هو مطب اصطناعي أوجدته بعض حالات الترهل الأخلاقية والضعف الإدارية، ولا بد للمواطن خلال رحلة حياته من المرور عليه، سواء كراشٍ أو كمرتشي أو كرائش بينهما.

إذاً، الرشوة بالعموم وكما يقول بعضهم هي ظاهرة اجتماعية دخيلة على بيئتنا الاجتماعية، أوجدتها حالات اجتماعية أو اقتصادية أو نفسية، وهنا تقول السيدة "فتون البلخي" لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 22 كانون الثاني 2015: «أنا أرى أن ظاهرة الرشوة مقتصرة على الرجال فقط، وهي حالة لم يكن لها أساس في بيئتنا الاجتماعية، لأننا لم نعتدها أو ننشأ عليها، رغم قدمها في بعض الأماكن والمواضع والبيئات، إذاً هي حالة فرضت على المجتمع وأصبحت سمة لدى بعضهم، وخاصة في الوقت الراهن من حياتنا؛ أي خلال هذه الأزمة والحرب الباردة التي تعصف ببلادنا، وهذا يدفعني للخوف كثيراً من أن تصبح هذه الحالة موروثاً أخلاقياً تتناقله الأجيال، أي جين ينتقل بين الأفراد كما تنتقل الصفات الأخرى.

بما أن ظاهرة الرشوة منتشرة في مفاصل حياتية معينة، وهي الدوائر الرسمية التي على صلة مباشرة مع المواطن، فتحسين الرواتب والأجور المعاشية وتناسبها وتغيرها وفق المكان والزمان، له دور كبير في التخفيف من ظاهرة الرشوة وليس مواجهتها مباشرة، فلا يمكن لمن هو مكتفٍ مادياً أن يلجأ إلى الرشوة، إلا إن كانت أو أصبحت بالنسبة له مرضاً نفسياً يعاني منه، خاصة أنه كما قلت سابقاً هي ظاهرة دخيلة على مجتمعنا

ومن المؤكد أن هناك الكثير من العوامل التي ساهمت بانتشار الرشوة وساعدت على تقويتها بهذا الحجم الذي نراه في وقتنا الحالي، وأهم هذه العوامل وأساسها العامل الاقتصادي، أي الحالة الاقتصادية المتردية التي يتمتع بها المواطن، وهنا لا أخص المواطن المرتشي فقط، وإنما أشمل الراشي والوسيط بينهما، لأنهم جزء من منظومة الرشوة العملاقة، كما أن العامل الاقتصادي يشمل جوانب عدة، منها غلاء الأسعار وعدم وجود رقابة تموينية حقيقية منتشرة في كل مكان تضبطها بما يتناسب وإمكانيات هذا المواطن، كي لا يلجأ إلى الرشوة أو التواسط فيها لتحسين دخله المادي العام».

السيد تمام زينو

وتضيف السيدة "فتون" الموظفة في "المركز الثقافي ببانياس"، بتوضيح أهمية تحسين الوضع المعيشي للمواطن، للتخفيف من ظاهرة الرشوة، بحسب قولها، وهنا قالت: «بما أن ظاهرة الرشوة منتشرة في مفاصل حياتية معينة، وهي الدوائر الرسمية التي على صلة مباشرة مع المواطن، فتحسين الرواتب والأجور المعاشية وتناسبها وتغيرها وفق المكان والزمان، له دور كبير في التخفيف من ظاهرة الرشوة وليس مواجهتها مباشرة، فلا يمكن لمن هو مكتفٍ مادياً أن يلجأ إلى الرشوة، إلا إن كانت أو أصبحت بالنسبة له مرضاً نفسياً يعاني منه، خاصة أنه كما قلت سابقاً هي ظاهرة دخيلة على مجتمعنا».

