عمل الدكتور "عزت عبد الله" طوال سنوات حياته بصمت كبير، وفقاً لأخلاقيات ارتوى بها من بيئته الاجتماعية، وقدم خبرته ومعرفته مجاناً في أغلب الحالات الاستشفائية، وكان قارضاً للشعر ومحاوراً به.

يتردد اسم الدكتور "عزت عبد الله" في كل ركن من أركان مدينة "بانياس"، والمدرّس "علي حسين داؤود" الذي واكبه لفترات طويلة تحدث عنه لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 15 شباط 2016، فقال: «لقد عرفت هذا الإنسان من خلال اسمه الذي تردد على ألسنة الناس، فهو الطبيب الذي يكاد يكون وحيداً في "بانياس" مطلع خمسينيات القرن الماضي، وبعدها عرفته عن كثب الطبيب الإنسان بعد أن استدعيته كما غيري في منتصف الليل مسعفاً، فكان الطبيب والممرض والصيدلي، ثم عرفته أديباً في الملتقيات الأدبية والأمسيات الشعرية، وقد كان حضوره مميزاً، فهو يحفظ من الشعر العربي والنثر الفني ما أحسده عليه، ويمتلك من الذائقة الأدبية والحس اللغوي ما يجعلني أنا المختص في اللغة العربية أتهيّب من النقاش معه في هذا الموضوع.

تميز بمحبته للأدب وقرضه للشعر بأسلوب لافت، وعليه امتلك مكتبة مميزة قرأ كل ما فيها، وهذا انعكس على طبيعة كلماته وحواره العام، وانعكس أيضاً على فطنته وسرعة بديهته، فكانت أجوبته لأي استفسار تصيب الهدف بدقة ومرونة، ومقرونة بشواهد وحكم مأثورة

ثم عرفته أخيراً زميلاً تجمعنا معاً نقابة واحدة هي نقابة المعلمين، فعمل مسؤولاً للصحة المدرسية، وكنت رئيس شعبة نقابة المعلمين في المدينة، ولم أسمع على مدى ثلاث دورات نقابية معلماً أو معلمة يشكو من تصرف لا يليق به كطبيب أو إنسان أو أخ، فهو يعرف سر التوازن بين مصلحة المدرسة وحاجة المعلم، ولم يكن للصحة المدرسية حينها مكان مخصص، فعيادته هي المستوصف والمكتب، بل كانت منزلاً في كل وقت للمرضى وأصحاب الحاجة».

الدكتور كمال رحمون

وفي لقاء مع الدكتور "كمال رحمون" صديق الدكتور "عزت عبد الله" لما يزيد على عشرين عاماً، أكد بالقول: «لقد تعامل مع مختلف فئات المجتمع بحكم مهنته، وبالأخص الفقراء منهم، حيث خصهم بالكثير من الاحترام والتقدير والمساعدة بالأدوية والمعاينة المجانية، فهو لم يكن مادياً، ولم ينظر إلى المريض على أنه زبون سيحصل منه على المال، وإنما كان يرى فيه الاستحقاق للمساعدة».

وتابع: «اهتم بالأدب لدرجة كبيرة، فقلما تجده جالساً في عيادته من دون رفيقه الكتاب، وقد أغنى ذائقته بالكثير من المعلومات العامة عن منطقتنا، التي كشف عن مكنوناتها أمامنا حين الحاجة إليها، نستفيد منها ونستزيد بالمعلومات، فهو المنهل الذي نهلنا منه معرفة ضمن جلساتنا الخاصة في عيادته التي كانت ملتقى الجميع بعد الانتهاء من أعمالنا بمختلف اختصاصاتها.

الدكتور أيمن حرفوش

لقد كان الدكتور "عزت" الناصح لأصدقائه، وعندما بدأت العمل بمهنتي، قدم لي نصيحة تتعلق بإمكانية التعاقد مع الدولة، ومحاولة ضبط العائد المالي الذي أجنيه من عملي، والذي كان ممتازاً لكوني أول طبيب أذنية في المدينة، وهذا يعني أنه كان محاكياً للواقع بمنطقية وعقلانية تعتمد على بعد النظر المعرفي، إضافة إلى أنه قادر على استنباط الإيجابيات من تلك المحاكاة وتقديمها نصيحة للآخرين».

ويضيف: «تميز بمحبته للأدب وقرضه للشعر بأسلوب لافت، وعليه امتلك مكتبة مميزة قرأ كل ما فيها، وهذا انعكس على طبيعة كلماته وحواره العام، وانعكس أيضاً على فطنته وسرعة بديهته، فكانت أجوبته لأي استفسار تصيب الهدف بدقة ومرونة، ومقرونة بشواهد وحكم مأثورة».

المهندس نمير عبد الله

جاره في العمل والمهنة الدكتور "أيمن حرفوش" الذي عاصره زميلاً أضاف: «هو من الأشخاص القلائل الذين حملوا على عاتقهم الهم الصحي للمدينة بأكملها، وقد أدركت هذا وأنا في مقتبل العمر عندما كان يزورنا في المنزل للاستشفاء الطبي، وكانت تلك الأيام صعبة جداً نتيجة الفقر، وعلى الرغم من هذا لم يكن ينتظر معاينة من مريض أو يلتفت إلى الخلف للحصول عليها، بل يقول كلمته الشهيرة عندما يعرض عليه أجور المعاينة: (روح جيب الدواء هي أهم)، ويثبت هذا التفكير والتعامل مع الآخرين أنه نتيجة شعوره بالآخر وكأنه جزء من حياته».

خرج من بيت يقدس العلم، ويعرف معنى الكلمة، حيث تحدث ولده المهندس "نمير عزت عبد الله" عن تفاصيل صغيرة تخصه بالقول: «عرفه الجميع باسم الدكتور "عزت" بينما هو في الحقيقة اسمه مركب "محمد عزت عبد الله"، وهو من مواليد عام 1932 في قرية "فارش كعبية"، عاش في كنف أسرة كبيرة مقتدرة مادياً محبة للتحصيل العلمي، ومن أفرادها المحامي "عبد الله" الذي جاهد ضد الاستعمار الفرنسي في مرحلة من المراحل، وعمتي "شمة" مدرّسة في زمن قلّت فيه المدرّسات.

درس في جامعة "دمشق" وعين في قطاع التربية ضمن الصحة المدرسية، وكانت له عيادته الخاصة التي يستقبل فيها المرضى، وكأنه أراد بها تفريغاً لطاقاته تجاه الحالات الإنسانية والفكرية، وهذا تبلور بعد التقاعد الوظيفي فاستقر في العيادة لتصبح ملتقى الأصدقاء من أطباء وأدباء.

كما أحب الرياضة والتزم بساعة سباحة بحرية يومياً منذ الصباح الباكر، ليعود إلى عيادته سيراً على الأقدام ليلتقي الناس ويدرك حاجاتهم ويقدم المساعدة لهم، وهذا تكرس أيضاً بمعايناته المجانية والإسعافات الليلية، وكان بعضهم يحصلون على أدويتهم من دون مقابل».

الجدير بالذكر، أن الدكتور "عزت عبد الله" ترأس نقابة أطباء "طرطوس"، وكرم من قبل نقابة الأطباء في "حمص" كأحد أقدم الأطباء في "سورية" خلال القرن الماضي.