شاعر عبقري، كاتب وباحث أتحفت مؤلفاته المكتبة العربية الحديثة، طرح عناونين في الإصلاح الاجتماعي، واختار تدعيم قيم الحب والتسامح، وامتلأت مذكراته بأيام الإبداع والعطاء.

يعدّ يوم 2 تموز 2014 الذكرى 15 لرحيل الشاعر الكبير "حامد حسن معروف" المتوفي سنة 1999، والمولود في قرية "حبسو" قضاء مدينة "الدريكيش" سنة 1918، هو عضو المجلس الأعلى للآداب والفنون والعلوم الاجتماعية - لجنة الشعر، ورئيس فرع اتحاد الكتاب العرب في محافظة "طرطوس".

تمثل القصيدة عنده بناء متكاملاً، ومخلوقاً مركباً بأحسن صورة، وهنا كانت اللغة عنده تحمل رقة الورد، ولألأة الصباح، وإشراقة ابتسام ثغر الأحبة، وقد تكونت عنده هذه الخصائص من خلال الإلهام، وثقافة عميقة واسعة، ودراسة نادرة على الأقل في عصره هذا

تفرد الشاعر المرحوم "حامد حسن" في كل لمحة وإشارة وخطوة ورأي في حياته الإبداعية، ومن رأيه في الشعر قوله: «هو التعبير من خلال كلمة حية، معبرة، مسؤولة، وجملة مخملية متناغمة، وهو الموسيقا من خلال التناغم والتساوق والانسياب، ثم الصور، والظلال، والألوان، والحركة وهذا هو التصوير، وهو التأثير من خلال الإحساس، والرعشة، والهزة، الاستثارة، والهيجان، هذا هو الشعر تعبير، موسيقا، تصوير، تأثير، هو إطار فني يزاوج ويعاطف بين هذه العناصر، وهكذا هو العمل الشعري المتكامل».

المحاضرون في تاريخ وأدب الشاعر "حامد حسن"

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 2 تموز 2014، السيدة "إلهام سليمان" مسؤولة المراكز الثقافية في "طرطوس" خلال تكريم الشاعر الكبير "حامد حسن" في ذكرى وفاته، وعنه تقول: «ولد الشاعر مع ولادة الفقر والقهر والحرمان زمن الويلات والحروب، في نهاية العقد الثاني من القرن العشرين حيث لا متسع إلا للجهل والخرافات والاستلاب، إلا لمن ألقي إليهم التفرد على الظلم وأهله، فحفظ في سن مبكرة القرآن الكريم وأكثر خطب الإمام "علي" رضي الله عنه وقصائد الشعراء العملاقة، ليبرز في صباه شاعراً ملهماً وأديباً مميزاً، وصنع عالماً ثقافياً مميزاً، فكانت قصائده في مختلف ألوان الإبداع، عشق الوطن حدّ العبادة، واكتنز حبه حتى اليقين، ومن ريفه استوحى صفاء الإنسانية وجرأة القول في الحق، ومما أبدعه في الوطن قوله:

(وطني عشقتك ثائراً متمرداً... وأنا ابن هذا الثائر المتمرد

من إحدى حفلات تكريمه في "مركز ثقافي طرطوس"

سلسلت حبك خمرة وأدرتها... للمترف الريان والعطش الصدي

علمتني الحب الذي نادى به... عيسى، وكان شعار آل محمد

الأديب العربي الكبير "حامد حسن"

لا شيء غير الحب مكتوب على... باب الكنيسة أو جدار المسجد)».

أما الأديب الأستاذ "يونس إبراهيم" فيقف في حديثه عند اللغة ودلالة اللفظ الشعرية عند "حامد حسن"، ويقول: «تمثل القصيدة عنده بناء متكاملاً، ومخلوقاً مركباً بأحسن صورة، وهنا كانت اللغة عنده تحمل رقة الورد، ولألأة الصباح، وإشراقة ابتسام ثغر الأحبة، وقد تكونت عنده هذه الخصائص من خلال الإلهام، وثقافة عميقة واسعة، ودراسة نادرة على الأقل في عصره هذا».

من جهته دخل الباحث الأستاذ "يوسف مصطفى" في العمق منقباً في فنية تشكيل الصورة الشعرية وغناها الجمالي في شعر "حامد حسن"، ويقول: «تتمحور مقاربتي حول الصورة الشعرية وتشكيلها، وفنية بنائها، واختيار المفاصل اللافتة والجديدة في الرؤية الصورية، وإحضارها، ومن أمثلة تلك الصور قوله واصفاً أحد العميان في قريته:

(ضعتُ في الدرب بصيراً واهتدى... لم يضع في دربه رغم عماه

يا نزيل الليل خذني للسنا... أنت أهدى!! أنت أهدى من أراه!!

