آلاف من أشجار السنديان المعمرة انتصبت كحارس يحمي قبور "الأولياء الصالحين"، في حين تعتبر من أهم مكونات البيئة الطبيعية النباتية في "الجبال الساحلية".

حيث تنتشر "غابات السنديان" على طول الجبال الساحلية وهي من المكونات الطبيعية الرئيسية في تلك المناطق، بيد أن خضوع هذه المناطق الواسعة للحضارات المتعاقبة على منطقة شرق المتوسط تسبب بانهيار الغطاء النباتي المعمر "بلوط، سنديان، شوح ، قطلب،..."، في حين خرجت آلاف التشكيلات الصغيرة من أشجار السنديان عن القاعدة لتبقى منتصبة حول "الأضرحة الدينية" التي حمت في حقيقة الأمر هذه الأشجار عبر الزمن، ومنعت الناس عبر قاعدة اجتماعية عرفية من قطعها والتحطيب قربها كما حصل لغابات "الجبال الساحلية السورية" عبر الزمن، والأفكار كثيرة حول قيمة هذه الشجرة باعتبار وجودها مقترناً إلى حد ما بوجود "الأضرحة الدينية" بالتحديد تلك المعمرة منها، ومدى ارتباطها بقدسية المكان، عدا العمر التقديري المتوقع لهذه الأشجار، وللحديث عن هذه العلاقة التقت مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 17 تشرين الثاني 2013 الأديب والكاتب الصحفي "علام عبد الهادي" الذي قال: «شجرة السنديان شجرة حراجية تعتبر من أساس الغطاء النباتي في جبال الساحل السوري، ووجودها يسبق كل الحضارات، في حين أن أجدادنا وفدوا إلى هذه المناطق في أزمنة لاحقة حيث كانت أشجار السنديان تلك منتصبة وبعضها معمر، أما علاقتهم مع شجرة السنديان فقد بدأت من هذه النقطة حيث شكلت مخبأ لهم من بطش حكام الدولة العثمانية ومن سبقها، وخلال وجودهم في هذه المناطق أقيمت التجمعات البشرية، ثم بدأ الناس بدفن موتاهم في محيط تجمعاتهم، بالتالي قرب أشجار السنديان وتحتها، باعتبارها موجودة وبكثافة، وبوجود رجال صالحين أو رجال دين ذوي سمعة حسنة في هذه المدافن بدأت حالة القداسة تلف هذه الأشجار وخاصة المعمرة منها.

يسمى صاحب هذا الضريح الشيخ "محمد الجيشي" وهو أمير مصري حارب "الصليبيين" واستشهد هنا، ونحن عدا فكرة التبرك بالمكان فإننا نشعر بالراحة تحت ظل أشجار السنديان المعمر، وحسب سؤالكم فنحن بالتأكيد ملتزمون بعدم مس هذه الأشجار بأي سوء، حتى الشخص السيئ لا يجرؤ على مسها، لأنها مرتبطة بقاعدة اجتماعية توجب احترام شجرة السنديان أو حتى البلوط أو أي شجرة موجودة بجانب الضريح

مع تقادم السنين نسجت القصص وأضيف كثير من التهويلات إلى الأماكن التي بقيت فيها تجمعات السنديان بجانب أضرحة الأولياء، وخاصة مع ازدياد عمر هذه الأشجار لعدم التجرؤ على قطعها بأي حال من الحالات، بالتالي لفت حالة من القداسة أشجار السنديان هذه، وحملت من المعاني أكثر مما تحتمل وربطت بقدسية الشخص المدفون في المكان، من أجل منع الناس من الاقتراب من هذه الأشجار والعبث بها.

اتخاذ تجمعات السنديان كمكان للنزهة العائلية

كذلك ألف الناس في عموم منطقة جبال الساحل مشهد تجمعات السنديان إلى جانب الأضرحة الدينية، وأصبح من غير المستساغ وجود ضريح دون أشجار سنديان قديمة إلى جانبه، كما عمل القائمون على هذه الأضرحة على تهويل القصص وتضخيمها عند الحديث عن شجرة سنديان وكيف مات كثيرون من الناس عندما حاولوا كسر أجزاء منها، وهم في حقيقة الأمر المستفيد الأول من وجود هذه الأشجار ونسج القصص حولها لجلب مزيد من الناس إلى المكان، باعتباره مكاناً طبيعياً جمالياً».

