سيرة ثرية تلك التي بدأها البروفيسور السوري "عبد اللطيف اليوسف"، ولا تزال إلى اليوم تثري بعطائها أجيالاً جديدة من الكيميائيين في مختلف أنحاء "سورية".

أكثر من عشرين كتاباً تخصصياً في الكيمياء والكيمياء العضوية، وعشرات البحوث العلمية المنشورة في مجلات علمية محكمة عبر العالم، أحدها ما يزال اليوم وبعد مرور ربع قرن على كتابته مرجعاً علمياً في الولايات المتحدة تكتب به الدراسات والبحوث العلمية في أحدث نظريات الكيمياء في القرن العشرين.

التزامه المطلق بقواعد البحث العلمي العالمي المعتمدة، عدا أنه كان دوماً مرجعاً لكل الباحثين عن مساعدة علمية أو إنسانية في جامعته التي عاش فيها حوالي العقد

"عبد اللطيف اليوسف" بروفيسور سوري من مواليد 1942، مدينة "صافيتا" في محافظة "طرطوس"، تخرج في قسم العلوم اختصاص فيزياء وكيمياء من جامعة "دمشق" عام 1964؛ ليعين مدرّساً للمادتين في "كفر تخاريم" ثم "معرة مصرين" بمحافظة "إدلب" نفس العام، يتحدث عن تلك المرحلة فيقول: «في وقت قصير تمكنت مع طلابي من بناء العديد من الأفكار العملية في المدرسة والمدينة الصغيرة، موادها من قلب البيئة مثل جرس كهربائي من مواد متوافرة حول الطلاب الصغار، تلك الأفكار التجريبية بقيت هاجساً لدي في تحويل الطرائق التدريسية لتختلف عن طرائقها التقليدية، وقد نجحت وقتها لكن هاجسي لم يتوقف هنا فقد كنت أريد أن أعرف العالم أكثر وبطريقة مختلفة، فانتقلت إلى "حلب" لوقت قصير حين حصلت على منحة لدراسة كيمياء التبغ في جامعة أميركية عام 1965».

البحث الشهير الذي وضعه

في الولايات المتحدة بدأ تحدٍّ آخر يتعلق باللغة، فاللغة التي تعملها هي الفرنسية، ولغة التعليم هناك هي الإنكليزية كما هو معروف، لم يقف هذا التحدي أمامه فنجح في مقررين بعلامات تجاوزت 80%، ودافع عن أطروحته في الماجستير عام 1968 في معهد "فيرجينيا" التكنولوجي، يقول: «في ذاك الوقت كانت نظرية جديدة مطروحة في الكيمياء تسعى لتوحيد القوانين الكيميائية، عملت على هذه النظرية الجديدة مع الحاصل على "نوبل" فيها، وقمت بتصحيح أحد الأبحاث في كبرى مجلات الكيمياء العالمية، عملت خلال تلك المدة كمساعد باحث ثم باحثاً ومدرّساً حتى عام 1974 حين دافعت عن أطروحتي للدكتوراه ونلتها بتقدير كبير مع جوائز عن تدريسي الممتاز لمنهاج الكيمياء في ذلك المعهد، بعدها عدت إلى جامعة "تشرين" مدرّساً حتى عام 1980».

تنقل البروفيسور "اليوسف" في كلية العلوم وكيلاً وعميداً للكلية، وأستاذاً مساعداً ثم رئيس قسم في معهد "الكويت" للأبحاث العلمية، وبعدها إلى "الولايات المتحدة" كأستاذ زائر في نفس الجامعة التي حصل منها على درجة الدكتوراه في فلسفة الكيمياء. عام 1987 كان مفصلاً مهماً في حياته كباحث حيت تولى إدارة معهد البحوث البحرية في "اللاذقية".

من مؤلفاته

يتحدث عن تلك المرحلة فيقول: «تحول المعهد عبر سنوات العمل إلى خلية عمل يومية بعد أن كان مركزاً مهملاً، وصلنا إلى مرحلة إجراء دراسات جامعية تتعلق بالبيئة البحرية التي يدرسها المعهد، وبنفس الوقت الذي أكمل بعض من الطلاب رسائل ماجستير فيه».

بعيد انتهاء علاقته مع المعهد تحول البروفيسور "اليوسف" إلى التدريس ثانية، وهو الفعل الذي يعشقه كثيراً، فدرّس في "الولايات المتحدة" و"سورية"، وتسلم رئيس قسم الكيمياء في جماعة "القلمون" الخاصة، وعبر هذه الرحلة التاريخية نال العديد من الجوائز العالمية؛ منها جائزة "الأمم المتحدة للبيئة" عام 1992، وقبلها جائزتان من شركات أميركية تتعلق بعمله في الكيمياء، كما كان ومازال عضواً في العديد من المؤتمرات الدولية والعربية والمحلية.

في فرنسا مع الأمم المتحدة

يعدّ البروفيسور "اليوسف" أن هناك فرقاً بين الباحث والشخص الذي يحمل شهادة الدكتوراه أو غيرها، فالباحث يقدم ما يمكن أن يمثل في لحظة ما فرقاً في تاريخ البشرية، التعليم بالتأكيد مهم وله حضوره الكبير، لكن للبحث العلمي شروطه وعالمه المختلفين، لذلك من المهم التأسيس للمعايير الأكاديمية لدينا بعيداً عن الخلط بين مفاهيم الإدارة والعلم، ويقول: "ما نحتاج إليه تقاليد أكاديمية واضحة في حياتنا الجامعية والبحثية".

في العديد من الكتب العلمية العالمية تجد استشهاداً بتجارب وتاريخ البروفيسور "اليوسف" كأحد الأشخاص الذين تركوا بصمتهم في هذا العالم الغامض للعامة، يذكر الباحث "ميشيل أوغليرزو" مشارك الباحث "اليوسف" كثيراً منها عبر كتاباته العلمية؛ أنه من الأشخاص القلائل الذين يتمتعون بروح البحث العلمي والأكاديمي بطريقة متزنة حاضرة البديهة والتوثيق والإنتاج دوماً.

ويقول "أوغليرزو": «التزامه المطلق بقواعد البحث العلمي العالمي المعتمدة، عدا أنه كان دوماً مرجعاً لكل الباحثين عن مساعدة علمية أو إنسانية في جامعته التي عاش فيها حوالي العقد».