كتب التحقيق الاستقصائي في ثمانينيات القرن الماضي، وناصر بعلاقاته المهنية المستضعفين، بحث عن أبطال الإنتاج أينما وجدوا؛ محرضاً بقلمه على التعليم والإبداع، فكان الجندي الأمين في مملكة "صاحبة الجلالة" حتى وفاته.

الصحفي "حسن وقاف" ابن قرية "سخنة" بريف مدينة "الدريكيش" خريج الدفعة الأولى لقسم الإعلام في كلية الآداب بـ"دمشق"، أحب اللغة العربية وروادها، وأخلص لها ولهم، والمدرّس "يوسف وقاف" الشقيق الأصغر تحدث لمدونة وطن "eSyria" خلال زيارتها لأسرة الصحفي الراحل "حسن وقاف" في حي "الكرامة"، بتاريخ 9 نيسان 2016، حيث قال: «نشأت وشقيقي "حسن" معاً، وتعلمنا على مقاعد دراسية واحدة حتى السنة الرابعة من معهد "دار المعلمين" بمحافظة "حمص"؛ الذي لم يكن يقبل سوى الأوائل في مراحل تعليمهم، فقد كان من المتفوقين على أقرانه ومحباً للعلم ومتابعاً له، حتى إنه في بداية السنة الثالثة تقدم للثانوية العامة وحصل عليها مترافقة مع دراسته في الدار، وانتسب إلى كلية الآداب العامة عام 1968، وفي السنة الثانية اختص في قسم الصحافة المحدث، وهذا ترافق مع تعيينه مدرّساً في محافظة "الرقة" التي بقي فيها نحو عامين ونقل إلى الجرد الشرقي من محافظة "طرطوس".

اهتم بالكتاب والشعراء ومنهم الشاعر "نديم محمد"، حيث امتلك مجموعاته الخاصة، وكوّن علاقة صداقة رائعة معه، والكثير من وثائقه غير المنشورة كانت بحوزته

تخرج في قسم الصحافة عام 1977 ضمن أول دفعة اختصاص، وبعدها التحق بالخدمة الإلزامية ومارس الصحافة ضمن مجلة "الفرسان"، وعين عضواً ضمن رابطة خريجي الدراسات العليا لتمكنه من عمله وتفوقه به، وفي الفترة ذاتها تابع التعلم الأكاديمي في قسم اللغة العربية وحصل على إجازتها».

الصحفي حسن وقاف مع الشاعر السوري نديم محمد

ويتابع المدرّس "يوسف": «بعد الخدمة الإلزامية التي استمرت تسع سنوات تقدم للعمل في جريدة "تشرين"، وعين فيها، وتنقل بين عدة مناصب إدارية كإدارة مكتب "اللاذقية"، ومن ثم إدارة مكتب "طرطوس"، وتميز قلمه بالجرأة في ممارسة مهامه الصحفية، وخاصة في محافظة "القنيطرة" وقريتها "عين فيت" التي كوّن مع مجتمعها المحلي والرسمي علاقات قوية جداً، وتميزت تلك المرحلة بالعطاء، فكان يزورها باستمرار ويلتقي مجتمعها المحلي الأهلي والرسمي، وكان له الدور البارز في التشجيع على العمل والزراعة والصناعة، من خلال لقاء المتميزين بأعمالهم؛ كبطل الإنتاج الزراعي المزارع "شكيب أبو جبل"، وهذا كان عملاً محفزاً لاستمرار المزارع بتقديم المزيد من العطاء، وخاصة أن تلك الفترة كان للإعلام الدور البارز والمحفز، وكذلك بطل الإنتاج "علي سليمان" من قرية "البريخية" في ريف "طرطوس"، أي إنه اهتم بالمتميزين؛ ومنهم الطلاب المتفوقون، وتابعهم حتى بعد مراحل تفوقهم، وكتب الكثير من المقالات عنهم وحفزهم بذلك على المزيد من التفوق».

