برز نشاطه الأدبي والثقافي مبكراً، وتكرس اسمه كواحد من الشعراء السوريين الكلاسيكيين الهامين والمعروفين، فشارك في مهرجانات الشعر الكبرى التي كانت تقام آنذاك كمهرجان "أبو فراس الحمداني" في محافظة "حلب" ومهرجان "الشريف الرضي" في "اللاذقية"، كما ساهم بتأسيس جمعية "الزهراء الخيرية"، وتأسيس منتدى "عكاظ الأدبي" في "بانياس" عام 1963..

فضلاً عن أنه شارك في المؤتمر التأسيسي لاتحاد "الكتاب العرب" بدمشق وعدة مؤتمرات أخرى، هو عضو شرف في مجمع نهج البلاغة العالمية، نال شهادة الدكتوراه في الإبداع في ذوق الحضارة والحرية من قبل الاتحاد العالمي للمؤلفين باللغة العربية، كما كرمته مجلة "الثقافة الدمشقية".

"أحمد علي حسن" جزء مهم من ثقافة "الملاجة" التي تكونت ببدايات القرن الماضي، ونتاجه جزء من الذاكرة الثقافية، حيث ستظل الأجيال تتناقل إبداعه الشعري والفكري والفلسفي والروحي على مر السنين

إنه الشاعر "أحمد علي حسن" المولود عام 1916 في قرية "الملاجة" بمحافظة "طرطوس"، ويحدثنا عنه ابنه البكر "معاذ أحمد حسن" فيقول: «كان شخصاً استثنائياً في حياته الثقافية، تعلّم القراءة والكتابة على يد والده وأخيه، ولم يكن باستطاعة أهله إرساله إلى المدرسة الرسمية في قرية "حمين" لذا أوكلت إليه مهمة الاهتمام برعي القطيع الصغير من ممتلكات العائلة، فشعر بأن في أعماقه شيئاً أكبر من واقعه هذا وانتقل إلى "طرطوس" عام 1934 ملتحقا بأخويه "عبد الكريم وسلمان" ساعياً العمل في التجارة ومن ثم في إنشاء مدرسة خاصة لكنه لم يفلح بذلك، كما التحق عام 1938 بالمعهد الشرعي الإسلامي "كلية الشريعة حالياً" ولم يكمل الدراسة بسبب ظروفه العائلية».

أحمد علي حسن

يتابع "معاذ": «بدأ حياته الإبداعية مبكراً حيث كتب أول مقال عن عمر يناهز 19 عاماً وأرسله إلى مجلة مصرية اسمها "هدي الإسلام" فنشرته عام 1935، وأصدر مجموعته الشعرية الأولى تحت عنوان "الزفرات" عام 1938، فكتب تحت العنوان مجموعة قصائد أدبية واجتماعية وكان بذلك من الروّاد الذين كرسوا اسماً مستقلاً لديوان الشعر ولمفهوم "مجموعة شعرية" بدل التسمية التي كانت سائدة آنذاك مثل "ديوان، أو مختارات، أو منتجات"، كما دخل بزمن مبكر من عمره وحياته الثقافية والأدبية في سجالات حوارية على صفحات بعض المجلات الأدبية والفكرية مع "سهيل إدريس" و"ألبير ضومط" ورد لاحقاً في كتب مستقلة على مؤلفات كتاب آخرين "كأبي موسى الحريري" و"عبد الحسين العسكري"، اهتم بالتاريخ والفكر فكان من كتبه وأبحاثه في هذا المجال "التصوف جدلية وانتماء" كما أرخ لقرية "حمين" وكتب بحثاً فيه قراءة تحليلية تاريخية ومقاربة انتروبولوجية لحياة وأسفار الشاعر المتصوف "المكزون السنجاري"».

ويقول "معاذ" مضيفاً: «أورثنا حب الثقافة، والفكرة التي حكمته باستمرار ونقلها إلينا هي أن أكثر ما يهم في الإنسان هو إنسانيته دون انتمائه المذهبي والطائفي أو العقائدي، ومن القضايا التي هيأ نفسه لخدمتها هي الارتقاء بالمشاعر الإنسانية، وكان يرى أن ثمة مغذيات أخرى في الحياة يمكن لها أن تكون سبباً لجعل الناس شعراء وفنانين مبدعين ألا وهي الإنسانية ذاتها».

