قد تكون المواجهة صعبة على بعض الأشخاص، ولكن منهم من أثبت أنه ند لها، فمن العمل إلى العمل، ومن تقشف إلى مزيد منه، بهدف تحقيق زيادة على الدخل الشهري تفي ببعض الاحتياجات الطارئة.

الدخل الشهري الثابت للموظفين في مختلف القطاعات، قيد ضيق في بعض الأحيان، وانعدام حرية التصرف في الكثير من الحالات الطارئة في أحيان أخرى، فكان لا بد من كسر هذا القيد بالعمل، كما فعل المدرس "علي سليمان" من مدينة "الشيخ بدر"، أو إعادة الحسابات المالية لمزيد من التقشف على المصروف اليومي، التي جُعلت مناسبة رغماً عنها، لمحدودية أو انعدام زيادتها، فالدخل محدود جداً، وهنا كان للمدرس "علي سليمان" الذي تحدث لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 10 كانون الأول 2014، تجربة جيدة، قال عنها: «لم أجد يوماً في العمل الإضافي عبئاً أو عيباً يقيد شخصيتي في بيئتي الاجتماعية، بل على العكس كان مشرفاً لي في رأي الكثيرين ومشجع لبعضهم، أعمل بالتدريس في تجمع مدارس الشهيد "فهيم محمد" مدينة "بانياس" في هذه الظروف الصعبة من ناحية المواصلات والأجور المرتفعة لها، مع محدودية الأجر الشهري الذي لا يزيد على اثنين وعشرين ألفاً، جعل من المتابعة أمراً عسيراً، إلا في إلغاء أبسط أمور المعيشة والحياة الكريمة، ولكن لماذا يكون هذا التقشف طالما القدرة الجسدية جيدة لمزيد من العمل».

أعتقد أن المشكلة الأساسية عند أغلب الموظفين، هي الاعتماد على قيمة الدخل الشهري الثابت، كدخل وحيد يتقاضونه في نهاية الشهر، إلا أن بعضهم -وأنا منهم- لم يبقوا هذا الدخل الثابت والمحدود بقيمته المالية، دخلاً وحيداً، بل زاوجوا بين عملهم وعمل آخر بعده، ليحققوا منه دخلاً رديفاً يلبي الحاجة في زمن تجار الأزمات والحالات الصعبة

ويتابع السيد "علي": «في الأساس أنا رياضي كرة قدم، وأملك القدرة واللياقة الجسدية الجيدة التي تمكنني من القيام بالكثير من الأعمال التي تحتاج إلى الجهد العضلي، والتي هي أساساً شائعة ومتوافرة، نتيجة أعمال البناء والإنشاء المستمرة دون توقف من رجال المال والاقتصاد والتجار وغيرها.

الأستاذ علي سليمان

وهنا تأتي الحسابات السليمة بالنسبة لي، وكم أحتاج من المال الإضافي في كل شهر إلى دخلي المحدود، حيث أعمل بهذه الأعمال الحرة المعتمدة على الجهد العضلي، ما لا يقل عن الأسبوع شهرياً بعد دوامي في المدرسة أو خلال أيام العطل الرسمية.

وللعلم هذا لم يسبب لي أي إحراج في بيئتي ومجتمعي المحيط بي، بل على العكس زاد من احترام الجميع لي، وظهر هذا من خلال كلماتهم عني لي ولأقربائي، حتى إن منهم من حذا حذوي في العمل بعد ساعات الدوام، لزيادة قيمة الدخل المحدود الذي يقبضه لقاء عمله الرسمي».

وهذه المبادرة الشخصية لكسر دائرة ومحدودية الدخل المحدود بالنسبة للأستاذ "علي" قابلتها أسرة متفهمة عمادها زوجة صبورة، تستحق بحسب رأي الزوج "علي" كل الاحترام، وهنا قال: «حين النظر إلى أصدقائي ومعارفي ومجتمعي المحيط بي، ورؤية حالات الضيق والتشاؤم والقهر التي يعانونها وأزواجهم نتيجة محدودية أجورهم الشهرية الثابتة، والخلافات الأسرية الناجمة عنها، وعدم مبادرتهم لفعل أي شيء يزيد من قيمة الدخل الشهري الثابت أو يكسر هذه المحدودية نوعاً ما، أشكر ربي على نعمة العقل والهمة التي منحني إياها، والزوجة الصالحة أيضاً التي تصبر على ساعات غيابي عن منزلي للعمل الإضافي، كما يجب التأكيد على الدور الكبير لها في عملية الترشيد المنزلي للوصول إلى الاكتفاء وعدم الحاجة».

