن الأسعار في السابق، وكان المحتاج يسعى إلى تحقيق توازن بين حاجياته ومتطلباته وبين إمكانياته عبر القروض أو الجمعيات المالية فيما بين الأفراد، أما في هذه المرحلة فقيمة القروض لا يمكن أن تحقق له هذا التوازن لضعف قيمتها مقارنة مع القيمة الشرائية التي يمكن أن تحققها، وهذا ساهم بضعف الإقبال على الزواج».

أما المهندسة "ذرى سويدان" فقالت: «همومنا ومشكلاتنا واحدة، وهذا جعل من التجارب عامة وليس خاصة، فمنهم من يرى في الزواج حالة من الاستقرار، وآخر يراه تجربة جديدة، وغيره يراه قدراً لا بد منه لاستمرارية الحياة، وأنا لم أتجرأ حتى الآن على السير في هذا الطريق، لأنني أخاف من الخيار الخاطئ.

من حفل عرس ريفي

وبالعموم أهتم بالقيمة العقلية للشخص الذي أرغب في الارتباط به، حتى إنني لا أنظر إلى التحصيل الأكاديمي بكل جدية، وإنما أهتم بالناحية الثقافية له، لأكون ممنونة للقدر لهبته لي، لأني سريعة في التخلي عن هذا الارتباط إن لم يحدث التوافق التام وحالة من السعادة والحب، لذلك أنا متريثة في الارتباط والزواج».

وتتابع: «أتمنى أن نعود إلى حالة الالتزام بأخلاق الدين وكلمة الحمد لله، بعيداً عن الشرور والتسلف والتكلف والتقليد، حرصاً من الوصول إلى الهاوية، لأن أغلب الشباب إن لم يكونوا في خدمة العلم في هذه الفترة الراهنة فهم مؤهلون لها في كل لحظة، ومن جهة أخرى فإن هذا الأمر خلق خللاً ديموغرافياً بين نسبة الإناث والذكور، حيث زاد كثيراً لمصلحة الإناث، وهذا ما دفع بعضهن للقبول بالقليل من التجهيزات والمتطلبات المنزلية لحياة أسرية جديدة، وبعضهن قبلن بالمتوافر فقط، للحاق بركب الحياة واستمراريتها، وهي سياسة نوعاً ما مناسبة للحالة العامة في الوقت الراهن وملبية للقليل من الطموحات والأحلام، أي إننا تأقلمنا مع هذا الأمر كما بقية الأمور الطارئة».

سركيس معوض

وبالعودة إلى السيد "تمام" قال: «في الحياة لا يوجد مساومة، وفي زواجي الأول استمريت طويلاً رغم عدم التوافق والاستقرار، نتيجة الخوف من المجتمع وردة فعله، وهو ما يخافه الشاب أو الشابة إن لم يرتبطا في سن معين معروف في المنطقة الساحلية، وهو ما بين سن الخامسة والعشرين والثلاثين».

السيد "عقل إبراهيم" يرى أن أهم مقومات الزواج الناجح النضج والتقارب الفكري والعقلي والاجتماعي، مضيفاً: «هذا التقارب سبب أساسي لحل الكثير من مشكلات الزواج في المستقبل، مهما بلغت صعوبتها، لأن الطرفين يملكان القدرة الكافية لتبسيطها وحلها، ولا أنسى التقارب العمري الذي هو أساس التفاهم وتقارب وجهات النظر في الكثير من أمور الحياة.

ويجب أن يكون هذا التقارب في سن الثلاثين، وهو سن النضج الفكري والعقلي، وفيه لا يمكن أن أفقد الرغبة بالزواج، ومن يفقدها لديه الكثير من المشكلات الجسدية والفكرية، لأنه حاجة وجودية للطرفين».

ويضيف السيد "عقل": «مقومات الزواج الصعبة يمكن مواجهتها بالتخلي عن بعض المقومات الكمالية لتأسيس المنزل، التي أصبح سعرها يقاس بالدولار بمختلف تصنيفاتها».

أما السيد "سركيس معوض" فقال عن أمد الأزمة الذي طال: «بعد الانتهاء من التعليم الأكاديمي والتوجه نحو الحياة العملية، يصطدم الشاب بالكثير من الصعوبات والعراقيل بما فيها الحياة الاجتماعية وتكوين الأسرة، وهنا يجب عليه التفكير بمحاكاة عقلية لاستثمار قدراته ودراسته للنجاح العملي وكسب المال، ليتمكن حينها من تكوين أسرة اجتماعية، وهذا بحد ذاته يحتاج إلى الكثير من الجهد والتعب والمثابرة لتأمين المستلزمات والمتطلبات الأساسية لها، وهنا يجب الإشارة إلى أن للأهل دوراً أساسياً في تجاوز بعض خطوات تكوين الأسرة، إن كانوا أصحاب مقدرة مادية جيدة».

الأب "إيليا سميا" راعي كنيسة "قلب اليسوع" في مدينة "بانياس"، قال: «ما يحول دون تأسيس الشاب لأسرة اجتماعية هي الأحوال المادية الصعبة في هذه الفترة، وارتفاع الأسعار الكبير نتيجة جشع التجار، فالشباب لم يفقدوا الرغبة بالزواج رغم صعوبة الأمر، لأن هذه الرغبة مخلوقة معهم بقدرة الله، فمن يرغب بتكوين أسرة ولا يستطيع، يضطر إلى الهجرة لسنوات وقد لا يعود، وهذا ما يجب ألا يستمر».