قامةٌ باسقةٌ في حقل الصحافة والسياسة والأدب، لم يترك باباً للتميز إلا وطرقه؛ وهو ما جعل حياته مسيرة غنية بالعمل والكفاح والدراسات وخدمة قضايا الوطن.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع الإعلامي "جودت غانم" ليحدثنا عن الدكتور "عبد اللطيف اليونس"، حيث قال: «ولد "عبد اللطيف" في بلدة "بيت الشيخ يونس"، التي تقع في الجنوب الغربي من مدينة "صافيتا" بمحافظة "طرطوس" عام 1914، وبلدته تحمل اسم عميد الأسرة العريقة والشهيرة بمركزها الديني المرموق، وهي تنتمي إلى عائلة آل "ياسين" الكرام، ويمتد نسبها إلى "محمد بن إسحق التنوخي" أمير "اللاذقية"، وقد نشأ "عبد اللطيف" في بيت عريق أنجب العلماء والساسة والمجاهدين؛ فمنذ طفولته كان أساتذته يعهدون إليه أن يخطب باسم الطلاب في المواقف الرسمية، وكانوا يعدّون له الكلمة سواء بالعربية أو الفرنسية، وظهرت لديه بعدها موهبة الارتجال؛ وهو ما ميزه عن أقرانه، وكان قد تلقى تعليمه على يد كل من العلامة الشيخ "عبد الرحمن الخير" والعلامة "جبر ضومط"».

يعجبني أنك تحمل هذا الوطن على كتفيك، وتدورُ في أنحاء العالم، ولا تنوء

وأضاف: «واجه بعض الظروف الصعبة نتيجة وفاة والده وهو ما يزال في الصفوف الابتدائية، لكنه تابع القراءة والمطالعة حتى أصبح مستواه الثقافي لا يقل عن مستوى خريجي الجامعات، وقد تأثر بطائفة من الأدباء، كالأمير "شكيب أرسلان، وطه حسين، ومحمد علي الحوماني، ونجيب الريس"، و الشعراء كـ: "المتنبي، وأحمد شوقي، وبدوي الجبل، وبشارة الخوري، وعمر أبو ريشة، وإيليا أبو ماضي، ونديم محمد، والشاعر القروي، وحامد حسن"، وغيرهم، وساهمت هذه القراءات المكثفة في تقوية ملكاته الإبداعية، فنظم الشعر في الرابعة عشرة من عمره، واشترك في مجلة "العروبة" الصادرة في "بيروت"، وقد نُشر له أول مقال يتحدث فيه عن أوضاع المجتمع آنذاك، ثم نشر في مجلة "المكشوف" اللبنانية، بعدها نشر في صحيفة "البلاد" التي كانت تصدر في "اللاذقية"، وفي صحف محلية أخرى كـ"الضحى، والهدف" في "حمص" و"الفداء" في "حماة"، ثم عمل في التدريس في بلدة "وادي العيون" مدة سنة واحدة، ثم رئيساً لتحرير صحيفة "صوت الحق" التي كانت تصدر في "اللاذقية"».

"عبد اللطيف اليونس"

وتابع بالقول: «وقف "اليونس" ضد الفرنسيين من خلال مواقفه وخطبه وكتاباته في صحيفة "صوت الحق"، وقد قررت السلطات الفرنسية المحتلة القبض عليه ومحاكمته صورياً تمهيداً لإعدامه؛ وهو ما اضطره للهروب بمساعدة العديد من الوطنيين إلى "طرابلس، فبيروت، فدمشق، فدير الزور"، فما كان منه بعدها إلا أن لجأ إلى "العراق" عام 1939 هرباً من اضطهاد السلطات الفرنسية، وهناك عاش فقراً مدقعاً حتى تمكن من مزاولة العمل في التعليم في إحدى ثانويات مدينة "البصرة"، ثم عاد إلى "سورية" بعد جلاء الاحتلال الفرنسي».

أما عن عمله في المجال السياسي، فقال: «عام 1947، تم تكليفه من قبل رئيس الجمهورية آنذاك "شكري القوتلي" بالذهاب إلى "أميركا الجنوبية" للدعاية للقضية الفلسطينية، فلبى الدعوة عدد من وزراء "فنزويلا والبرازيل والأرجنتين والأرغواي وتشيلي"، وألقى العديد من المحاضرات في الأندية والمحافل العربية، وكشف فيها عن أطماع الصهيونية في الوطن العربي، فنالت هذه الخطب إعجاب وتقدير المغتربين، وبعد عودته من "أميركا اللاتينية" ‏فاز بعضوية مجلس النواب عن منطقة "صافيتا" في أواخر عام 1949، وقد أحدث فوزه ضجة كبرى لأنه وقف في وجه الإقطاعيين، وتغلب عليهم، وحظي بثقة شعبية كبيرة مكنته من الفوز للمرة الثانية في الانتخابات النيابية عام 1954، وقام بين عامي 1954-1958 بنشاط كبير في مختلف المجالات لخدمة المواطنين، وفي عام 1961 فاز للمرة الثالثة بالنيابة عن منطقة "صافيتا"».‏‏