السيد "فادي بدور" موظف في إحدى الدوائر الحكومية؛ قال عن تجربته الشخصية لكسر محدودية الأجور الشهرية المحدودة: «أعتقد أن المشكلة الأساسية عند أغلب الموظفين، هي الاعتماد على قيمة الدخل الشهري الثابت، كدخل وحيد يتقاضونه في نهاية الشهر، إلا أن بعضهم -وأنا منهم- لم يبقوا هذا الدخل الثابت والمحدود بقيمته المالية، دخلاً وحيداً، بل زاوجوا بين عملهم وعمل آخر بعده، ليحققوا منه دخلاً رديفاً يلبي الحاجة في زمن تجار الأزمات والحالات الصعبة».

الأستاذ خالد حيدر

ويتابع السيد "فادي" الحاصل علمياً على شهادة معهد صحي، بتوضيح كيف لم يرضخ لقيود محدودية الدخل الشهري الذي يتقاضاه: «قبل مدة كنت أعمل بعد دوامي الرسمي ضمن الفترة المسائية في مخبر تحاليل طبية بمدينة "صافيتا"، ونتيجة ظروف معينة وارتفاع أجور المواصلات، وليبقى هذا الدخل الرديف مصدراً جيداً للمال وليس عبئاً علي الالتزام به، تخليت عن هذا العمل، وبدأت بعمل آخر ضمن الفترة المسائية أيضاً، في سوبر ماركت ضمن قريتي "أوبين"، أقرب إلى منزلي، أي أذهب إلى العمل وأعود منه سيراً على الأقدام، وهذا وفر لي المال والوقت على حساب الجهد المبذول، وأمن لي السعادة بصرف النظر عن التعب الجسدي المحتمل لكوني شاباً في مقتبل العمر».

السيد "محمود حسن" الموظف في المكتب الصحفي بمبنى "محافظة طرطوس" قال: «الحل الوحيد الذي تمكنت منه مع هذا الدوام الطويل، لكسر قيود دخل الشهر الثابت، هو التقشف على الصعيد الشخصي، فمثلاً في الصباح آتي إلى العمل دون وجبة إفطار، وأحاول الاقتصاد في أجور المواصلات اليومية على حساب الوقت، كما أني لا أكترث لنوعية الطعام الذي يتوافر في المنزل يومياً، وقد أقبل بوجبة غداء قوامها صحن الزيتون مثلاً.

وهذا لم يمنعني من الترف النفسي الذي أشعر به نتيجة القناعة، والعطاء للمحتاج، فلماذا يجب أن تتوافر لي ربطة الخبر يومياً وهي الأهم بالنسبة لي من بقية حاجيات المنزل، وغيري لا يستطيع أن يشتريها مثلاً، وهذا يدفعني في أغلب الأحيان لاقتسام ربطة الخبز مع أحد محتاج، وكل هذا يجعلني نفسياً وفكرياً ببعد تام عن قيود الدخل الشهري المحدود».

أما الأستاذ "خالد حيدر" مدير المركز الثقافي العربي في "بانياس"، فأكد على أهمية التقشف ثم التقشف في ظل أزمة التجار والأخلاق التي تعتلي مجتمعنا، حيث لم يعد أحد يهتم لأمر الآخر مهما كانت حالته، مضيفاً: «أنا أرى أن الحل الوحيد لكسر رتم الأجور الشهرية الثابتة والمحدودة دون زيادة أو نقصان، المواجهة بشجاعة على الصعيد الشخصي والأسري والمجتمعي إن أمكن تحقيق ثقافة وعي بما آلت إليه الأمور في ظل غلاء الأسعار وثبات المدخول الشهري، وبالنسبة لي إن تنظيم الإنفاق أمر مهم للمواجهة.

وفي تجربة شخصية أقول وأعتقد أننا نتألم كثيراً لكي نتكيف مع هذا الواقع بعد سنوات من الرخاء، وبكل بساطة أنا متفاجئ من ارتفاع الأسعار عدة أضعاف وثبات الدخل الشهري، وهذا دفعني للإحجام عن شراء ما هو ليس ضرورياً لسير الحياة اليومية المعيشية».