عرفه بعض المقربين من مسيرته المهنية بأنه سيد من كتب المقال السياسي، ووصفه بعضهم الآخر بـ"المناضل بالكلمة"، اشتهر بمقالاته الصحفية ذات الأسلوب الحواري، وحشد لها المعلومات القيمة التي شدت المتلقي لمتابعتها.

قضى الإعلامي الراحل "علي الصيوان" خمسة وأربعين عاماً في البحث والتقصي عن المعلومات وتقديمها للمتلقي بأسلوب أتقنه وتميز به؛ بحسب حديث الصحفي "ميشيل خياط" صديق "علي" منذ أيام الدراسة في معهد الإعداد الإعلامي، وأضاف: «كان الصحفي "علي" أكثر من متمكن في عمله الإعلامي ومخلصاً له، فالعمل بالنسبة له في هذا المجال يعدّ وطنياً وليس لمجرد المنفعة المادية، كان مناضلاً بالكلمة، ومن يقرأ مقالاته يكتشف أنها مختلفة عن كثير من المقالات الإنشائية التي تحتوي الكلام المكرر الذي يكتبه الكثيرون من الإعلاميين، فمقاله عبارة عن نقاش رفيع المستوى، يحشد له المعلومات القيمة التاريخية والجغرافية والسياسية والاقتصادية.

كان يحترم القارئ السوري كثيراً، ويدرك أنه فهيم ونبيه وذكي ومتعلم، ولا تنطلي عليه الخطابات، والقارئ أدرك برأيي هذا، لذلك كان يشتري الصحيفة لقراءة مقالاته أولاً

وهو رجل موسوعة لأنه تمرس القراءة منذ نعومة أظفاره، وهذا ما أدركته خلال دراستي معه في المعهد الإعلامي، حيث كنا بالكاد نقرأ عناوين الصحف، بينما هو كان قد تعاقد مع مكتبة تختزن له كل الصحف والمجلات المحلية والعربية المهمة الموزعة هنا، ليكتنز منها المعلومات ويتثقف بها، وهذا حالة نادرة برأيي، كما أنه كان متابعاً لجميع نشرات الأخبار والبرامج السياسية المحلية والعربية، وخاصة منها المصرية».

الصحفية عائدة ديوب

عُرف الصحفي "علي" باحترامه الشديد للقارئ، وهذا ما أكده الصحفي "ميشيل"، حيث قال: «كان يحترم القارئ السوري كثيراً، ويدرك أنه فهيم ونبيه وذكي ومتعلم، ولا تنطلي عليه الخطابات، والقارئ أدرك برأيي هذا، لذلك كان يشتري الصحيفة لقراءة مقالاته أولاً».

ذكريات الدراسة في المعهد كشفت النقاب عن الكثير من صفات الصحفي "علي الصيوان" برأي الصحفي "ميشيل"، وأوضح ذلك بقوله: «دراسته في المعهد ما بين عامي 1969 و1970 كانت مهمة جداً، حيث تعلم كيف تمارس الصحافة بأصولها وأسسها، فأتقن كتابة المقال والتعليق عبر القصص المشوقة. وأذكر أنه خاض نقاشاً حادّاً مع الدكتور "أحمد طربيه" حول موضوع دخول العثمانيين إلى "سورية" إن كان فتحاً على غرار الفتح الإسلامي أم استعماراً وهو رأيه، وهذا أدى إلى نقاش فكري صاخب انتشرت أصداؤه في جامعة "دمشق"، وكانت نتيجة الحوار إبداء الدكتور إعجابه بالمعهد وطلابه نتيجة ذلك».

مع الأستاذ خالد بكداش في حوار صحفي

أما الصحفية "عائدة ديوب" من جريدة "تشرين"، فقالت: «الصحفي "علي الصيوان" قامة من قامات الإعلام السياسي في بلادنا، وهو برأيي ورأي أغلب الزملاء الصحفيين سيد من كتب المقال السياسي، وخاض فيه أشواطاً جميلة مع قامات سياسية رفيعة المستوى، فخبرته الممتدة لما يزيد على أربعة عقود ليست بسيطة، بل كانت منطلقة من رغبته ومحبته للعمل، معتمداً أيضاً على متابعته الدقيقة لمختلف جوانب الموضوع السياسي الذي يرغب بالكتابة عنه، وهذا لأنه أعتمد بوجه أساسي على تثقيف ذاته بالمطالعة المعمقة بغية تجميع المعلومات الوافية لنضج الفكرة بذهنه».

