هو المربي الفاضل، الذي كان من واضعي المناهج الدراسية القدماء، وناثر اللغة العربية والرياضيات في أماكن عدة، فزرع في نفوس طلابه بذور العلم والمعرفة، وحصد ثمار تعبه الاحترام والتقدير، وبات عدد كبير منهم نخبة في المجتمع السوري والعربي.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 15 تشرين الثاني 2018، الدكتور "جورج وسوف" ليتحدث عن بداية حياة والده المربي الراحل "أنطونيوس يوسف وسوف"، فقال: «تلقى تعليمه الأولي في المدرسة الابتدائية في البلدة، تلك المدرسة التي لا يزال بناؤها قائماً حتى اليوم بعد ما تم ترميمه وتحويله إلى مكاتب تابعة للكنيسة، ذاك البناء الحجري الأسود الذي تجاوز عمره المئة عام، وشهد أول حركة تعليمية منذ ما يزيد على 80 عاماً.

كان المربي الفاضل، والأب المرشد الذي يلجأ إليه طلابه؛ ليس بأمورهم العلمية فحسب، بل في الكثير من مناحي حياتهم الشخصية، وهناك حملة شهادات من مختلف الاختصاصات يقرون بفضله، ويؤكد ذلك أبناؤه الذين يتلقون المديح والإطراء الحسن كلما قدموا نفسهم على أنهم أبناؤه، وبقي لسنوات عدة مشرفاً على الامتحانات الثانوية في "طرطوس"، يديرها بكل أمانة وانضباط

كان التعليم صعباً بالنسبة إليه ولأبناء جيله على حد سواء؛ في وقت كانت الحرب والحاجة سيدة الموقف. تابع دراسته الثانوية في "اللاذقية" بـ"الكلية الأرثوذوكسية" لينال الشهادة الثانوية عام 1958، ويلتحق بكلية العلوم في جامعة "دمشق" - قسم العلوم الرياضية، ويحصل على إجازة فيها عام 1962 ويتابع في دبلوم الدراسات العليا (أعلى شهادة تمنحها جامعة "دمشق" حينئذٍ)، ولعل هذا الإنجاز كبير في تلك الحقبة الزمنية النامية تعليمياً، حيث تم ترشيحه فيما بعد للإيفاد لإكمال الماجستير والدكتوراه في "الاتحاد السوفييتي"، ولم يتمكن من المتابعة لظروف خاصة».

الدكتور جورج وسوف

وتابع الدكتور "جورج" حديثه عن حياة والده المهنية، قائلاً: «تمّ تعيينه كمدرّس في منطقة "المالكية" التابعة لمحافظة "الحسكة"، وكم كانت المهمة شاقة في منطقة لا يجيد أهلها العربية، واستمر هناك حتى عام 1967، حيث سافر بمهمة رسمية مع لفيف من المدرسين إلى "الجزائر" ضمن حملة التعريب الوطني آنذاك، التي كان للسوريين يد طولى فيها؛ حيث ساهم والدي حينئذٍ في تعريب المناهج في جامعة "مستغانم".

وبعد قضائه ستّ سنوات عاد إلى الوطن ليساهم مع لجنة وزارية في وضع مناهج ما سمي آنذاك بالرياضيات المعاصرة بعد حصوله على شهادة في ذلك من منظمة "الأمم المتحدة" للثقافة والتربية والعلوم "اليونيسكو"، درس في ثانويات "طرطوس" المختلفة ليقوم في خطوة لاحقة، وبمساعدة مجموعة من الفعاليات الأهلية بإحداث المدرسة الثانوية في بلدته، التي قضى باقي مسيرته المهنية فيها».

الراحل مع زملائه بجامعة دمشق في خمسينات القرن الماضي

وأضاف الدكتور "جورج" قائلاً: «كان المربي الفاضل، والأب المرشد الذي يلجأ إليه طلابه؛ ليس بأمورهم العلمية فحسب، بل في الكثير من مناحي حياتهم الشخصية، وهناك حملة شهادات من مختلف الاختصاصات يقرون بفضله، ويؤكد ذلك أبناؤه الذين يتلقون المديح والإطراء الحسن كلما قدموا نفسهم على أنهم أبناؤه، وبقي لسنوات عدة مشرفاً على الامتحانات الثانوية في "طرطوس"، يديرها بكل أمانة وانضباط».

ومن مواهبه الأخرى التي برع فيها، الشعر الذي راح يقرضه أمام زملائه، وقد كتب القصيدة التالية التي تعبر عن معاناة الامتحانات وضبطها بالطريقة الصحيحة والنزيهة:

الشهادة الثانوية

"قبّح الله امتحاناً... بتنا فيه صابرين

مثل جنديٍ شجاع... عيَّنوه في كمين

ويزيد الأمر سوءاً... ذلك الحر اللعين

فنظام الفحص هذا... سنه في الأربعين

ذاك تلميذٌ يجيب... بتأني الشاطرين

ثم تلميذٌ يجيب... بانزعاجٍ وأنين

يشبع المقعد حكاً... بالتفاتٍ كل حين

إن نهيناه وقلنا... انتبه لا تستعين

برم الرأس وقال... أنا تلميذٌ أمين

رب مسؤولٍ يجيء... رافعاً ذاك الجبين

فهو لا يلقي سلاماً... وهو ابن الأكرمين

يدخل القاعة خلسةً... عن يسارٍ أو يمين

يرفع الأوراق حيناً... من أمام الجالسين

إن رأى رأساً مزاحاً... فهو بالأمر المشين

كتب التقرير عنك... فهو شيخ العارفين

إنما انتسى فأمسى... شرعةً للدارسين

كل من غش تباهى... بجهود الآخرين".

المهندس "فادي سابا" حدّثنا عن مدرّسه "أنطانيوس وسوف"، وما تركه من إرث، قائلاً: «كان معلمنا القدير معروفاً بطيبته ودماثة أخلاقه، كان الأب والقدوة؛ فكما زرع بذرة طيبة فينا نحن طلابه، يمكنك أن تجدها أيضاً في عائلته الجميلة؛ ليكون مثالاً في التربية والتفاني والإخلاص.

يقولون الوقت من ذهب، وجعل من وقته لنا داخل وخارج المدرسة، فكان من المحبب لديه أن يمنحنا من وقته ليستمع إلى همومنا ومشكلاتنا وأحلامنا، ويحاول المساعدة. سعى لتخريج جيل مثقف بكل ما للكلمة من معنى، كان عظيماً جداً؛ فهو ذلك المدرّس النادر وجوده حالياً.

كان وفياً حتى مع الطالب المشاغب داخل الصف ومسامحاً جداً، يسعى بكل قدرته لقلب الموازين وجعل الجميع يسعى للاستفادة، أتذكر أحياناً في وقت الفراغ، وبين الحصص الدراسية كان هناك بعض التلاميذ المجتهدين الذين يملكون أسئلة إضافية، فيكون معهم يسألونه ويشرح لهم غير مكترث بوقت الفراغ الذي يعدّ راحة له، وقد تخرّجت في حقبته الزمنية أجيال مثقفة أثبتت ذلك للواقع، حقاً لقد زرع وحصد النتيجة».

يذكر أن الراحل "أنطونيوس يوسف وسوف" من مواليد بلدة "السودا" عام 1933 وتوفى عام 2007.