كما تابع أمور افتتاح المدارس، وشجع الأهالي على الالتزام بتعليم الأبناء في المدارس الرسمية عبر اللقاءات مع الأهالي وعلاقاته الطيبة معهم، وأضاف المدرّس "يوسف" عن جرأة قلمه: «كتب بجرأة عن محطات المعالجة والصرف الصحي في "طرطوس"، ومعمل الغزل في مدينة "جبلة"؛ علماً أنه في وقت من الأوقات كانت هناك خطوط حمراء حول إثارة هذه المواضيع، لكنه تخطاها بجرأة، ولم يتوقف، وناصر الفقراء والمستضعفين الذين كنا نجدهم أمام باب منزله منذ ساعات الصباح الأولى لثقتهم به وبما يمكنه تقديمه، كما اهتم بموضوع حرم الخطوط الحديدية في "طرطوس" والاعتداءات عليه، وبإثارته لهذا الموضوع أقيل عدد من المعنيين من مناصبهم».

المدرّس يوسف وقاف

كما اهتم برواد اللغة العربية وشعرائها، وهنا قال: «اهتم بالكتاب والشعراء ومنهم الشاعر "نديم محمد"، حيث امتلك مجموعاته الخاصة، وكوّن علاقة صداقة رائعة معه، والكثير من وثائقه غير المنشورة كانت بحوزته».

وفي لقاء مع الصحفي "وائل علي" مدير مكتب صحيفة "البعث" في "طرطوس"، قال: «رحلة الزميل "حسن" اقتربت من الأربعين عاماً في رحاب صاحبة الجلالة، عرفت برحلة البحث عن المتاعب وغياهب الحقيقة المضنية، وقد عرفته على أوراق الصحف قبل أن أعرفه شخصياً بسنوات طويلة، ومازلت أذكر مقالاته وتحقيقاته وكتاباته الصحفية التي شدتني باستقصائيتها الجريئة، مذ كنت طالباً في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، حول رغيف الخبز والخدمات والسكن والسياحة وغيرها، ولا أنسى تحقيقه المدوي الشهير عن حياة وتاريخ صديقه ونديمه الشاعر والدبلوماسي "نديم محمد" الذي كان يحفظ متباهياً معظم أشعاره عن ظهر قلب، لأنه كان يدرك أنه من القلائل الذين يعرفون ما لا يعرفه الكثيرون عنه، لقد كتب الراحل خلال مسيرته الصحفية الطويلة المئات من الأعمال والمواضيع الصحفية المختلفة، التي نمت عن حسّ صحفي ومهني عالٍ، فهو رجل صحافة متمرس، وظف قلمه وسخره لخدمة الفقراء وكشف المستور وملاحقة الفساد والفاسدين، وبنى العديد من الصداقات مع المشتغلين بالشأن العام من أهل السياسة والأدب والثقافة والإدارة والاقتصاد والإعلام وبسطاء الناس، فساعدته في حرق المسافات وإيجاد الحلول للكثير من المشكلات والمعضلات، وظل وفياً لها طوال حياته».

أسرة الصحفي حسن وقاف

وأضاف: «ناصر الفقراء والمظلومين والمضطهدين والمسحوقين من دون أن تأخذه لومة اللائمين، فكان منزله مأوى وملاذاً للكثيرين، ولو على حساب بيته وأسرته، ووقف إلى جانب الزملاء المبتدئين ليضعهم على السكة الصحيحة، عاصر الصحافة بزهو أيامها، وكذلك بضعفها إلى أن أحيل إلى التقاعد قبل عامين، ليبتعد عن محراب الكلمة وهو يراقبها عن بعد».

أما الصحفية "عائدة ديوب" من مكتب جريدة "تشرين" في "طرطوس"، فقالت: «عرفت الزميل "حسن" في تسعينيات القرن الماضي بعد عودتي لمتابعة عملي الصحفي في "طرطوس"، وعرفت فيه الرجل العصامي الشهم المحب لزملائه، وتجسد هذا معي شخصياً عندما بادر بطيبة وبساطة إلى مساعدتي وتقديم العون المهني لي، فأرشدني إلى مقومات التحقيق الصحفي، وقد عرف بكتابته للتحقيق الاستقصائي المميز الذي كان يستحوذ على أشهر طويلة من وقته لإنجازه، لأنه قاضٍ للكلمة ومدرك لأهميتها، فهو الفصيح باللغة والمتعمق بها، وهي سمة أدركها من عاشره».

يشار إلى أن الصحفي "حسن وقاف" من مواليد عام 1958، قرية "سخنة" بريف مدينة "الدريكيش"، توفي بداية شهر كانون الثاني 2016، تاركاً زوجة وأربعة أبناء، هم: "أنس"، و"غنوة"، و"منتجب"، و"قيس".