من أعماله ثورة الشيخ "صالح العلي"

تواصلت "مدونة وطن" مع الناقد والكاتب الإعلامي "صايل الكفيري" ليحدثنا عن أعمال "اليونس" الأدبية، فقال: «في مطلع عام 1964 سافر "اليونس" إلى "أميركا الجنوبية" وزار خلالها "فنزويلا والأرجنتين وتشيلي والبرازيل"، وأسس في "سان باولو" صحيفة "الأنباء"، وكرسها للدعوة إلى القضايا العربية والدفاع عن حقوق الأمة والوطن وقضية "فلسطين" بصورة خاصة، ثم في عام 1975 تنازل عن امتياز الصحيفة لصديقه الأستاذ "نواف حردان"، وانتقل من "البرازيل" إلى "الأرجنتين" تلبيةً لدعوة المغتربين، فأسس فيها صحيفة "الوطن" التي صدرت باللغتين العربية والإسبانية، ونال شهادة الدكتوراة من الجامعة الكاثوليكية، حيث دعت الجامعة الكاثوليكية في "الأرجنتين" الأديب "عبد اللطيف اليونس" لإلقاء محاضرات عن الحضارة العربية وأثرها في تطور الإنسانية، فلبى الدعوة وألقى محاضرته القيمة التي نالت إعجاب الجمهور، فوقف الدكتور "فوسبيري" رئيس الجامعة وارتجل خطاباً تحدث فيه عن شخصية الأستاذ "اليونس" وأثنى عليه وعلى سعة اطلاعه وغزارة معلوماته، ومما قال فيها: (نحن أمام عالم علامة سمعناه سابقاً، وبهذه المناسبة يشرفنا أن تقرر جامعتنا أن تمنحه شهادة الدكتوراة، وتعدّه عضواً فيها وفي الجامعات الكاثوليكية في أميركا اللاتينية)، ثم قدم له الشهادة وسط تصفيق الحاضرين».‏‏

أما عن أعماله ودراساته الأدبية والتوثيقية، فقال: «هو أول من كتب عن ثورة الشيخ "صالح العلي"، حيث أخذ المعلومات من الشيخ "صالح" عن مجريات الثورة وأحداثها كافة خلال لقائه به، وزار الكثيرين من المجاهدين وحصل منهم على المعلومات المطلوبة التي صبت في خدمة كتابه، وكل ما كُتب لاحقاً عن تلك الثورة يستند إلى هذا الكتاب حصراً، فلم يكن قبله ثمة مصدر أو مرجع آخر مطبوع على الإطلاق، ومن أبرز مؤلفاته أيضاً: "الجيل الجديد بين عالمين"، و"شكري القوتلي حياة رجل في تاريخ أمة"‏،‏ و"المغتربون‏"،‏ و"شفيق معلوف شاعر عبقرية وأهازيج الفن"، و"زكي قنصل شاعر الحب والحنين"، و"من صميم الأحداث"، و"مذكرات الدكتور عبد اللطيف اليونس"، وقد كتب ونشر في كل من صحيفة "صوت الحق" في "اللاذقية" وصحيفة "الأنباء" في مدينة "سان باولو" البرازيلية، وصحيفة "الوطن" في "بونيس أيريس"، إضافة إلى رصيد كبير جداً من المقالات والمقابلات الصحفية والمحاضرات في الوطن والمهجر».‏‏

صورة للدكتور "عبد اللطيف اليونس"

وأضاف: «نال جائزة "جبران خليل جبران" العالمية من قبل لجنة رابطة إحياء التراث العربي في "أستراليا"؛ تقديراً لشخصه ومواقفه المشهودة وجهوده الإبداعية في مختلف ميادين الحياة ومؤلفاته الأدبية والمهجرية المتميزة،‏‏ وتم تكريمه من قبل السيدة "نجاح العطار" وزيرة الثقافة آنذاك، للدور البارز الذي لعبه الأديب المحتفى به على الصعيد الاجتماعي والسياسي والأدبي ومساهماته في العمل في مختلف ميادين الحياة، وقد أغمض الدكتور "اليونس" عينيه يوم الخميس 28 آذار 2013 عن عمر ناهز التسعة والتسعين عاماً».

ومن الجدير بالذكر، ما قاله الشاعر "نزار قباني" عنه: «يعجبني أنك تحمل هذا الوطن على كتفيك، وتدورُ في أنحاء العالم، ولا تنوء».