استطاعت الكابتن "فاتن ترجمان" بشغفها انتزاع مقعدها من بين آلاف الرجال في عالم البحار المملوء بالمخاطر، معلنة بذلك ثورة على الفكر قبل أي شيء آخر، على الرغم من علمها بأعباء السفر، لكن حبها لاستكشاف كل ما هو جديد طغى على مشاقّ هذه المهنة.

تعدّ "ترجمان" أول امرأة ملاحة في "سورية" وفي الوطن العربي، في زمن كانت المرأة فيه مجرد فرد في الأسرة ليس لها حقوق، بل عليها واجبات لا تتعدى باب منزلها، وكان لمدونة وطن "eSyria" حديث مع الكابتن "فاتن" المقيمة حالياً في "دبي" عن طريق أحد مواقع التواصل الاجتماعي، ولدى سؤالنا لها عن سبب اختيارها لمثل هذه المهنة، تجيب: «حب البحر ورثته من والدي -رحمة الله- القبطان "إسماعيل ترجمان" في المرتبة الأولى، وأنا الوحيدة بين إخوتي التي كان يصحبها في رحلاته خلال الصيف، ولكن حبي للمغامرة والاستكشاف الدائم وقوة الإرادة لدي هو ما جعل لوالدي يؤمن بي وبقدراتي لخوض جباب البحار من بعده، لذلك حين أطلعته على طموحي كان الداعم الأول لي في هذا القرار، على الرغم مما يحمله من متاعب وتحديات سواءً على الصعيد الأسري أو المجتمع ككل، وهو ما حذرني منه أيضاً؛ فبعضهم لم يتقبلوا فكرة امرأة تقود البواخر والسفن الكبرى، واعتبروها تعدّياً على عادات وتقاليد مجتمع، لكن إصراري على تحقيق حلمي وإكمال ما بدأ فيه والدي حال دون سماع آراء أناس خلت عقولهم حب الحياة والمعرفة».

مهنة القبطان شاقة على الرجال، وأنا لي باع كبير في البحر والموانئ، وأعلم جيداً أنها مهنة تحتاج إلى صبر وقوة وإرادة، لكن هذا ليس عائقاً أمام المرأة السورية التي طرقت جميع أبواب المعرفة على جميع الصعد، وأثبتت حضورها في المجتمعات كعنصر فعّال، وعلى الرجل أن يساندها في كل خطواتها، وأتمنى للكابتن "فاتن" مزيداً من النجاح

وعن بداياتها في البحر تتابع: «درست ملاحة بحرية في "طرطوس"، ثم انتقلت إلى العمل على سفينة والدي التي تربيت عليها منذ عمر الأربع سنوات، والتي أطلق عليها اسم "فاتن"، عملت على جميع أنواع السفن التجاري منها والخدمي، كانت البداية من ميناء "طرطوس" و"اللاذقية"، ثمّ اتسع نطاق عملي ليشمل موانئ البحر المتوسط والأسود والخليج العربي حتى المحيط الهندي، لم يكن لطموحي حدود وما زلت أحلم منذ عشرين سنة لي في البحر حتى الآن، بأن أجوب العالم بحثاً عن المعرفة والشغف، فالإنسان متى توقف عن المعرفة توقف عن الحياة».

ولدى سؤالنا لها عن علاقتها بالبحر، وماذا يعني لها كامرأة أولاً وكقبطان ثانياً، تجيب: «للبحر سحر خاص يأخذ الإنسان إلى عالم كله هدوء وراحة نفسية، هذا ما يظنه الكثيرون، لكن بالنسبة لرواد البحار يعني لنا التحدي والمغامرة والمخاطرة في بعض الأوقات، تحمل أمواجه والمسؤولية الكبرى التي تلقيها على عاتقنا، خاصة إذا كانت السفن تقلّ ركاب، ففي بعض الرحلات يسهر الكابتن ثلاث ليالٍ متواصلة في عرض البحر؛ وهو ما يسبب له التعب النفسي والجسدي، أما أنا كامرأة، استطعت أن أتعلم منه مقاومة تحديات الحياة كمقاومتي لأمواجه وإرساء سفينتي في المكان الذي اختاره أنا، البحر حرّ وأنا ابنة الساحل السوري، حرّة أبّاً عن جدّ».

وفي لقاء مع "شفيق حماد" من أهالي "طرطوس" بحار وعضو سابق في قيادة فرع الاتحاد الرياضي فيها‏، يقول: «مهنة القبطان شاقة على الرجال، وأنا لي باع كبير في البحر والموانئ، وأعلم جيداً أنها مهنة تحتاج إلى صبر وقوة وإرادة، لكن هذا ليس عائقاً أمام المرأة السورية التي طرقت جميع أبواب المعرفة على جميع الصعد، وأثبتت حضورها في المجتمعات كعنصر فعّال، وعلى الرجل أن يساندها في كل خطواتها، وأتمنى للكابتن "فاتن" مزيداً من النجاح».

الكابتن فاتن

يذكر أن القبطان "فاتن ترجمان" من مواليد "مار الياس" في مدينة "طرطوس"، وما زالت تمارس مهنة القبطان حتى الآن من "دبي" متنقلة بين موانئ العالم.

ميناء طرطوس