عطاؤه الفكري لم ينتهِ بتقاعده من العمل الرسمي عام 1998، بل ظل مستمراً في الصحف والمجلات المحلية والعربية، وفي تأليف الكتب السياسية المختصة بالولايات المتحدة وكان الصحفي الراحل "محمد محلا" قد بدأ حياته المهنية عام 1968 في جريدة "الثورة"، وتنقّل بين مفاصلها الهامة، ففي البداية كان محرراً، ثم انتقل إلى دائرةالتحقيقات، ولاحقاً عيّن رئيساً لها، من ثم رئيساً لدائرة الدراسات، وأميناً لتحرير الشؤون السياسية، واستمر في الجريدة حتى تقاعده.

"فراس محلا" نجل الراحل يقول إنّ والده وخلال مسيرته العملية زار معظم دول العالم، وقد وظف تلك الزيارات واستثمرها في جمع المعلومات والوثائق، ليقوم بدراستها وتحليلها ومعالجتها وطرحها في دراساته وكتبه لاحقاً، وترك بصمةً وعلامةً فارقةً في تاريخ الصحافة السورية والعربية من خلال تغطيته لأحداث هامة، كان أبرزها معايشة ما جرى على جبهتي القتال في حرب تشرين 1973، الحرب العربية الأولى في التاريخ المعاصر، متنقلاً بين خنادق "الجولان" وتحصيناته، وفي "سيناء" وقناة "السويس"، كما شارك بتغطية أحداث أيار في "لبنان" عام 1975، عندما بدأت أول حادثة في "بيروت"، فعايش ظروفها برفقة خمسة وأربعين صحفياً عربياً، قاموا فيها بجولة في بعض المؤسسات الصحفية والسياسية والاقتصادية، وبقي متابعاً للتطورات اللاحقة جميعها بعد الغزو الإسرائيلي والتدخل العسكري الأمريكي المباشر.

هو صحفي وباحث ترك بصمته والعديد من المؤلفات الهامة، فعندما عملت في صحيفة الثورة كان أميناً للتحرير معنياً بالشؤون السياسية التي تتبع لها دائرة الدراسات والأخبار، حينئذٍ كان العمل الصحفي مميزاً بالقدرة على الدقة والمتابعة ولا سيما في شؤون الصراع العربي الصهيوني، وقد عمل الأستاذ "محلا" على ترسيخ عمق الدراسات السياسية والقدرة على المتابعة، ولطالما تابعت مؤلفاته في الشؤون السياسية بالأخص دراساته حول "تركيا"، وحين عملت في مؤسسة "الأرض" للدراسات الفلسطينية، كان هو ممن تعاون مع المؤسسة وقد نشر في مجلتها مجموعةً من الدراسات الهامة جداً

أما على الساحة العالمية فكان من أبرز الأحداث التي كُلّف بتغطيتها، حضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في الدورة السادسة والثلاثين في شهر تشرين الأول عام 1981، وتغطية زيارة الرئيس الألماني الديمقراطي "إريش هونيكر" لـ"سورية"، وتغطية الاجتماع الخاص بالديون الخارجية لـ"أمريكا اللاتينية" ومنطقة "البحر الكاريبي" في آب 1985، ورافق الرئيس الراحل "حافظ الأسد" في آخر زيارة له إلى "العراق"، هذا إلى جانب الكثير من الدراسات المنشورة له في الصحف المحلية والعربية والتي زادت على ثلاثة آلاف دراسة وبحث، أما تحليلاته السياسية فكانت تذاع بعد نشرات الأخبار على الإذاعة السورية الرسمية.

أحد مؤلفات الصحفي الراحل

من خلال مؤلفاته في مجال السياسة، حاول أن يكون مدافعاً عن قضايا الوطن والأمة، وبرأيه إنّ الدفاع أولاً وأخيراً لا يعني إلا توظيف ما يمتلكه الإنسان من إمكانات ووسائل ليكون حسم المعركة بيده، وبالتالي إبطال فعالية ما يقوم به العدو ضد الوطن والشعب والأرض والوجود، لذلك نجد الصحفي الراحل قد سخر كل إمكاناته لتشريح وتظهير أعداء الوطن وأتباعهم، وفي هذا المجال ألّف 16 كتاباً كان أولها عام 1984 بعنوان "قوات التدخل الأمريكية من روزفلت إلى ريغان" وآخرها كتاب "أبواق التلمودية العالمية" الصادر عام 2010، وجميع مؤلفاته تعدُّ مرجعاً نوعياً هاماً في مجال السياسة والتحليل السياسي.