لم يزل دربك حتى في الدجا... مستقيماً، وهم في النور تاهوا

هكذا شاء له خالقه... فلماذا يشتم الأعمى أباه؟).

كما قدم "حامد حسن" نمطاً صورياً حمل جديده الوصفي، وجمالية الاشتغال على التفاصيل، وخطاب الداخل النفسي، بتقديم الأعمى المبصر والمبصر الأعمى».

أما عن فنية التخييل وبنائه يضيف "مصطفى": «تتجلى الكلاسيكية الحديثة في شعر "حسن" بلغتها، وتجديدها، وخيالها، ورمزها على صعيد المفردة، التركيب، الجملة العادية، والجملة الشعرية، ونظام الانتقال في أغراض القصيدة عبر نسق فني معرفي تقدم كل خطوة فيه تشكيلة شعرية لها صورها، خيالها، بناؤها، وجمالها، وهي ترتبط بما قبلها وما بعدها بجسر شعري حالم يحمل فنية الانتقال وربطه العام في سياق القصيدة كلها، ومقاربتي الشعرية تقوم على لغة الخيال الشعري، وفنية بنائها، وعوالم مساحاتها المعرفية، واتكائها الفلسفي والنفسي، وبالتالي جمالية تجليها الصوري في النسق الشعري للشاعر "حامد حسن"، كما في ديوانه "أضاميم الأصيل" حين يقول واصفاً راقصة:

(سكر الندي بها وج... نّ الخمر، والسفح الملاب

وتكاد تقفز من عيو... نـــهم إلى الحمل الذئاب

عبرت أم ارتعشت على... سطح المعتقة الحباب

وتقصفت جسداً!! تكا... د عليه يحترق الثياب

شفّت غلائله وكي... ف يحتجب الشفق الضباب)».

وعن إيقاع المكان وتجلياته في شعر "حامد حسن" يتابع: «تزداد الروعة في شعره في الانتقالات ضمن القصيدة الواحدة وأغراضها البانورامية المتنوعة، والملونة التي حملت الأصالة، التاريخ، والوجدانية، وإيقاع دفء المكان وتجلياته الرائعة، إلى الحكمة والغزل والرومانسية الاندماجية الناعمة، فيقول واصفاً مدينته "الدريكيش":

(بلد إذا نزل المدب على العصا فيها... تعود له الشبيبة والصبا

بلد الوشاح السندسي وكلما... طلع الصباح على الوشاح تخضبا

ما أطيب السمر الشهيّ بها إذا... حلى الندى وما أرق وأعذبا)».

كما تحدث الشاعر الأستاذ "محي الدين محمد" من "الدريكيش" عن الثقافة الشعرية عند "حامد حسن" بالقول: «كان الشاعر الراحل واسع الثقافة والعلم والمعرفة، كتب القصة والمقال والبحث، ولكنه كان فارس فوارس الشعر في الخلق والإبداع، وأغنى المكتبة العربية بعشرات المؤلفات، تناول فيها كل فنون الشعر تقريباً، ونلاحظ أن له لغة خاصة به، تجذرت في نفسه من جهة، وتماهى هو ذاته فيها من جهة ثانية، بمعنى أن اللفظة والعبارة تمر في خاطره، ترسم صورة على لوحاته النفسية، ويغوص هو في خيوط ونسيج ألوانها، ويكشف عن عمتها وجوهرها وأصالتها، فإن هي أعجبته أبقاها، وإلا طرحها وأعفاها».

من أعمال الراحل الكبير "حامد حسن" ("عبق" - شعر، "أفراح الريف" - أوبريت، "الريف الثائر" - أوبريت، "أضاميم الأصيل" - شعر، "الخنساء" - مسرحية، "المكزون السنجاري" - دراسة، "صالح العلي ثائراً وشاعراً" - دراسة ومختارات، "الشعر بنية وتشريحاً" - دراسة).

ويُذكر أن "حامد حسن" هو مؤلف نشيد "جامعة الدول العربية" عام 1948، وقد تم انتقاء شعره من بين أكثر من 65 شاعراً من شعراء القمة العرب، وهو أيضاً مؤلف نشيد "الاتحاد النسائي العربي"، ويُذكر أيضاً أنه وبأمر من الرئيس الراحل "حافظ الأسد" تم وضع قصيدة فقهية له مطلية بماء الذهب في قاعة الشرف في الجامع "الأموي" في "دمشق"، وباقي القصيدة في باحة الجامع.