من جهته قال الأستاذ "محمد نصر" مدرس مادة الشريعة الإسلامية من مدينة "الشيخ بدر": «في حقيقة الأمر هناك التباس فيما يخص هذه القضية، وحتى نزيل الالتباس لا بد من إيضاح عدة نقاط، فمن جهة ارتبط وجود الأضرحة الدينية والمقابر بشكل عام بوجود تجمعات أشجار السنديان في مناطق جبال الساحل السوري عموماً، بالتالي ألف الناس هذه الأشجار واعتادوا وجودها، فتشكلت حالة وليس هالة من الاحترام لهذه الشجرة بصفتها مرتبطة بمكان مقدس، زاد عليه عمر هذه الأشجار الكبير وندرة الأشجار المعمرة في هذه المناطق بسبب انهيار غطائها النباتي عبر التاريخ، هنا بالذات بدأ الناس يحترمون– وليس يقدسون– حرمة أشجار السنديان تلك، لأنها مرتبطة بمكان ذي صفة دينية، وصار العرف عاماً في رفض قطع هذه الأشجار أو الاقتراب منها، خاصة أنها أصبحت نادرة بعد ضياع غابات السنديان في عموم جبال الساحل، وحض رجال الدين على عدم قطعها في هذه الأماكن تحديداً احتراماً لقدسية المكان، في حين كان لبعض المثقفين من رجال الدين نظرة أبعد في اعتبار هذه الأشجار جزءاً من تراث المنطقة، وحافظاً لهذا التراث خاصة عندما يبلغ عمرها مئات وربما آلاف السنين، وهذا ما نقطف ثماره اليوم عندما نشاهد شجرة سنديان يبلغ قطرها /4/م ملأى بعبق الأجداد.

أشجار يبلغ عمرها مئات السنين

لكن الخلاف حول ما أثير عن أشجار السنديان من قدسية وموت وعقاب يعود حقيقة إلى سببين الأول: يتعلق ببعض المغالين الذين نصبوا هذه الأشجار كحارس يقتل ويضرب ويسبب العمى والموت، بغض النظر عن دافعهم إلى ذلك، الذي أضر بسمعة الضريح الديني حين ربطت الغيبيات بشجرة السنديان من كل حدب وصوب ما اعتبر خروجاً عن القواعد الإسلامية في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة فيما يخص الثواب والعقاب، أما في الطرف الآخر فإن أشخاصاً يقفون على نقيض المتدينين بدؤوا نشر الأخبار والقصص والأساطير لضرب سمعة الأضرحة الدينية والمعتقدين بقدسيتها، وخاصة من هم مِن أهل هذه المناطق الذاهبين مذاهبهم الخاصة بهم في قناعاتهم برفض أي درجة من درجات القدسية أو الاحترام لمكان الضريح الديني، وقد جالست العديد منهم، لكن لم أجد سوى قصص غير محكمة وغير مثبتة دينياً واجتماعياً، ومحملة على خلفيات ثقافية يعتد بها هؤلاء الأشخاص».

وفي إحدى المناطق التي تتجمع فيها أشجار السنديان حول ضريح ديني بقرب مدينة "طرطوس" التقينا الشاب "أحمد عمران" الذي قال: «يسمى صاحب هذا الضريح الشيخ "محمد الجيشي" وهو أمير مصري حارب "الصليبيين" واستشهد هنا، ونحن عدا فكرة التبرك بالمكان فإننا نشعر بالراحة تحت ظل أشجار السنديان المعمر، وحسب سؤالكم فنحن بالتأكيد ملتزمون بعدم مس هذه الأشجار بأي سوء، حتى الشخص السيئ لا يجرؤ على مسها، لأنها مرتبطة بقاعدة اجتماعية توجب احترام شجرة السنديان أو حتى البلوط أو أي شجرة موجودة بجانب الضريح».

جبال عارية من الأشجار باستثناء السنديان المعمر المرافقة للأضرحة الدينية