وهنا كان للسيد "سركيس معوض" العامل بالأعمال التجارية الحرة رأي خاص أوضح خلاله، أن مواجهة ظاهرة الرشوة المباشرة في ظل ذات الأنظمة والقوانين والحالة الاقتصادية المتردية للمواطن غير ممكنة، مضيفاً: «بما أن ظاهرة الرشوة ضمن العمل المؤسساتي، فالكادر الإداري ورأس الهرم في هذا العمل المؤسساتي هو المسؤول عن هذه الظاهرة، ويجب عليه أن يتحلى بالقيم والمبادئ والتربية الصالحة ليكون قادراً على مجابهة الرشوة في مؤسسته وتحت إدارته، خاصة أننا في محافظة تميزت على مدى عقود بمستواها الثقافي الرفيع، وهنا من المهم جداً توجيه التنبيهات والإنذارات التي قد تشعر الموظف وسواه بالخوف، وهذا أحد الأساليب المتعددة في هذه الجبهة، لأنه من الممكن أن تكون ظاهرة الرشوة حالة فردية من شخص باع ضميره، لأنه على يقين بأن من يعمل بها طريقه قصير للوصول إلى المبتغى من الرفاهية المجتمعية الآنية والرخاء المادي السريع، لذلك لجأ لها لتحسين حالته المعيشية».

تقديم الرشوة بإطار مهذب

ولكن هناك من يؤكد أن ظاهرة الرشوة أصبحت واقعاً مفروضاً وله تشريعاته وقوانينه الناظمة التي لا يمكن تخطيها في تسيير المعاملات والإجراءات، وهنا يقول السيد "تمام زينو": «الفرد جزء من المجتمع، لذلك الرشوة أصبحت ظاهرة وواقعاً اجتماعياً، وأنا أرى أن منهم من يعدها منهجاً، فيقول إن فلاناً من الناس ماهر في تدبر أموره بطريقة جيدة تتناسب ووضعنا الاقتصادي، أي هو يدرك طرائق وأساليب الرشوة، ثانياً الرشوة أصبحت ثقافة، وذلك من حيث مساهمة كل فرد في المجتمع بتشجيع هذه الظاهرة من خلال تقديمها لتسيير الأمور المستعجلة في بعض الأحيان، وهذا من شأنه تشجيع المرتشي على إعادة الكرة وابتكار أساليب لتمريرها أو فرضها في بعض الأحيان».

ويتابع السيد "تمام" الموظف في "مركز ثقافي بانياس": «منهم من يؤكد أن طبيعة العمل الوظيفي في بعض المؤسسات عُرِفَت واشتهرت بالرشوة، لذلك ترى بعض الأهالي ونتيجة ضعف الوعي الأخلاقي في هذا الجانب يشجعون أبناءهم على مثل هذه الوظائف بحجة أن فيها طرائق متعددة لتحسين الدخل، وهذا ما أعدّه تبريراً لظاهرة الرشوة من قبل المجتمع، وهو غير مقبول، لذلك من المهم جداً انتشار وتكثيف ما يعرف بـ"مركز خدمة المواطن" الذي جربته إحدى المرات في مدينة "طرطوس" وكان إيجابياً».

السيد سركيس معوض

أما المهندسة "ذرى سويدان" العاملة في "مركز ثقافي بانياس" أيضاً، فقالت عن الحماية الخاصة المتوافرة لمنظومة الرشوة: «للرشوة منظومة عمل وهي سلسلة قائمة يحميها الراشي والمرتشي، ولا يمكن مواجهتها لأنه ضمن أي قانون مواجهة أو أي قانون عمل تتواجد ثغرات يدركها المرتشي والراشي جيداً وهي ملعبهما الخاص، ولا يمكن لأي أحد أن يحمي الآخر من هذه الظاهرة، فالراشي والمرتشي مبدعان حتى في إبداع الثغرات ضمن القوانين، وهذا نتيجة المستوى الثقافي والذكائي التي تمتعت به "طرطوس"، ناهيك عن أن القانون يساهم في تقويتها إلى حد ما في بعض المفاصل».

وبما أن الرشوة برأي الأغلبية ثقافة مجتمعية وأمر قائم حتى اللحظة؛ فالحل برأي السيد "عقل إبراهيم" لوقف هذه الظاهرة إعادة التأهيل الكاملة والجذرية للمجتمع وأهمها التربية.