عمل "أحمد علي حسن" عام 1939 رئيساً لتحرير جريدة "صوت الحق" التي كانت تصدر في "اللاذقية"، واستقر بدأً من عام 1948 في وظيفة بالعدلية استمر فيها حتى تقاعده عام 1974، كما نشر عدة مجموعات شعرية منها "الزفرات"، "نهر الشعاع"، "أنداء وظلال"، "قصائد مضيئة"، "على قبور الأحبة"، "صبابات" وديوان "أوحت لي السمراء"، إضافة إلى عدة كتب ضمت مقالات في النقد الأدبي منها "أضواء كاشفة، مواقف وعواطف ورعفات قلم"، أما في مجال الدراسات الفكرية ترك عدة مؤلفات منها "التصوف جدلية وانتماء، أضواء على الحقيقة الصعبة"، وقد شارك في ندوات وأمسيات شعرية وفكرية وكان مبرزاً ومجلياً فيها وهو آخر الراحلين من فرسان الشعر العمودي في هذه المحافظة.

حيث توفي في شهر تموز 2010 وشيعت محافظة "طرطوس" فقيدها إلى مثواه الأخير في قرية "الملاجة".

شارك "أحمد علي حسن" في المؤتمر التأسيسي لاتحاد "الكتاب العرب" بدمشق، كما أوفد ضمن وفد أدبي ثقافي إلى جمهورية "ألمانيا الديمقراطية" حسب تسميتها آنذاك أوائل سبعينيات القرن العشرين، عن ذلك يقول رئيس اتحاد الكتاب العرب الدكتور "حسين جمعة" لموقع "eSyria": «كان من المؤسسين لاتحاد الكتاب العرب، ومن الطلائع الأولى لمؤسسي جمعية الشعر ضمن الاتحاد، كما لم يمكن أن يكون هناك في تلك المرحلة وفد في اتحاد "الكتاب العرب" يتحدث عن اللغة العربية والشعر العربي، وأن يكون "احمد علي حسن" بعيداً عنه، لذلك اختياره في أساسه كان يعتمد على ما يوفره هذا الشاعر من روح في الوفد لأنه كان ينطق بلغة شعرية متميزة، وحتى مفارقته الحياة كان يمثل روح هذه الحياة الجديرة بأن توصف وتعرف في ملامح اللغة الشفافة الرقيقة».

يضيف د."جمعة": «الشاعر "احمد علي حسن" شاعر متميز على أكثر من صعيد بوصفه شاعراً انتهج منهج القصيدة التقليدية وأضاف إليها روح الحداثة فكان يتميز بالوضوح والدقة والحيوية للقصيدة التقليدية التي قربت هذه القصيدة من النفوس، وعندما نستشعر أي قصيدة من قصائده نرى صورة المتنبي في صورته، هو شاعرٌ من الشعراء المعاصرين يعالج قضايا الأمة والوطن والكثير من النواحي الاجتماعية، كما كان متصوفاً في لغته وشعره، فـ"التصوف جدلية وانتماء" يعدّ هذا الكتاب من أفضل الكتب والدراسات التي تناولت التصوف».

من قريته الدافقة بنقاء الطبيعة وثقافة الحب والجمال استمد "أحمد علي حسن" إكسير إبداعاته لينثر في خباياها ما أعطته "الملاجة"، وفيها حيث يقام مهرجان السنديان الثقافي، أهدت أسرة المهرجان دورته الرابعة عشرة في صيف 2010 إلى روحه، حيث التقينا الشاعرة "رشا عمران" مديرة المهرجان وتقول: «"أحمد علي حسن" جزء مهم من ثقافة "الملاجة" التي تكونت ببدايات القرن الماضي، ونتاجه جزء من الذاكرة الثقافية، حيث ستظل الأجيال تتناقل إبداعه الشعري والفكري والفلسفي والروحي على مر السنين».