وعنه ككاتب يكمل نجله "فراس" لمدوّنة وطن "eSyria": «كان كاتباً صادقاً عميقاً، واسع المعرفة والاطلاع بالمواضيع التي يكتب عنها، فيهتم بتحليل وتشريح المادة المدروسة من كافة جوانبها، ويوظف كل إمكاناته البحثية والفكرية لخدمة قضايا الوطن والأمة والدفاع عنها، وفي ذلك عمل على إبراز دور القيادة وحكمتها في التعامل مع أعداء الوطن، وبيّن الدور القومي لـ"سورية" في الدفاع عن قضية العرب المركزية "فلسطين"، وإبراز الدور التخريبي للاستقرار والأمن في العالم على يد "أمريكا" والعدو الصهيوني وأتباعهما، أيضاً تناول في تحليلاته المشاكل المزمنة للعرب من تفرقة وتبديد للثروات وغير ذلك، وفي الحقيقة كانت نظرته للأحداث والوقائع نظرة خبير محنك، ذلك يرجع لإلمامه بتاريخ المنطقة وطبيعة أعدائها وتاريخهم، وقد استند على هذا التراكم المعرفي الكبير في تحليلاته إلى جانب عوامل أخرى منها المعلومات والوثائق والإحصائيات التي عمل على جمعها، وخبراته المكتسبة نتيجة أسفاره الكثيرة، وخبرته كصحفي».

أما أ. "ديب علي حسن" أمين تحرير الشؤون الثقافية في جريدة "الثورة" فيقول: «هو صحفي وباحث ترك بصمته والعديد من المؤلفات الهامة، فعندما عملت في صحيفة الثورة كان أميناً للتحرير معنياً بالشؤون السياسية التي تتبع لها دائرة الدراسات والأخبار، حينئذٍ كان العمل الصحفي مميزاً بالقدرة على الدقة والمتابعة ولا سيما في شؤون الصراع العربي الصهيوني، وقد عمل الأستاذ "محلا" على ترسيخ عمق الدراسات السياسية والقدرة على المتابعة، ولطالما تابعت مؤلفاته في الشؤون السياسية بالأخص دراساته حول "تركيا"، وحين عملت في مؤسسة "الأرض" للدراسات الفلسطينية، كان هو ممن تعاون مع المؤسسة وقد نشر في مجلتها مجموعةً من الدراسات الهامة جداً».

الصحفي الراحل من مواليد قرية "خرايب سالم" في ريف "جبلة" عام 1941، درس اللغة العربية في جامعة "دمشق" وتخرج منها عام 1974، حاصل على دبلوم الدراسات العليا في اللغة العربية من جامعة القديس "يوسف" في "لبنان" أيضاً، ولديه أربعة أبناء "فراس" و"إياد" و"لارسا" و"راغدة" التي تحدثنا عن بعض الجوانب الشخصية عن والدها فتقول: «أبرز ما تتميز به شخصيته الصلابة والثقة بالنفس والصدق، والجرأة في النطق بالحق، أيضاً الجدية والتنظيم وحب العمل وتقديس العلم، فهو مؤمن أن لا مستحيل في الحياة، وقد قيل عنه الآلة التي لا تتعب فكان رده: نعم لا أتعب لأنني أحب عملي، ولهذا فقد كان مركز ثقل واستقطاب سواء في عمله أو حتى في الجلسات الاجتماعية والثقافية، أما على صعيد الأسرة فقد كان محباً لكن صارماً في الموضوعات الحساسة التي لا تقبل المساومة، وكان يقدس العلم وهذا ما انعكس على تحصيلنا العلمي وما وصلنا إليه جميعاً من مستويات علمية وعملية، وفي العائلة كان محباً للجميع حريصاً على صلة الرحم، وكذلك علاقته مع الأصدقاء المقربين اتسمت بالوفاء والتعاون والتقديس لقيم الصداقة ومعانيها».

يذكر أنه إلى جانب 16 كتاباً ألفها الصحفي الراحل "محمد محلا" في السياسة، له عشرات المحاضرات التي ألقاها في معظم محافظات القطر في المراكز الثقافية، واتحاد الكتاب العرب، والإدارة السياسية وغيرها من المؤسسات الرسمية، هو عضو اتحاد الصحفيين، وعضو اتحاد الكتاب العرب وفي جمعية البحوث والدراسات، ونتيجةً لجهوده الفكرية الهامة تم منحه العديد من شهادات التقدير من اتحاد الكتاب العرب واتحاد الصحفيين وغيرها من مختلف الفعاليات.

أجري اللقاء بتاريخ 11 كانون الثاني 2021.