اسم له الأثر الطيب في الكثير من النفوس، لما قدمه لها من محفزات لمتابعة التحصيل العلمي، وأخرى لتقريب أبناء المجتمع الواحد بعضهم من بعض، فأسس دوراً للعبادة وأخرى للطبابة والاستشفاء.

المهندس "عبد الحليم الأعسر" ابن مدينة "بانياس"؛ الذي تحدث عنه الأستاذ الجامعي "عبد الله بلال" خلال تكريمه كشخصية مجتمعية في المركز الثقافي العربي في "بانياس"، يقول: «لم أدرك عن قرب المهندس "عبد الحليم"، لكن ما سمعته عنه تجاوز حدود المعرفة الشخصية، وخاصة في المجال المجتمعي، حيث كان له الفضل على الكثيرين من الشباب في متابعتهم لتحصيلهم العلمي، وهذا إن دل على شيء فهو دلالة على نبل أخلاقه ومحبته لتنشئة المجتمع فكرياً في مرحلة كانت تكاد تسودها الظلمة نتيجة الفقر، إضافة إلى توجهه نحو مساعدة الفقراء والمحتاجين بالكثير من الحاجيات اليومية والحياتية كالدخل المستمر، وكأنه يريد أن يحصن نفسه بالعمل الصالح».

لقد قرأت تاريخ هذا الرجل في لحظة مررت بها بالقرب من "جامع النور"، وكانت الدعوة لصلاة الغائب، فرأيت وجوه الناس مكفهرة لرحيله، ومن تحدثت معهم أخبروني عن عطاءات نالوها منه، وكأنهم يرونه مثالاً يجب أن يحتذى به، وهذا له دلالات اجتماعية قرأتها بدقة، هي الألفة والمحبة التي غرسها في نفوسهم وتمكنوا من توظيفها في حياتهم العامة، فكان لها أثرها الإيجابي في المجتمع

المدرّس وعضو مجلس الشعب "محمد وحود" عنه يقول: «لقد كان المرحوم "عبد الحليم" الكريم الصامت والمغدق العطاء على ساحة المدينة والوطن، فلم يكن يدرك المستحق للمساعدة أمثاله من الحاصلين عليها، لأنه عمل بصمت كبير، حتى أقاربه المساعدين له لم يدرك أحدهم ما يقوم به الآخر، وأظن أن هذا له الكثير من الدلالات على الصعيد المجتمعي، أهمها أن لا يشعر أحد الحاصلين على المساعدة بشيء من النقص أو الإهانة أمام المعارف والأصدقاء، وهذا ما يمكن تسميته نبل الأخلاق».

خالد حيدر يكرم مصطفى الأعسر بالنيابة عن أسرته

مدير المركز الثقافي بالمدينة "خالد حيدر" يقول: «لقد قرأت تاريخ هذا الرجل في لحظة مررت بها بالقرب من "جامع النور"، وكانت الدعوة لصلاة الغائب، فرأيت وجوه الناس مكفهرة لرحيله، ومن تحدثت معهم أخبروني عن عطاءات نالوها منه، وكأنهم يرونه مثالاً يجب أن يحتذى به، وهذا له دلالات اجتماعية قرأتها بدقة، هي الألفة والمحبة التي غرسها في نفوسهم وتمكنوا من توظيفها في حياتهم العامة، فكان لها أثرها الإيجابي في المجتمع».

وفي لقاء مدونة وطن "eSyria" مع شقيقه "مصطفى الأعسر"، بتاريخ 2 شباط 2016، يقول: «عاش "عبد الحليم" في كنف أسرتنا الميسورة الحال، لأب وأم بسيطين مدركين للحياة ومنفتحين عليها، وهذا شجعه على تحصيله العلمي، وتابعه على الرغم من مشقته ليحصل على الشهادة الثانوية من مدرسة الشهيد "جول جمال" في محافظة "اللاذقية"، وتابع الدراسة الأكاديمية اختصاص الهندسة في جامعة "حلب"، وعمل خلال العطل الجامعية مدرّساً في مدرسة "الراهبات" بمدينة "بانياس"، وكانت له بصمة جميلة في الحض على التعليم في تلك الفترة، لأن نسب الملتحقين بالتعليم بسيطة نتيجة الظروف الحياتية الصعبة، وبعدها سافر إلى دولة "الكويت"، حيث كان من أوائل المهندسين المتواجدين على أرضها، الذين ساهموا في النهضة العمرانية الكبيرة للبلد في تلك المرحلة».

عضو مجلس الشعب محمد وحود

لكن عمله في المغترب لم يبعده عن بيئته ومجتمعه السوري، ويتابع "مصطفى": «كان كل عام يخصص مساعدات مادية وعينية للمدارس، أقدمها بيدي بعد تسلمها منه، وتصل إلى مديري المدارس ليتصرفوا بها وفقاً لحاجيات الطلاب، ليستمروا بتحصيلهم العلمي، لأن تلك الفترة أغلب الطلاب تخلوا عن متابعة التعلم نتيجة الظروف المادية، أي إن مساعداته كانت للحض على التعليم، وهذه أمور أدركتها منه حيث كنت الحلقة التي تربطه مع ما يفعله هنا.

لكن ما كان يقدمه لخارج المدينة ومنها في محافظة "اللاذقية" و"دمشق" لم أدركه إلى حين التقيت أحد الأشخاص خلال العزاء الذي أقمناها له في المدينة، حيث تقدم مني شخص وعرفني بنفسه بأنه طبيب من "اللاذقية" وأخبرني أنه أصبح طبيباً بفضل أخي وما قدمه له ولكثيرين من الشباب غير القادرين على متابعة التحصيل العلمي».

مصطفى الأعسر

ويضيف: «كان يرسل أيضاً مساعدات للأسر والعائلات الفقيرة لتعزيز أواصر المحبة بين الجميع، وهذا كان له انعكاس إيجابي على المجتمع ككل من ناحية تحسن الأحوال وطيبة النفوس، وكل هذا وفقاً لإمكانياته المتحسنة باستمرار وبوتيرة جيدة.

وتابع بخدمة مجتمعه وتحسين أحواله، فبنى أهم مستشفى خيري فيه، وهو "مستشفى جمعية البر والخدمات الاجتماعية" وجهزه بمختلف التجهيزات الطبية ومن أفضل الماركات العالمية، وأذكر حينها أنه دفع رواتب كادره الطبي والإداري لثلاثة أشهر مسبقة، ليتمكن من الإقلاع الناجح، كما توجه نحو ما يتطلع إليه المجتمع في المدينة مع أنه لم يكن فيها، وهذا دليل على تواصله الجيد معه، فتوجه نحو بناء المساجد التي تساهم بتهذيب وتهدئة النفوس والأخلاق، فأكمل بناء أكبر مسجد في مركز المدينة وهو "جامع النور"، وبنى بالكامل مسجداً في قرية "البساتين" وآخر في منطقة "عرب الملك" شمالي الحدود الإدارية لمدينة "بانياس"، كما ساهم بتأسيس وترميم مساجد أخرى منها: "جامع الرضوان"، و"جامع البحر"».

يذكر أن المهندس "عبد الحليم الأعسر" من مواليد مدينة "بانياس"، عام 1931.