شخصية وصفها من عاصرها وتلقى المعرفة على يديها بالشخصية الموسوعة، أحبّت الإنسان على مساحة الجغرافية فمنحته المعرفة خير زاد، وتسلحت بالنظرة الشمولية وخاصة المنتمي إلى الطبقة الفقيرة فكان لها منه "فرنك الفقير".

تنقل "حسن لطش" المدرّس لعدة اختصاصات علمية ما بين "الحسكة" و"اللاذقية" و"طرطوس"، وهو ابن مدينة "بانياس"، تحدث عنه "محمد وحود" (عضو مجلس الشعب ومدرّس سابق)، وهو ممن تلقى العلم على يديه، ويقول: «لقد كان لأبناء منطقتي وعد مع المعرفة من خلال هذه الشخصية الموسوعة، مطبقاً قول الحكيم "سقراط": (لو تحدث الناس فيما يعرفونه لساد الهدوء والأمن والسلام العالم بأسره)، لقد عرفت الأستاذ "حسن" وأحببته لأنه كان بالنسبة لمن يعرفه منهلاً حقيقياً للمعرفة، لقد ساهم في بناء حالة علمية معرفية في الفترة التي عاش فيها، وحتى بعد رحيله عبر الكتب المعرفية التي أورثها لنا جميعاً وهي خير زاد.

علاقته بمحيطه وعائلته وأصدقائه وطلابه كانت مميزة جداً، جسد بعضها رفاق دربه وطلابه بحفل تكريمه في مدينة "بانياس" عبر ما صرّحوا به، فقد كانت علاقته بهم أبوية، كما أنه كان أخاً وصديقاً صدوقاً لرفاقه، ومحبّاً ومخلصاً لهم ولكل من عرفه

فقد علمنا أن نُعمل عقولنا لنحصّل المعرفة، ونفتح قلوبنا على المحبة، ونتابع حياتنا متوجهين إلى المستقبل، وهذا أذكره في كل كتاب أطالعه له، وأتذكر أيضاً رفاقنا وهم يتلقون المعرفة منه، وأصبحوا ذوي شأن مهم، كلٌ في اختصاصه العلمي المعرفي».

سليمان محمد

ويتابع: «أنا على يقين أن المدرّس "حسن" خطط عن سابق إصرار لتطبيق المعنى الحقيقي لكلمة عقل، وشفعها بمعانٍ أخرى كالرسالة، الانفتاح، الاستشراف، القدوة، الانضباط، الحزم، المحبة، وتوجها بالمسؤولية والأمانة، وتحملها باقتدار، وعرف علّة تخلفنا وهي الجهل، فعمل على انتشالنا من براثنها.

واستمر حتى لحظاته الأخيرة يواصل نداء الوطنية والقومية، نداء الوعي والمعرفة وتحصيلها وغرسها لتنمو وتزدهر وتثمر وتستثمر، وكان مثالاً بسلوكه وتفانيه لأداء الواجب بحزمه وانضباطه وجرأته، فأداته الكلمة الطيبة والتوجيه والنصح، فغرسها فينا، وحمل عبء تعليمنا وقاسمنا آمالنا وآلامنا الفردية والوطنية والقومية، وحمل رسالته التربوية التي هي أداة الفهم وغايته، فكان مثال المربي على قيم التفاهم، وغرس فينا أيضاً القدرة على التواصل ورعاها، فثانوية "بني بانياس" يوم وجدت كانت مدرسة كل أبناء المنطقة، وخاصة في المرحلة الثانوية فزرع فينا قدرة الانفتاح على الآخر، والثقة بالنفس، وإفادة غيرنا والاستفادة منهم، وآمن بأن الدولة الحديثة تستولد من المدرسة الحديثة».

أيوب الحايك وسوزان لطش

في دروسه لمادتي الجغرافية واللغة الفرنسية حكاية أخرى؛ أوضحها المدرّس "محمد وحود" بقوله: «اكتشفنا أن العلم الحي المثمر المنفتح هو العلم المفتوح على الأسئلة والتجارب، على الحقول والجهات بلا نهاية، في مدرسته تعلمنا أن العلم سؤال على الحدود بلا وجود، وأنه يصعد من التجربة الفردية بقدر ما يجيء من التجارب والبحوث المنهجية، فكانت دروسه تسير دائماً في خط الأسئلة المتوالدة، والإضاءات المتعددة الاتجاهات، وانفتاح الموضوع على موضوعات ومقارنات، ثم العودة إلى الموضوع المحوري وهو الدرس.

في كل درس من دروس الجغرافية كان يفتح لنا نافذة على العالم، ويشدنا إلى عالم القراءة لكي نعي ونرتقي، فكان قارئاً نهماً ومثقفاً كبيراً وموسوعة ثقافية شمولية في زمنه وحسب إمكانات ذلك الزمن، كان أهم أهدافه التربوية أن نقرأ، ونحلل ما قرأناه، وأن نربط ما حصلنا برباط التراكم المعرفي المضاف إلى ما حصلنا برباط المقارنة والنقد المؤسس لبناء فكري سليم ووعي سليم».