الكتابة بالنسبة له حياة وموت، وهنا قالت: «لم يتوقف عن الكتابة حتى آخر لحظات حياته، لأنه أدرك أن توقفه عن الكتابة هو موته المحتم، وهذه سمة لا يدركها الكثيرون، وإن أدركوها لا يعيروها الأهمية المطلقة، فكانت آخر مقالاته بتاريخها وموعدها المعتاد قبل حوالي الأسبوع من مفارقته للحياة».

محمد محسن الصيوان

الكرم والعطاء كان له حصة من حياته، وهنا قال المهندس "هاشم علوش" الصديق المقرب منه: «تميز بكرمه وعطائه وتقديم واجباته على أكمل وجه، هذا من الناحية المادية، أما على الصعيد المعنوي فكان منزله في "دمشق" "مضافة" يلجأ إليها كل زائر لمحافظة "دمشق" من أبناء قريته وأقاربه ومعارفه، وكان يقدم المساعدة الممكنة لهم عبر علاقاته وصداقاته مع مختلف الشخصيات المهمة، وأذكر أنه ذهب إلى صديقي وهو مدرّس موسيقا بعد أن عرفته به؛ ببث مقطوعته الموسيقية عبر أثير إذاعة "القدس"، بعد أن عجز عن هذا الأمر بمفرده».

وفي لقاء مدونة وطن "eSyria" مع "محمد محسن الصيوان" طالب كلية هندسة، وابن الصحفي "علي"، بتاريخ 10 شباط 2016، قال: «كان أسلوبه بالكتابة الصحفية وفق المنهج القومي وفكره العربي، متمثلاً بالصراع العربي الصهيوني، وربط في الكثير من مقالاته المشكلات العربية بهذا الصراع الوجودي، وهذا نتيجة فكره ومتابعته وبيئته الفقيرة التي نشأ فيها، حيث عاش في كنف أسرة محبة تفتقر لمعيلها، وساهمت أخته التي تكبره بالسن بتربيته وتنشئته، وهذا كان الأساس الذي عاش عليه طوال حياته هو المحبة ومساعدة غيره، كما كان على صعيد علاقاتنا مع الأصدقاء والرفاق باحثاً بعمق طبيعة أسرهم وأصولها، والانفتاح كان سمة تميز بها، حيث كان يجالس الكبير والصغير، الفقير والغني من دون استثناء».

ويضيف الشاب "محمد" عما غرسه والده في نفوسهم كأبناء: «كنت مقرباً جداً مما يكتب لكونه أوكل إلي الطباعة الإلكترونية لما يقدمه ورقياً من مقالات، وهذا ساهم بتنشئتي على خطاه، علماً أنه كان صارماً معنا وفق مبادئ وقيم أخلاقية رغب بتقديمها لنا بطريقته الخاصة، على مبدأ لا تعطني السمكة بل أعطني الصنارة لأتعلم الصيد، وتجسد هذا على الصعيد الشخصي بأنه لم يتدخل أبداً بصفته الصحفية بحل أي مشكلة واجهتها، وأذكر أنني احتجت إلى ذلك مرة خلال دراستي الأكاديمية، فقال لي: "يجب أن تعتمد على ذاتك دون سواها"».

واهتم بالقطاع العام وعمل جاهداً على مساندته منطلقاً من ذاته، وهنا قال: «أذكر أنه في إحدى لقاءاته الصحفية مع السياسي "خالد بكداش" ارتدى طقمه الرسمي وقصد موعده، وبالمصادفة كان الضيف يرتدي ذات الطقم، وحين سأله عن مصدره أخبره والدي أنه من إحدى مؤسسات التجزئة الحكومية، وأظن أنه من ذات مصدر طقمك، فأثنى الضيف على مبادئه، وقال له: "يجب أن نستمر بدعم القطاع العام انطلاقاً من أنفسنا، لنكون قواعد تبني عليها الأجيال القادمة"».

بقي أن نذكر، أن الإعلامي "علي الصيوان" من مواليد عام 1945، في قرية "تعنيتا" بريف مدينة "بانياس"، حصل على الثانوية العامة من ثانوية "جول جمال" في محافظة "اللاذقية"، توفي عام 2016، وهو متزوج وله أربعة أبناء، وقد حصل على المرتبة الثانية بمسابقة الصحافة السورية عام 2009.