خلال تكريم أسرة المدرّس حسن لطش في ثقافي بانياس

وفي لقاء "سليمان محمد" (عضو مجلس الشعب السابق) أحد تلامذة المدرّس "حسن لطش" يقول: «أمضى ثلاثة وثلاثين عاماً في التربية والتعليم، وتنقل فيها من "الحسكة" إلى "طرطوس" إلى "صافيتا" إلى "بانياس" إلى "اللاذقية" وإلى "الجزائر"، ثم عاد إلى "اللاذقية" ليتقاعد عن عمله فيها، فهو المربي الذي لم يمت بذاكرتنا لأنه عرف دربه وسلكه باقتدار».

ويتابع: «جاء بإبداع في كل يوم سبت على امتداد العالم الدراسي، حيث كان يقوم بجمع بعض المال من كل طالب، وقيمة هذا المال لا تتعدى الفرنك السوري في تلك المرحلة، ليضعه في صندوق خاص، أطلق عليه اسم "فرنك الفقير"، وبعدها يقوم بنفسه بتفقد أحوال الطلاب الفقراء، ثم يشتري الأحذية والألبسة واللوازم الضرورية لهم، ليقوم بتوزيعها بإشراف لجنة من المدرّسين في المدرسة، هذا ناهيك اهتمامه بمكتبة المدرسة، وتوزيع الكتب كإعارة على الطلاب من أجل الفائدة والمعرفة».

أما "أيوب الحايك" الصديق القديم للمدرّس "حسن" فيقول: «كان قارئاً نهماً لكل شيء، وهذا خلق لديه ذائقة فكرية متقدة كوّنت لديه الأفكار ووجهات النظر كخلاصة تجاربه السياسية والفكرية، إضافة إلى الأفكار التربوية والإنسانية كخلاصة لعمله الدؤوب في التربية والتعليم والإدارة على مدى سنوات طويلة، هذا ناهيك عن الأفكار الدينية خلاصة الحياة في وطن متعدد الطوائف ونظرته العلمانية في هذه الأفكار».

وفي لقاء مع "سوزان لطش" ابنة المربي "حسن لطش" تقول: «كان حلم والدي أن يترجم كل ما كان يدور في رأسه من أفكار إلى مؤلفات يخاطب بها الأجيال القادمة، ليتعلموا كيف يبني الإنسان أوطاناً ويربي أجيالاً تحمي هذا البناء كإرث لأجيال قادمة، لذلك بدأ الكتابة وإصدار العديد من المؤلفات وفقاً لتلك الأفكار، ومنها: "خواطر وآراء جريئة"، و"أحداث العالم الجديد ابتداءً من 11 أيلول 2001"، و"المؤامرة الكبرى"، وعمل جاهداً لتصل هذه المؤلفات إلى أغلب الناس بأقل تكلفة، فلم يكن همّه الربح المادي بقدر ما يهمه الربح المعنوي، متجسدة هذه الفكرة بالأعداد الكبيرة التي تهتم بما كتبه من أفكار تنير عقولهم وطريقهم في بناء حياتهم ومستقبلهم كما يجب».

وعن علاقاته الاجتماعية تقول: «علاقته بمحيطه وعائلته وأصدقائه وطلابه كانت مميزة جداً، جسد بعضها رفاق دربه وطلابه بحفل تكريمه في مدينة "بانياس" عبر ما صرّحوا به، فقد كانت علاقته بهم أبوية، كما أنه كان أخاً وصديقاً صدوقاً لرفاقه، ومحبّاً ومخلصاً لهم ولكل من عرفه».

وفيما يخص نشأته البيئية والفكرية تقول: «نشأ والدي ضمن أسرة فقيرة متعاونة، القائمون عليها مجاهدون في الحياة، تلقى علومه الأولى ضمن ما كان يعرف بالكتّاب لثلاث سنوات، وانتقل بعدها إلى أول مدرسة ابتدائية أنشئت في "طرطوس" عام 1936، وحصل منها على الشهادة الابتدائية باللغة الفرنسية، ثم دخل ثانوية "اللاييك" الفرنسية وحصل منها على شهادة البكالوريا القسم الأول علمي عام 1945، ثم أكملها في "ثانوية الحميدية" المعروفة بـ"ثانوية المأمون" حالياً في "حلب" عام 1946، وحصل على البكالوريا فرع الفلسفة.

وقضى في التعليم الابتدائي سنة واحدة، ثم انتسب إلى المعهد العالي للمعلمين بـ"دمشق" عام 1948، حيث حصل على "ليسانس" في الجغرافية، ودبلوم في التربية من مرتبة الشرف الثانية».

يذكر أن المدرّس "حسن لطش" من مواليد "حي الخراب" في "بانياس" عام 1926، وتوفي عام 2012، وله ولدان وثلاث بنات.